تقترب مكانة أفريقيا من أدنى درجات سلم المنافسة على مستوى الاقتصاد العالمي، لكن تجزؤ أسواقها يضعف كفاءتها ويحد من نموها الاقتصادي، بحسب ما قاله “هيبوليت فوفاك” كبير الاقتصاديين في البنك الأفريقي للتصدير والاستيراد، وقد شهدت الفترة الأخيرة حدثاً مهماً من الممكن أن يلعب دوراً في صعود القارة السمراء اقتصادياً، وهو ما يمكن أن يغير الأوضاع الاقتصادية للقارة، ويتغلب على التجزؤ المهيمن على أفريقيا ويعزز الإنتاجية في اقتصاداتها.. فما الذي جرى؟
في مارس آذار الماضي وقع رؤساء /44/ دولة أفريقية على إطار لتأسيس سوق قارية موحدة للسلع والخدمات، تتيح حرية حركة رأس المال والمسافرين بغرض العمل، ثم انضمت إليها /5/ بلدان أخرى منها جنوب أفريقيا، في شهر تموز، ولا تزال المنطقة الحرة بانتظار تصديق مجالس النواب في /22/ بلداً على الأقل، وصدقت عليها /7/ بلدان حتى الآن حتى تدخل الاتفاقية حيز التنفيذ خلال عام 2019.
يصل حالياً حجم التجارة البينية الأفريقية إلى 17 في المئة من إجمالي التجارة، وبنفاذ الاتفاقية سيصل حجم التجارة البينية إلى 60 في المئة، ومنطقة التجارة الحرة الأفريقية يمكن الاستفادة منها في تقليل الاعتماد على العملة الأجنبية من خلال التبادل التجاري بالعملات المحلية للدول وتخفيف الضغط على العملات الأجنبية، وإضافة إلى رفع مستوى كفاءة السوق وتخفيض تكاليف مارسة الأعمال، بإتاحة الفرص لتحقيق وفورات الحجم، بإمكان المنطقة الحرة أن تسهل تدفقات التجارة والاستثمار وتبدل تكوين الاستثمار الأجنبي المباشر وتُوجهه نحو أفريقيا.
مقومات مهمة للنجاح
أجمع خبراء الاقتصاد على أن التجارة والاستثمار يمثلان المحور الرئيسي لمواجهة تحديات الصعود الأفريقي مثل البطالة وللحد من الهجرة غير الشرعية، وتشير الإحصاءات إلى ارتفاع عدد سكان أفريقيا من/ 1.2/ مليار نسمة حالياً إلى /2/ مليار نسمة بحلول 2050، ما يعزز مكانتها كواحدة من أكبر أسواق العالم، وتمتلك القارة السمراء مقومات مهمة للنجاح، منها أنها ثاني أكبر قارة في العالم، ونسبة 12.5 في المئة من عدد سكانها في سن العمل، وتمتلك 60 في المئة من الأراضي الخصبة غير المزروعة و50 في المئة من الإنتاج العالمى للبلاتينيوم، والكوبالت، والماس، وعنصر «التنتالوم» الكيميائي، و11 في المئة من الإنتاج العالمي للنفط و6 في المئة من الإنتاج العالمي للغاز الطبيعي و4 في المئة من الإنتاج العالمي للفحم.
وبحسب تقرير لبنك التنمية الأفريقي نمت اقتصادات أفريقيا البالغ عددها /54/ اقتصاداً بنسبة 3.6 في المئة عام 2017، ويتوقع البنك أن متوسط النمو سوف يتسارع إلى 4.1 في المئة في 2018، في حين أن البنك الدولي يتوقع نمو غانا بنسبة 8.3 في المئة وإثيوبيا بنسبة 8.2 في المئة، والسنغال بنسبة 6.9 في المئة، ما يضع هذه الدول بين الاقتصادات الأسرع نمواً في العالم.
اندماج يخفف آثار الصدمات المعاكسة
يقول “هيبوليت فوفاك” كبير الاقتصاديين بالبنك الأفريقي للاستيراد والتصدير: «في ظل هذه الحقيقة الجديدة، ربما كان دور القدرة التنافسية أهم في الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، وفي أفريقيا، نجد أن الدفع نحو تعميق الاندماج التجاري وتعزيز التجارة داخل أفريقيا في ظل منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية من المرجح أن يخفف الآثار السلبية للصدمات العالمية المعاكسة، فاتساع السوق المحلية الفعالة هو تأمين من اضطرابات التجارة العالمية التي تقترن بالتقلبات التي يشهدها العالم أو بانكماش الطلب العالمي.
جني الثمار الكاملة لمنافع العولمة
في ظل المشهد التجاري ذي المحصلة الصفرية، نرى عدداً متزايداً من البلدان التي تتنافس على السوق نفسه وأكثر البلدان تنافسية، التي لديها أساسيات اقتصادية وأطر سياسات قوية ومصادر متنوعة لتحقيق النمو، هي وحدها التي يُرجح أن تتوسع وتحافظ على نمو حصتها في التجارة، وهؤلاء في أفضل وضع يؤهلهم لتخفيف المخاطر المصاحبة للاندماج الاقتصادي والمالي العالمي وبالتالي جني الثمار الكاملة لمنافع العولمة.
أما أقل الاقتصادات تنافسية فكانت من ضحايا عاجزين أمام العولمة، وظلت تقوم بدور التلقيم، فتورد المواد الخام والموارد الطبيعية اللازمة لزيادة ناتج الصناعة التحويلية في البلدان التي تسعى قيد الإصدار إلى العولمة بنشاط أكبر، وليس ثمة ما يدعو إلى الدهشة في أن دعاة العولمة السلبيين كانوا أكثر عرضة لمخاطر العولمة، كانتقال الصدمات السلبية بوتيرة أسرع في أنحاء العالم، وتقلبات أسعار السلع الأولية، وتدهور معدلات التبادل التجاري للسلع الأولية لفترات طويلة، وانخفاض الطلب العالمي إما بدافع من زحف الحمائية، وإما بسبب فترات الهبوط المتزامنة، وأدت هذه المخاطر إلى خنق تطلعات البلدان المتأخرة عن الركب، حيث وجد معظمها نفسه حبيس حلقات مفرغة من التقلب المفرط في النمو والأزمات الهيكلية في موازين المدفوعات.
التغلب على التجزؤ وإدماج الاقتصادات
تواجه أفريقيا مجموعة من العقبات أمام القدرة التنافسية والتجارة، فالخطوات التي اتخذتها لتحسين البنية التحتية الاقتصادية والإصلاحات التي أجرتها لدفع الابتكار أخمدتها مقاومة المؤسسات والتكاليف الباهظة المصاحبة لتطوير البنية التحتية واللحاق بركب التكنولوجيا، وكان التقدم بطيئاً بنفس الدرجة كذلك في عوامل التنافسية وإن كانت آخذة في الارتفاع، ولا تشكل سوى 15 في المئة تقريباً من مجموع تجارة أفريقيا، مقابل 68 في المئة في أوروبا و58 في المئة في آسيا.
وإضافة إلى الحواجز غير الجمركية، هناك عوامل أخرى تسهم في هذه الندرة، مثل وضع الحوكمة، وهيكل الإنتاج، ووجهة التجارة الموروثة من النموذج الاستعماري لاستخراج الموارد، والقيود على جانب العرض، وتشمل هذه القيود على جانب العرض صِغر حجم قاعدة الصناعة التحويلية، والتكلفة الباهظة لتمويل التجارة، ومحدودية إمكانات الحصول على معلومات، وعدم وجود البنية التحتية اللازمة التي تمكن من التبادل التجاري أو ارتفاع تكلفتها، وبالتالي فإن التغلب على التجزؤ في أفريقيا وجمعها معاً تحت المنطقة الحرة هي أولى الخطوات نحو زيادة القدرة التنافسية وإدماج الاقتصادات الأفريقية في الاقتصاد العالمي كدعاة إيجابيين للعولمة، وسوف ينتج عن منطقة التجارة الحرة القارية إنشاء سوق تضم /1.2/ مليار نسمة يبلغ إجمالي الناتج المحلي لها مجتمعة /2.5/ تريليون دولار، بينما يزيد إنفاق المستهلكين وقطاع الأعمال معاً على /4/ تريليونات دولار.
تعزيز القدرة التنافسية
إن عمليات المحاكاة الأساسية التي تفترض توسع أسواق السلع والعمل وارتفاع مستوى كفاءتها في ظل المنطقة الحرة تشير إلى علو مرتبة أفريقيا بشكل كبير في مؤشر التنافسية العالمية على المدى القصير والمتوسط، وقد يزداد متوسط مرتبة أفريقيا علوا على المدى الطويل، وربما تحقق ذلك إذا أدت منطقة التجارة الحرة القارية إلى زيادة ديناميكية بيئة التجارة والاقتصاد، ما يوسع قواعد الصناعات التحويلية، ويدعم نمو صناعات تجهيز المواد الزراعية على النحو الملائم للاندماج في سلسلة القيمة، ويعجل وتيرة تنمية الأسواق المالية وتكاملها، وهذا التقدم المالي يتيح مثلاً إدراج الشركات بشكل متبادل في أسواق الأسهم المختلفة، ويشجع على تنمية التمويل غير المصرفي، وإنشاء مكاتب المعلومات الائتمانية المرجعية للحد من عدم اتساق المعلومات ومخاطر الائتمان، ومن شأن هذه الإجراءات أن تسهل الحصول على ائتمان في منطقة أدت ضحالة أنشطة الوساطة المالية فيها وتجزؤ أسواقها المالية إلى القضاء تماماً على القدرة التنافسية ونمو القطاع الخاص، وبإنشاء واحدة من أكبر مناطق التجارة الحرة في العالم يمكن تعزيز القدرة التنافسية من خلال قنوات أخرى مثل نقل التكنولوجيا، والتنمية الصناعية، وتنويع مصادر النمو وتوسيع التجارة الأفريقية البينية.
الصين أكبر شريك تجاري
رغم التحديات الصعبة التي تواجه القارة السمراء، فإن وجود نقاط مضيئة يجذب إليها مزيداً من الاهتمام العالمي، الأمر الذي يعبر عنه ارتفاع حجم استثمارات الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، في حين تظل قضية اللاجئين عاملاً تحفيزياً لاهتمام أوروبا أكثر بأفريقيا.
ومع صعود الصين عالمياً توسع دورها في أفريقيا خلال العقدين الماضيين، وبحسب إحصاءات «معهد أميركان إنتربرايز» قدر إجمالي حجم الاستثمارات الصينية في أفريقيا بنحو /1.870/ تريليون دولار بين عامي 2005 و2018، وكان نصيب أفريقيا جنوب الصحراء منها /298/ مليار دولار، لتحل في المركز الثالث بعد آسيا وأوروبا كأكبر الوجهات المتلقية للاستثمارات الصينية، وأصبحت الصين أكبر ممول لمشروعات البنية التحتية في أفريقيا متجاوزة مجموع ما يضخه بنك التنمية الأفريقي والاتحاد الأوروبي ومؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي و«مجموعة الثماني»، وتصدرت نيجيريا المركز الثاني بحجم استثمارات بقيمة /49.2/ مليار دولار، تليها أنغولا بنحو/24.5/ مليار دولار ثم إثيوبيا /23.6/ مليار دولار.
وعلى الصعيد التجاري، أصبحت الصين أكبر شريك تجاري لأفريقيا بدلاً من أمريكا منذ عام 2009، وارتفعت المعاملات التجارية بين الصين وأفريقيا بأكثر من /170/ مليار دولار عام 2017، مقارنة بنحو /6.4/ مليارات دولار في عام 2000، وبالمقابل خلال الفترة نفسها، ارتفع حجم التجارة بين الولايات المتحدة وأفريقيا بنحو /10/ مليارات دولار فقط إلى /42.8/ مليار دولار، من ناحية أخرى ارتفع حجم القروض الصينية بشكل يثير مخاوف أفريقية حيث تمتلك الصين 20 في المئة من الدين الأفريقي.
Discussion about this post