دانيه الدوس
شيء ملفت ربما هو ما يميز معرض الباسل للإبداع والاختراع هذا العام عن غيره من دورات سابقة، أمر يدعو إلى التفاؤل بمستقبل واعد لأطفال طموحين كما قال مدير المعرض ياسر سعدة؛ فـ40% من الاختراعات المشاركة في المعرض هذه الدورة هي لأطفال وشباب تتراوح أعمارهم بين 10 أعوام و16 عاماً، بينما تتنوع المشاركات الأخرى لأشخاص طوروا اختراعاتهم الماضية لتكون قابلة للتطبيق على أرض الواقع، بالمقابل وعود قاطعة من وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك الدكتور عبد الله الغربي بالاستفادة من تلك الاختراعات واستثمارها وتطبيقها في المجالات الصناعية والإنتاجية والخدمية بالتشاركية مع جميع الجهات المعنية في الدولة، ومع أصحاب الفعاليات الاقتصادية والصناعية، كل ذلك يعطي بصيص أمل في إيقاف نزيف هجرة المبدعين الشباب الى خارج سورية.
مستقبل واعد
اختراعات متنوعة ينحصر أغلبها في مجالات التكنولوجيا والميكانيك والمجالات الهندسية والطبية، منها 48 اختراعاً لطلاب في المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية من اتحاد شبيبة الثورة وطلائع البعث، قد تكون بدائية أو نقل لفكرة موجودة، لكنها تنم عن إبداع كامن بمستقبل واعد، ناهيك بأن 10% من الاختراعات المشاركة في المعرض هي لأشخاص اشتركوا في الدورة السابقة، وأخذوا فكرة عن كيفية البحث في قاعدة المعلومات وطوروها، بينما شملت باقي الاختراعات مشاريع تخرج لطلاب جامعيين قابلة لأن تتحول إلى براءات اختراع في المستقبل، وهذا أمر جيد لا سيما وأن الهدف من المعرض كما يؤكد سعدة تعليم المشاركين كيفية إيداع براءة اختراع وتطوير اختراعاتهم من خلال الاحتكاك مع المخترعين القدامى، والبحث مع الجهات الأخرى كيفية استثمار تلك الاختراعات.
ولكن هل من راءٍ؟
اختراعات لمشتركين من شبيبة الثورة لفتت انتباه الوزير الغربي فوصفها بالاختراعات الفائقة للخيال أثناء تصريحه للصحفيين حول المعرض، تشمل براد ودارة عمل للتعليم الكهربائي تختصر التعليم المهني لسنوات، فبرأيه هذه الدورة متميزة وتختلف عن دورة العام الماضي من حيث التحضير المسبق لها على عكس الدورة الماضية التي تمت على عجالة مشيراً الى اقتصار الوزارة على 540 اختراعاً من أصل 900 اختراع قدموا للوزارة بسبب صغر الجناح المخصص للمعرض، داعياً أصحاب رؤوس الأموال ورجال الأعمال للاستفادة من الاختراعات المشاركة في المعرض حسب مجال عملهم واعداً بتبني الوزارة تلك الاختراعات عبر طرحها في سوق العمل الصناعي والإبداعي.
من رحم المعاناة يولد الابداع
معاناته من جمع المتراكم أسفل مكنات الطحن والتي تحتاج إلى جهد عضلي كبير منه، جعلته يفكر في اختراع جهاز نقل هوائي لنقل مادة الدقيق آلياً، بشكل يوفر الجهد والوقت ويزيد من الطاقة الإنتاجية، الدكتور أحمد العوض المحاضر في كلية الهندسة الميكانيكية والكهربائية بجامعة دمشق والذي يعمل في مطحنة اليرموك في درعا، حصل من اختراعه هذا على الجائزة الأولى في معرض الباسل، وهذا ليس الاختراع الأول له، فهنالك الكثير من الأبحاث العلمية التي قدمها في بريطانيا وماليزيا ومنذ عام 2014 تمت دعوته للإقامة في أوربا لكنه كما أكد آثر البقاء في بلده للمساهمة في إعمارها.
يقول العوض: تحتاج عملية الكوثرة إلى جهد عضلي كبير ويمكن أن نضطر الى توقف خط الإنتاج بشكل كامل، لكن من خلال هذا الجهاز تتم الكوثرة بشكل آلي بزمن وجهد وعمالة ألق، كما يمكن استخدامه في عمليات تنظيف أرضيات وأسطح المكنات وخاصة في الأماكن التي يصعب الوصول اليها للأجهزة الميكانيكية والكهربائية.
هذا الاختراع الذي أثبت جدواه عند تنفيذه لأول مرة على مطحنة اليرموك بدرعا وعلى 3 مطاحن أخرى في دمشق، وسيتم تعميم الفكرة لتنفيذها على جميع المطاحن بقرار من وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك.
كهرباء باردة وعصا للمكفوفين
“اختراع يمكن أن يحدث ثورة في العلم” كما يقول أحد أعضاء الفريق موضحاً أن تعرض الشخص لأكثر من 120 فولت من الكهرباء يمكن أن يقتله في مكانه، ولكن هذا من المستحيل أن يحدث عبر اختراع نوع جديد من الكهرباء الباردة 100 ألف فولت، قمنا بتوليفها بحيث لا تؤذي جسم الإنسان، ويمكن بها كما يقول عبد القادر أبو بكر تشغيل المحركات والبرادات والقطارات والسيارات، وبعد بناء مجموعة أبراج حول الكرة الأرضية مشيراً الى أن هذا الاختراع يساعد في التخلص من البنية التحتية للكهرباء والأعطال الناتجة عن التقلبات المناخية.
دراستهما في كلية هندسة الحاسبات شجعتهما على التطبيق العملي والإبداع، فاطمة وياسمين إسماعيل قامتا باختراع عصا ذكية للمكفوفين تساعد الكفيف على تجاوز عقبات المخاطر التي يمكن أن تواجهه من خلال إصدار تنبيهات مختلفة، فعلى بعد 25 سم من أي حاجز تصدر العصا صوت تنبيه متقطع، وعلى مسافة أقرب من ذلك تصدر تنبيهاً متواصلاً، وأما في حال مروره على بركة ماء فتصدر تنبيه مختلف، وكذلك الأمر اثناء الصعود والنزول وعلى الدرج بحيث يصعد وينزل بشكل آمن بدون مساعدة الآخرين، وفي حال وجوده في مكان مظلم ولتنبيه الآخرين بوجوده تضيء العصا، كما يمكن أن يجدها بواسطة جهاز عند ضياعها في المنزل.
خوفها من تعرضها للأذى عند ممارسة عملها دفعها الى اختراع الحامل الميكانيكي للرحم الظليل، طالبة الطب دانية قلعجي اختصاص سنة أولى أشعة رأت أنها لا تستطيع أن تجري سوى 3 تصاوير، فالأشعة تؤذيها ويمكن أن تمزق الرحم، كما أن الضغط العشوائي للطبيب أثناء الحقن يمكن أن يسبب مشاكل لعنق الرحم عند المريضة تقول قلعجي عن الاختراع: هذا الجهاز يقلل من تعرض الطبيب للأشعة كما أنه يحمي رحم المريضة من التمزق من خلال ثباته عند حد معين من الممكن زيادته بالضغط على زر محدد.
دفع إلكتروني
على الرغم من صغر سنه لكنه يفكر في تأسيس شركة للدفع الإلكتروني إذا تم تمويل اختراعه، مهندس الاتصالات محمد فادي شموط صاحب مشروع “الدفع الإلكتروني” الآمن، عبر الجوال الشخصي الذي هو عبارة عن دفع مالي عن طريق الجوال الشخصي للمشترك في سورية، لقاء الحصول على مواد وخدمات تجارية بأسعار مخفضة ما يؤمن سهولة الوصول والتواصل وقبض ودفع المبالغ المالية عن طريق الجوال، مع إمكانية الحصول على أرباح مالية وقروض من دون فوائد وتمويل مشاريع صغيرة، عبر التشاركية المالية بين الشركة والمشترك ومحاولة تأمين فرص عمل وميزات وعروض خاصة بالحفلات والرحلات للمشتركين حصراً.
وعن ماهية هذا المشروع يقول شموط: يقوم المشترك بفتح حساب مصرفي خاص بحساب سوريتي لدى المصرف المتعامل معه، ثم يأخذ الاستمارة (سوريتي) الخاصة به والتي يزوده بها المصرف لتقوم سوريتي بدورها بربط حسابه المصرفي برقم جواله، وإرسال البرامج عليه ليصبح جاهز لعمليات القبض والدفع والتحويل إلى جميع الأشخاص الذين لديهم حسابات مشابهه (سوريتي)، بحيث يمكن صرف المبالغ المالية من أي مركز أو فرع معتمد لدى سوريتي.
وحول ميزات المشروع أكد شموط أنه يمكّن المشتركين من الدفع والقبض إلكترونياً، سواء كانت لمطعم أو لمواد تعليمية أو لشراء قرطاسية أو لأي شيء في الدوائر الرسمية، وتحويل الأموال بطريقة آمنة ودفع الأقساط والفواتير بسهولة وشراء الخدمات والحاجيات بيسر، وضبط الأرصدة والإعلان في البرنامج عن سلع وخدمات ومواد وعقارات.
وأخيراً.. ما لا يمكن التشكيك فيه هو قدرة الشباب السوري وإبداعه وتميزه في أي مجال يدخل مضماره، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هل سيتم استثمار تلك الطاقات الشبابية وتشجيعها على الابتكار؟ من خلال تمويل اختراعاتها أم ستبقى تلك الاختراعات حبيسة التجربة لا تلقى صدى يعينها على النمو في بلدها؟، فيضطر حينها المخترع السوري إلى الهجرة خارجاً إلى بلد يقدر إمكاناته وكفاءته.
نحن جميعاً نقف أمام مسؤولية كبيرة عنوانها العريض “تثبيت الكوادر والكفاءات” لأن البلاد لا تُبنى إلا بسواعد أبنائها.
Discussion about this post