ضغوطات متتالية يمارسها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب على منظمة «أوبك» لتخفيض أسعار البترول، من خلال التصريحات الإعلامية والتدوينات على موقع «تويتر»، ويدعم ترامب في هذا الضغط المتواصل على «أوبك»، أعضاء ديمقراطيون بمجلس الشيوخ الأمريكي، والذين يطالبون ترامب مراراً بالضغط على المنظمة لاتخاذ خطوات لخفض أسعار النفط، خوفاً من أن يلتهم ارتفاع تكلفة الوقود حصيلة التخفيضات الضريبية للأمريكيين.
وأقرت اللجنة القضائية في مجلس النواب الأمريكي بالإجماع، في السابع من شباط الماضي، مشروع قانون معروف باسم قانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط، أو «نوبك» (Nopec)، ويلقى مشروع القانون دعماً من الحزبين الجمهوري والديمقراطي، ومن شأن التشريع تعديل قانون مكافحة الاحتكار الأمريكي ليلغي الحصانة السيادية التي حمت طويلاً أعضاء منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» من الدعاوى القضائية في الولايات المتحدة، ويسمح التشريع لوزارة العدل الأمريكية بمقاضاة المنظمة أو أي من أعضائها بدعوى التواطؤ.
ظهرت نسخ من مشروع القانون في الكونغرس على مدار العشرين عاماً الماضية، وجرت الموافقة على مشروع قانون في 2008 في رئاسة جورج دبليو بوش، ولوح باراك أوباما، باستخدام حق الاعتراض «الفيتو» ضد أي مشروع قانون يحمل هذا المضمون.
وفي هذا السياق يقول وزير الطاقة الأمريكي ريك بيري: إن الولايات المتحدة بحاجة إلى توخي الحذر بشأن تشريع لم يتم إقراره بعد، سيسمح لوزارة العدل بمقاضاة أوبك وغيرها من منتجي النفط بسبب تخفيضات في إنتاج الخام، مشيراً إلى أن هذا الإجراء قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار في الأجل الطويل، محذراً من أن مشروع القانون ربما يتسبب في تقليص إدارة الإمدادات من جانب منتجي النفط في الأسواق العالمية، وهو ما قد يؤدي إلى تخمة في النفط وتراجع الأسعار، وبالتالي قد يكون له تأثير غير مقصود يدفع في نهاية المطاف الكثير من المنتجين إلى خارج السوق، ما قد يدفع الأسعار للارتفاع.
«تغريدات» ترامب تربك أسواق النفط
أبدى الرئيس الأمريكي قلقه بشأن أسعار النفط، ودعا منظمة البلدان المصدرة للبترول «أوبك» إلى عدم السعي لرفع الأسعار في الأسواق، وقال في تغريدة «أسعار النفط ترتفع أكثر ما ينبغي، أعضاء أوبك، رجاء استرخوا وخذوا الأمور ببساطة، العالم لا يستطيع تحمل طفرة سعرية – الوضع هش!»، وأشار ترامب إلى أن الولايات المتحدة أصبحت أكبر منتج للطاقة عالميا ومستعدة لتصدير النفط والفحم والغاز الطبيعي.
وأحدثت هذه التغريدات ارتباكاً بأسواق النفط، حيث تضاربت توقعات المتعاملين في السوق حول السياسات المحتملة لمنتجي النفط، ما أدى في نهاية المطاف إلى حدوث تذبذبات كبيرة في الأسعار، ويقول المحللون إن الولايات المتحدة، أكبر مستهلك للنفط في العالم، ترغب في درء موجة صعود الأسعار في الآونة الأخيرة، الحاصلة من جراء قيام منتجين بخفض إنتاجهم في إطار «أوبك».
وقال “سبنسر ديل” كبير الخبراء الاقتصاديين في مجموعة «BP» النفطية العملاقة، إن حالة من عدم اليقين تهيمن على وضع معروض النفط في الأسواق، بعد انقطاع في الإمدادات من إيران وفنزويلا.
لا نتلاعب بأسعار النفط!!
من جانبه، نفى الأمين عام لمنظمة «أوبك»، محمد باركيندو، أن تكون المنظمة تتلاعب بأسعار النفط، ويأتي ذلك في وقت تقود فيه المنظمة تخفيضات الإنتاج لتحقيق توازن بين العرض والطلب في الأسواق.
ورداً على سؤال بشأن إقرار لجنة بمجلس النواب الأمريكي مشروع قانون يستهدف تخفيضات معروض نفط «أوبك»، قال «باركيندو» على مهمش مؤتمر قطاع الطاقة في القاهرة: إن «عملنا ليس التلاعب في الأسعار، وبالتالي فمن الإجحاف اتمهمنا بذلك».
من ناحية أخرى أكد باركيندو إنه يرحب بمشاركة ترامب في حوار بشأن تحقيق التوازن بين العرض والطلب في سوق النفط، وأضاف أن الولايات المتحدة، باعتبارها أكبر منتج للنفط في العالم، لها مصلحة إستراتيجية في المسألة.
دور «أوبك»
تشير دراسة لمركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة، أعدها الباحث علي صلاح، حملت عنوان «ماذا لو اختفت أوبك من أسواق النفط العالمية؟» إلى أنه منذ تأسست منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» في سبتمبر (أيلول) عام 1960، تقوم المنظمة بضبط حركة أسواق النفط العالمية، من خلال سياسة نفطية موحدة للدول الأعضاء، تقوم على مبدأ أساسي وهو «موازنة العلاقة بين العرض والطلب في أسواق النفط»، وقد ساعدت المنظمة على منع الأسواق من الدخول في الكثير من الأزمات، بالإضافة إلى دورها في إخراج الأسواق من أزمات أخرى وقعت بالفعل.
وأشارت الدراسة إلى أن «أوبك» واجهت انتقادات كثيرة من الإدارة الأمريكية خلال الفترة الماضية، وإلى جانب ذلك شهدت الأيام الماضية قيام ثلاثة أعضاء في الكونغرس الأمريكي بتقديم مقترح مشروع قانون يحمل اسم «o Oil Producing and Exporting Cartels Act»، ويشار إليه اختصاراً بـ(NOPEC)، وهو يسمح للإدارة الأمريكية بمقاضاة أعضاء «أوبك» في حال قيامهم بما سماه المقترح «انتهاكات احتكارية».
أسواق غير منضبطة
تعددت الأمثلة الدالة على الدور الفعَّال الذي مارسته أوبك في مواجهة الأزمات التي مرت بها أسواق النفط العالمية على مدار العقود التي انقضت منذ نشأتها حتى الآن، وقد انطبق ذلك على الأزمتين اللتين مرت بهما الأسواق في الألفية الثالثة؛ ففي مواجهة الأزمة النفطية التي اندلعت، بسبب تفاقم الأزمة المالية العالمية في عام 2008، التي انطوت على ارتفاع استثنائي في أسعار النفط، ببلوغها /147/ دولاراً للبرميل في منتصف ذلك عام، ومن ثم انهيارها سريعاً إلى مستويات تصل إلى /32/ دولاراً للبرميل في مطلع عام 2009، وفي مواجهة تلك الأزمة ظلت المنظمة على مقربة من الأسواق، وعدَّلت سياستها الإنتاجية بشكل فعال تماشياً مع حركة الأسعار، بما ضبط الأسواق ودفع الأسعار نحو الاستقرار تدريجياً.
كما تبنت «أوبك» النهج ذاته في مواجهة الأزمة النفطية التي اندلعت في منتصف عام 2014، بسبب التخمة التي حدثت في جانب المعروض النفطي العالمي، وأفضت إلى تراجع أسعار النفط إلى مستوى /26/ دولاراً للبرميل مطلع عام 2015، وتجسد دور المنظمة في مواجهة تلك الأزمة في صورة الاتفاق الاستثنائي الذي عقدته مع منتجي النفط التقليدي الآخرين، وعلى رأسهم روسيا، والذي قضى بتخفيض الإنتاج اليومي بمقدار/1.8/ مليون برميل، أو بنسبة 2 في المئة من الإنتاج العالمي، وقد ساعد ذلك الاتفاق على تخليص الأسواق تدريجياً من تخمة المعروض.
سياسية فردية… واحتكارات
غياب «أوبك» سيعني غياب الرؤية واسعة النطاق لأسواق النفط العالمية، وبالتالي سيادة حالة من العشوائية والتخبط بها، ما يؤثر بدوره سلباً في العلاقة بين العرض والطلب، ومن ثم مستويات الأسعار، التي تصبح غير مستقرة بما يحرم المنتجين من القدرة على الاستثمار في تطوير الطاقات الإنتاجية، الأمر الذي يفضي إلى انهيار قطاع النفط والطاقة العالمي على المدى البعيد، ويُدخل الأسواق في حالة مزمنة من الاختناق وعدم القدرة على تأمين احتياجات الاقتصاد العالمي من الطاقة، ووقتها سيتحمل الاقتصاد العالمي تكلفة مرتفعة بسبب تضخم فاتورة الطاقة وتذبذبها الشديد في آن معاً، الأمر الذي سيكون حاسماً في تقليص فرص نموه واستقراره.
ويقول «جوليان لي» وهو باحث في إستراتيجيات البترول لدى وكالة أنباء «بلومبرغ»: إن وزارة العدل الأمريكية، تدرس رسمياً سن قوانين مكافحة احتكار تستهدف الحد من سيطرة منظمة «أوبك» على أسواق البترول، ما يزيد من احتمالات وصول تشريع مناهض للمنظمة على مكتب الرئيس دونالد ترامب للتوقيع، وبقدر ما يبدو ذلك مغرياً، فإن تكلفة إنهاء سيطرة المنظمة على الأسعار ستفوق أي مكاسب سريعة، ويعد المنطق وراء قانون مناهض لأوبك واضحاً، فتكاليف البترول الخام تشكل 60 في المئة من أسعار الجازولين والديزل عند وصولها للمستهلك النهائي في أمريكا أي أكثر بكثير من أوروبا، حيث تشكل الضرائب معظم أسعار التجزئة، وبالتالي فإن خفض أسعار البترول من خلال الحد من قدرة «أوبك» على رفعها سوف يترجم سريعًا إلى جازولين أرخص، وهو أمر مرحب به بين الناخبين الأمريكان وله فوائد سياسية، ولكن الوضع أكثر تعقيداً من ذلك، فارتفاع إنتاج البترول الأمريكي يعني أنه سوف يسهم بقدر أكبر في الاقتصاد ما كان عليه الوضع منذ عدة سنوات، وبالتالي فإن فوائد انخفاض سعر البترول أقل وضوحاً بكثير عندما كانت أسعار البترول عند /100/ دولار للبرميل، وكان إنتاج البترول الأمريكي نصف ما هو عليه اليوم، وعلى الأرجح سيؤدي الركود الحاد في أسعار البترول إلى ازدياد سوء «الآفاق الاقتصادية الأمريكية الصعبة بالفعل»، وفقاً للإستراتيجيين في «مورغان ستانلي»، وترى شركة «تي دي سيكيورتيز» أن انخفاض البترول سيضغط على الدولار أيضاً.
العالم الاقتصادي – قسم الدراسات
Discussion about this post