صدر مؤخرا كتاب جديد للباحثين الاقتصاديين ها جون تشانج من جامعة «كامبردج»، وإلين غاربل من جامعة «دنفر» حمل عنوان ” لا بديل ” تحدث فيه عن التجربة الاقتصادية لليبراليون الجدد .
وجاء في الكتاب ان التجربة عند النيو ليبرالية تقوم على ثلاثة عناصر أساسية؛ الأول تعزيز دور السوق على حساب الدولة عن طريق تحييد سياسات الدعم والسقوف السعرية، والتجارة الحرة وغيرها، الثاني أنَّها تجعل القطاع الخاص أساس الاقتصاد عن طريق الخصخصة، وأخيرًا تنص على ضرورة اتباع وصفة اقتصادية معينة تقوم على موازنة حكومة متعادلة، ونذكر هنا أربع أساطير انتقدها الكتاب .
1 ـــــ النيو ليبرالية طريق التقدم والازدهار
يؤكد كثير من الاقتصاديين أن الولايات المتحدة وبريطانيا لم تحققا ازدهارهما إلا عن طريق الالتزام الكامل بسياسات السوق المفتوحة، وهذا الالتزام هو ما جعل اقتصاديهما النموذج القائد عالميًّا.
يحاجج هؤلاء بأنه إذا كان الطريق النيوليبرالي هو ما صنع نهضة أقوى اقتصاد في العالم (أمريكا)، والاقتصاد الذي كان في المكانة نفسها قبله (بريطانيا)، فإن ذلك يعني ضرورة أن تنتهج الدول النامية النهج نفسه. وذلك بوصفة معروفة تعتمد على نبذ تحكم الدولة بالاقتصاد، وتشجيع السوق الحرة والاقتصاد المبني على ملكية القطاع الخاص وريادته المطلقة.
بل إن هؤلاء الاقتصاديين يقولون إن دولًا متقدمة أخرى خسرت سباقها في القرون الماضية نتيجة لاتباعها نموذجًا يعتمد على تدخل الدولة في الاقتصاد، ويرون أن فرنسا مثلا ظلت في المرتبة الثانية في القرن التاسع عشر بسبب ذلك، وذلك نفسه ينطبق على الاقتصاد الياباني في العقود الماضية، والتي بقي الاقتصاد فيها تحت رحمة التباطؤ والانكماش، كل ذلك بسبب الاقتصاد الذي تقوده الدولة، وفقًا لهم .
ينتقد الكتاب هذا الادعاء ويقول إن النظرة الموضوعية إلى الاقتصاد تثبت خطأ هذه الادعاءات، فالازدهار الاقتصادي المحقق في كل من هذين البلدين لم يكن نتيجة سياسات نيوليبرالية، بل إن هذه الدول طبقت سياسات حمائية (مثل الجمارك لحماية الصناعات المحلية وهي سياسة تعارضها النيوليبرالية بشدة) كثيرًا، وخصوصًا بدايات تقدمها.
أبرز وجهين للنيوليبرالية: رئيسة الوزراء البريطانية مارجريت تاتشر والرئيس الأمريكي رونالد ريجان
وترى النيوليبرالية أن على الدول تبني التجارة الحرة، وترك الصادرات والمستوردات للتدفق بحرية، وذلك يعني أن السوق ستتكيف طبيعيًّا للتركيز على تصنيع المنتجات التي تمتلك البلد ميزة أكبر في إنتاجها، ولكن بريطانيا نفسها فرضت سياسات حمائية ضد المستوردات من الخارج خلال القرن الـ18، ومعها سياسات تشجيع للصادرات، وذلك يعني أن الدولة لم تترك السوق ليحدد مسار الاقتصاد، بل تدخلت بفعالية في ذلك.
لكن أمريكا تتصدر المرتبة الأولى في السياسات الحمائية، فقد كان اقتصادها الأكثر تطبيقًا لهذه السياسات، ومن ثم الأقل تطبيقًا للتجارة الحرة بين منتصف القرن 18 والحرب العالمية الثانية، وطورت أمريكا سياسات حمائية استوردتها دول أخرى لاحقًا
ينطبق ذلك على كثير من السياسات الأخرى المرفوضة من النيوليبرالية اليوم، فقد طبقتها هذه الدول وغيرها خلال التاريخ، وخصوصًا في فترات صعودها الأولى، والتي لم تمتلك فيها حينئذ قوة تنافسية كما هي عليه اليوم، واضطرت لبناء ذلك عن طريق تدخل الدولة وخرق قواعد السوق الحرة، حتى أصبحت قادرة على فتح اقتصاداتها لكونها أصبحت من أقوى اقتصادات العالم وقادرة على منافسة الجميع دون قيود أو حماية .
2 ــــــ النيوليبرالية تثبت فعاليتها في عالم اليوم ولا يمكن ولا يفضل إيقافها
تجمع هذه النقطة أسطورتين معًا؛ الأولى هي أن النيوليبرالية أثبتت فعاليتها طوال العقود الأربعة الماضية منذ بدايتها في الثمانينيات حتى اللحظة، وأثبتت تفوقها على نماذج الاقتصاد الذي تقوده الدولة، ولذلك فإن محاولة وقف عولمة هذا النموذج ستبوء بالفشل كما أن هذه المحاولات لن تضر إلا الدول التي ستقف ضد المسار التاريخي الحتمي للتطور عن طريق النيوليبرالية .
انطلقت الثورة النيوليبرالية في ثمانينيات القرن الماضي بسبب فشل سياسات تدخل الدولة، وبسبب عجز النظرية الكينزية عن حل أزمة الركود التضخمي بل عجزه عن تفسيرها أيضًا، ومنذ ذلك الوقت استطاعت النيوليبرالية حل مشكلات الاقتصاد، من بينها خفض العجوزات في الميزانية، وحل مشكلة التضخم، ورفع التنافسية في الأسواق، وساهمت أيضًا في نشر الديمقراطية في العالم، فالحرية الاقتصادية تجلب حرية سياسية بطبيعة الحال، أو على الأقل هي مرتبطة بها، ويقول هؤلاء الاقتصاديون إن الأزمات التي شهدتها الدول النامية في العقود الماضية (مثل أزمة الأسواق الآسيوية نهاية تسعينيات القرن الماضي) هي نتيجة طبيعية لعدم تبني الإصلاح النيوليبرالي كاملًا .
ونتيجةً طبيعية لفعالية النيوليبرالية فإنها مرتبطة بالعولمة؛ بحيث إن النيوليبرالية تكسر حدود العالم، وتجعل الدول التي تصر على عدم اتباعها معرضة للفشل والتكلفة الأكبر والعزلة عن السوق العالمية التي تفيد الجميع، ولكون النيوليبرالية الطريق الوحيد للتنمية فإن الوقوف في وجهها سيبوء بالفشل، ولن يضر إلا أصحابه .
اقتصاد الناس
منذ سنة واحدة
خطوة للوراء في الأرجنتين.. هل يكفر صندوق النقد بالنيو ليبرالية؟
يعارض الكتاب كل ذلك، ويرون أن النيوليبرالية فشلت في تحقيق النمو الاقتصادي، ويعقدان مقارنة بين الاقتصاد العالمي في فترة تدخل الدولة قبل الثمانينيات وبعدها، ويجدان أن ثلاثة دول فقط حققت معدلات نمو أعلى خلال فترة التسعينيات النيوليبرالية هي الأرجنتين، والأوروجواي، وتشيلي، وكلها شهدت تراجعًا اقتصاديًّا بعد فترة التسعينيات .
ولا مجال للشك اليوم أن معدلات النمو في الدول المتقدمة قد تباطأت منذ الثمانينيات، بل إن فترة تدخلات الدولة بين 1950 إلى 1980 صارت تسمى بـ«الثلاثين المجيدة» لأنها شهدت تنمية اقتصادية أفضل من كل ما شهدته الفترة النيوليبرالية اللاحقة. أما في الدول النامية فإن الفرق في النمو بين الفترتين أسوأ، فمعدلات النمو كانت وفق الكتاب 3% بين 1960 إلى 1980، وأصبحت 1.5% بين 1980 إلى 2000، واستمرت كل مناطق العالم بتحقيق معدلات متواضعة باستثناء آسيا، التي، كما سنوضح لاحقًا، لم تلتزم بالسياسات النيوليبرالية .
كل ذلك يعني أنَّ النموذج النيوليبرالي لم يعمل كما يفترض به ويروج له، ومن ثم بينما شهدت العقود السابقة له أداء أفضل، ومن ثم فإن النيوليبرالية ليست حتمية تاريخية ولا ضرورة اقتصادية، بل هي عكس ذلك ويجب على العالم والدول النامية تحديدًا إيجاد بدائل لها .
3ـــ النموذج الشرق آسيوي خاص والنموذج الأمريكي عالمي.
تنص هذه الأسطورة على أن النموذج الشرق آسيوي المتميز نموذج خاص لا يمكن تكراره، وهو نتاج عوامل محددة لا يمكن إعادة إنتاجها في أماكن أخرى في العالم، وتقول الأسطورة إن خمسة عوامل أساسية هي السبب في ذلك .
العامل الأول هو الثقافة الكونفوشية المشتركة في المنطقة، والتي تزرع ثقافة عمل متفانٍ بين مواطنيها، وميلًا عاليًا نحو الادخار، والتزامًا كبيرًا بالاستثمار في التعليم، واستعدادًا كبيرا لدى الناس لطاعة عمياء للسلطة، والعامل الثاني هو التجانس الإثني في مكونات هذه الدول .
العامل الثالث انعدام الموارد الطبيعية الغنية في هذه الدول، ما أبعدها عن لعنة الاعتماد على تصدير هذه المواد، التي تميل الدول الممتلكة لها إلى التراخي عن تحقيق التنمية ولوازمها من التنافسية والتصنيع وغيرها. والعامل الرابع متعلق بأن بعض دول شرق آسيا احتلتها اليابان، ونقلت الإمبراطورية اليابانية إليها قاعدة صناعية وتعليمًا ضروريًّا للتنمية بالإضافة إلى بنية تحتية متقدمة، وأخيرًا استفادت هذه الدول من تحالفها مع المعسكر الغربي في الحرب الباردة، ومن ذلك مساعدات أو غض للطرف عن سياسات تجارية تحظرها منظمة التجارة العالمية اليوم، وكذلك خرق لحقوق الملكية الفكرية مثلًا .
في المقابل فإن النموذج الأمريكي نموذج عالمي لم يستفد من ظروف خاصة، ولذلك يمكننا أن نتجاهل النجاح الشرق آسيوي ونموذجه المعتمد على تدخل الدولة، لأن هذا التدخل لم يكن عامل النجاح بل العوامل الخمسة المذكورة، وعلى الدول النامية الاتجاه لتطبيق النموذج الأمريكي البريطاني؛ النموذج النيوليبرالي .
يرد الكتاب على هذه الادعاءات كل على حدة؛ ففيما يتعلق بالكونفوشية يذكر الكتاب أنَّ مديح هذه الثقافة لم يبدأ في الغرب إلا بعد نجاح دول شرق آسيا، فقبل خمسينيات القرن الماضي كانت تقدم هذه الثقافة بصفتها أحد عوامل تخلف دول شرق آسيا. بل حتى لو لم يكن هناك نقد سابق فإن تجارب كوريا وتايوان في الخمسينيات والستينيات تظهر أن الثقافة الكونفوشية لم تكن السبب في إنتاج نخبة دولة متميزة؛ بل إن كوريا كانت ترسل موظفي قطاعها العام للتدريب في دول مثل الباكستان، والفلبين .
وبالنسبة للعامل الثاني؛ فإنه مناقض لواقع التنمية المتحققة في سنغافورة وتايوان رغم عدم تجانسهما إثنيًّا، كما أن التجانس الكبير في كوريا الجنوبية لم يجنبها حتى اللحظة صعوبات تكوين إجماع وطني بسبب الخصومات المناطقية الكبيرة. أما بالنسبة لفقر الموارد الطبيعية فهو مخالف لحالات تنمية أخرى في العالم مثل كل من الولايات المتحدة نفسها، وأستراليا، ونيوزيلاندا، والدول الإسكندنافية، كما أنَّ دولًا نامية كثيرة كانت بمؤشرات اقتصادية واجتماعية أفضل من دول شرق آسيا؛ رغم أنها لم تحتل يومًا من قبل اليابان
لا يصمد من كل هذه العوامل إلا العامل الأخير، ولكن المؤلفين يريان أنه جرت مبالغة أثره في التنمية في بلدان شرق آسيا، ويقولان إن دولًا أخرى تلقت دعمًا كبيرًا من قبل المعسكر الغربي لا يقل سخاء عن دول شرق آسيا ولم تشهد تنمية مماثلة؛ كما حصل في الفلبين، وتشيلي.
4 ـــ الدول النامية تحتاج للانضباطية المقدمة من المؤسسات الدولية والمستقلة
تعتمد النيوليبرالية في سرديتها عن العالم على مجموعة كبيرة من المعتقدات يصعب حصرها في مكان واحد، ولكن يجدر الإشارة إلى أحد أهمها، وهو الاقتناع بأن مؤسسات القطاع العام من حيث طبيعتها أقل كفاءة من مؤسسات القطاع الخاص، بل إن موظفي القطاع العام أقل موثوقية من موظفي القطاع الخاص نتيجة لذلك .
ينتج ذلك من طبيعة القطاع الخاص الربحية التي تجبره على اتباع الطرق المثلى، مقابل طبيعة القطاع العام غير الربحية التي ترفع من إمكانية الفساد والمحسوبية والتراخي وانعدام معايير تقييم الأداء.
لكن لا يمكن حذف القطاع العام بشكل كامل، رغم أنه أكثر فسادًا وسوءًا في الدول النامية من الدول المتقدمة، إلا أن وجوده يبقى حتميًّا، ولكن الدول النامية تحتاج لتقليصه من جهة، ولتلقي مساعدة المؤسسات الدولية البنك والصندوق، بالإضافة إلى مؤسسات مستقلة عن الجسم الطبيعي للحكومة، لتعطى صلاحيات كثيرة تسمح بتفادي مشكلات القطاع العام، بالإضافة إلى إدخال الخبراء إلى الحكومات في الدول النامية، وترك الأمور في يدهم لتحديد مسار الأمور.
شعار صندوق النقد الدولي
تضمن المؤسسات الدولية بقاء القطاع العام وموظفيه ضمن معايير معينة، وعدم تجاوز القطاع وموظفيه للسياسات المثلى، مع إجبار القطاع تقليص نفسه عن طريق الخصخصة وخفض النفقات، وتضمن المؤسسات المستقلة (والمرتبطة عادة بالمؤسسات الدولية) مثل البنوك المركزية إبعاد صلاحيات كثيرة من أيدي موظفي القطاع العام التقليديين الأقل كفاءة .
في المقابل يرى الكتاب ضعف هذه الحجج، فالقطاع العام (كما في شرق آسيا والصين) نجح في حالات كثيرة ببناء اقتصادات أفضل بكثير من اقتصادات دول تبنت النموذج النيوليبرالي، مثل تشيلي والأرجنتين والأوروجواي..
ويرى الكتاب أن النيوليبراليين يبالغون في ادعاء وجود فرق طبيعي بين موظفي القطاعين العام والخاص، بينما الطبيعة البشرية تجمعهم في رغبة تحصيل الفائدة الشخصية، كما يذكران أنَّ فضائح الفساد حدثت بوتيرة متساوية في القطاعين العام والخاص، حتى في دولة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، والتي يفترض أن فيها قطاعًا عامًّا وخاصًّا متفوقين على أي مكان آخر في العالم .
يضيف الكتاب نهاية أن النيوليبراليين لا يهتمون إلا بمعيار واحد للكفاءة وهو تعظيم الأرباح، بينما يمكن وضع معايير أخرى للكفاءة من تخفيض الفقر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي الكلي أو الجزئي، ووفق مثل هذه المعايير لا يمكن الجزم بتفوق طبيعي للقطاع الخاص على العام، بل يمكن القول إن القطاع العام يتفوق على الخاص في كثير منها، ومن ثم فإنه لا ضرورة للعمل مع المؤسسات الدولية كما هو الحال في كثير من الدول النامية اليوم، أو لإطلاق العنان للمؤسسات المستقلة المرتبطة بها.
مختصر دليل الدول النامية للنجاح في مهمة التنمية
يعترف الكتاب بأن النيوليبرالية أصبحت واقعًا لا يمكن تجاهله أو مناقضته بشكل كامل، ولكن في الوقت نفسه يرى الكتاب أن الوصفة النيوليبرالية ليست حتمية ولا يمكن تجنب تطبيقها تطبيقًا كاملًا، ولذلك يقدم الكتاب خطوطًا عامة لسياسات اقتصادية بديلة، يمكن أن تطبق بالإضافة لبعض السياسات النيوليبرالية.
حتى لو لم تطبق بعض الدول كل السياسات النيوليبرالية فإنها ستضطر لتطبيق بعضها، نظرًا إلى كون بعض السياسات غير النيوليبرالية محظورة من قبل منظمة التجارة العالمية، أو بسبب صعوبة التحلل من اتفاقيات تجارية واقتصادية وقعتها بعض الدول سابقًا.
على مستوى التجارة؛ يقول الكتاب إنه بعكس النيوليبرالية لا يمكن تقديم نظرية واحدة يمكن تطبيقها في كل مكان، بل على الدول النامية تقدير واقعها بحيث تحمي بعض صناعاتها وتترك أخرى دون حماية، كما أن على الدول النامية أن تصل إلى حالة ترفع فيها الحماية عن صناعاتها لتصبح معرضة للمنافسة الخارجية.
ولكن بعد أن تصل هذه الصناعات إلى مرحلة من النضج والقوة، وهو ما فعلته دولة مثل الصين بعد أن حمت صناعاتها لفترات سابقة، مع هندسة سياسة الحماية بما يتناسب مع الدولة، وقاعدتها الصناعية، وحجمها وغيرها من العوامل. والأمر نفسه ينطبق على تقدير أي الصناعات اللازم دعمها تبعًا للحاجات والقدرات وغيرها، بخلاف النيوليبرالية التي تنص على فتح التجارة الحرة وعدم دعم الصناعات.
بالنسبة لسياسات الخصخصة وبيع أصول القطاع العام والشركات المملوكة من قبله؛ فإن الكتاب يشدد على ضرورة عدم اتباع سياسة واحدة بعينها على كل المستويات، فبعض الشركات المملوكة للدولة تؤدي بشكل جيد، ولا معنى لبيعها في هذه الحالة، وحتى في حالات الشركات الخاسرة فإن للخصخصة أحيانًا كُلفًا أعلى من كلف خسارة هذه الشركات، سواء من حيث العمال المفصولين أو إمكانية بيع شركات تعمل في قطاعات إستراتيجية لجهات داخلية أو خارجية قد تضر بمصالح البلد على المدى البعيد
القاعدة الصناعية شرط لتحقيق التنمية الاقتصادية
يمكن رفع أداء الشركات المملوكة للدولة دون خصخصتها أيضًا، وذلك بإنشاء نظام حوافز وعقوبات يضمن رفع الكفاءة، مع معايير محددة للكفاءة تقرر تبعًا لها الحوافز والعقوبات، مع إمكانية إجبار الشركات الحكومية على التنافس مع بعضها أو مع شركات خاصة داخل البلد أو خارجه .
فيما يتعلق بأنظمة سعر الصرف؛ يقترح الكتاب إجبار الدولة على وضع نظام سعر صرف غير معوم، مع ضرورة إعلان معايير ربطه، لأن ربط العملة بغيرها قد يفيد في دعم الصادرات، فأحيانًا يعني التعويم ارتفاع قيمة العملة بما يعني انخفاض تنافسية الصادرات بسبب ارتفاع قيمتها، وفي المقابل فإن التعويم الكامل قد يعني في دول أخرى ارتفاع التضخم بشكل كبير، لذلك يمكن الوصول لسياسة نقدية تحاول التوفيق بين الهدفين، مع وضع معايير عامة لتقييم حسن أداء السياسة النقدية، وبحيث تغير السياسة النقدية مع الزمن بما يضمن تحقيق الأهداف المطلوبة .
يتفق الكتاب مع ضرورة تخفيض عجوزات الميزانية بشكل عام، ولكن ليس عن طريق تخفيض الدعم الاجتماعي الضروري، بل عن طريق ربط الإنفاق في الموازنة بالنشاطات التي يمكن لها توليد المزيد من الإيرادات، وخصوصًا الإيرادات الضريبية، مع تعزيز العمل على تخفيض التهرب الضريبي لرفع إيرادات الدولة..
نهاية؛ فإن مهمة استعادة التنمية ليست مهمة نظرية فحسب، وأيضًا لن تنجح كثير من الدول في إنجازها بشكل منفرد، بل إن على الدول النامية أن تبدأ بتعزيز التعاون فيما بينها لرفع قدرتها التفاوضية مع الخارج، لأن ذلك يعني زيادة قدرتها على فرض السياسات التي تناسبها، فهذه الدول لن تضطر إلى مجابهة الصندوق والبنك فقط في محاولة ذلك؛ ولكن أيضًا المستثمرين الأجانب ورؤوس الأموال العالمية، وحتى الكثيرين من أصحاب المصالح في الداخل .
تفيد التجربة التاريخية في الاقتصاد أن رؤوس الأموال الخارجية والمستثمرين الأجانب يتدفقون على الدول التي تثبت نجاح نماذجها الاقتصادية، بعكس الحكمة السائدة والتي تقول إن تدفق رؤوس الأموال، وانصباب اهتمام المستثمرين الخارجيين هو ما يخلق النمو والتنمية وينجحهما، لكن قد لا تستطيع كثير من الدول النامية تحقيق نموذج ناجح بشكل منفرد، أو حتى بمحاولة اتباع سياسة واحدة محفوظة، بل على الدول النامية الإبداع في اختراع خياراتها الخاصة والجديدة .
Discussion about this post