بقلم: د.وائل عفاش
يمكن تقسيم مراحل تطور الفكر الإداري إلى مرحلتين ما قبل الثورة الصناعية وما بعدها، حيث حظيت الإدارة بمزيد البحث والاهتمام في كلا المرحلتين كعلم حديث ومستقل، ويُعزى هذا الاهتمام إلى طبيعتها ووظائفها وغاياتها؛ فهي تتسم بالحتمية بمعنى أن العملية الإدارية أي انجاز الاعمال في المنظمات لا يتأتى إلا بها وبذلك فليس للمنظمة الخيار في ان تأخذ بها او ترفضها.
يمكن تعريف الإدارة بأنها عملية اجتماعية مستمرة تسعى الى استثمار القوى البشرية من اجل تحقيق اهداف مرسومة بدرجة عالية من الكفاءة، ومن هذا التعريف يمكن استخلاص العناصر التالية:
- أن الإدارة عملية تتضمن عدة وظائف هي: التخطيط– التنظيم– التوجيه– الرقابة.
- أنها اجتماعية، أي لا تنشأ من فراغ بل تنشأ داخل مجموعة منتظمة من الأفراد تأخذ في الحسبان مشاعرهم واحتياجاتهم وتطلعاتهم.
- أنها عملية مستمرة.
- أنها تعتمد على استثمار القوى البشرية والإمكانيات المادية المتاحة.
- أنها تسعى الى تحقيق أهداف بدرجة عالية من الكفاءة.
في هذا الإطار لابد لنا أن نوضح باختصار شديد المدارس الإدارية حسب تسلسل ظهورها الزمنى:
أولاً: المدرسة التقليدية
ظهرت هذه المدرسة فى أواخر القرن التاسع عشر، وتشتمل على ثلاثة نظريات وهي:
– نظرية الإدارة العلمية: اعتَمدت على دِراسة أساليب العمل من خلال استخدام مَنهجيّة مُعيّنة لتحقيق الكفاءة، ممّا أدّى إلى تنفيذ العُمّال لأعمالهم ببطء، كما أدّت الإدارة العلميّة إلى ظهور نزاعات بين الإدارة والعمال.
– نظرية الإدارة العامة: هي الإدارة التي تهتمّ بالمبادئ الإدارية، ويعد المفكر فريدريك تايلور من أهم المؤيدين لهذه النظرية، الذي عرّفَ الإدارة بأنّها عمليّةٌ تعتمد على تنفيذ مجموعةٍ من الوظائف.
– نظرية البيروقراطية: هي الإدارة التي تهتمّ بالتَنظيم المثاليّ، السيطرة، والتنظيم، والقيادة، والتنسيق، والتخطيط، ويُعدُّ المفكر “ماكس ويبر” من أهمّ المُساهمين فيها؛ إذ أشار إلى أنّ المنشآت كانت تُدار بوسائل غير فَعّالة بالاعتماد على قراراتٍ مُرتبطةٍ بالعَلاقات الشخصيّة، فاقترح “ويبر” أن يتمّ تطبيق نوع من أنواع التنظيم المَعروف بمُسمّى البيروقراطيّة؛ وهو الاهتمام بتقسيم العمل من خلال وجود تسلسل هرميّ يَعتمد على اختيار العُمال والموظفين.
ثانياً: مدرسة العلاقات الإنسانية
ظهرت هذه المدرسة في نهاية العشرينات الميلادية من القرن العشرين كرد فعل للمدرسة التقليدية، فقد تبنت استراتيجيات تتصف بأنها على النقيض من استراتيجيات المدرسة التقليدية، كما تولى أهمية بالغة للجوانب النفسية والاجتماعية من منطلق أن الفرد قيماً ومعتقدات وعواطف واتجاهات لها كبير الأثر في الكفاية الإنتاجية.
ثالثاً: المدرسة السلوكية
إذا كانت المدرسة التقليدية انطلقت من افتراضات متشائمة حول طبيعة الانسان؛ فقد انطلقت مدرسة العلاقات الإنسانية من افتراضات متفائلة، بينما تمدنا المدرسة السلوكية بنظرة واقعية وعقلانية، فهي تؤمن بالفروق الفردية وترفض مبدأ تعميم الأحكام وأن السلوك الإنساني محصلة لتفاعل الفرد مع البيئة المحيطة به.
رابعاً: المدرسة الكمية:
تطور المدخل الكمي خلال وبعد الحرب العالمية الثانية، فقد حاولت الشركات الكبيرة الاستفادة من الأساليب المختلفة التي استعملت في إدارة الجيوش وذلك في حل المشكلات واتخاذ القرار، حيث تم استخدام النماذج الرياضية كالبرمجة الخطية ونظريات المباريات والسلاسل الزمنية والكفاءة الاقتصادية واستخدام الحاسوب.
خامساً: مدرسة الاتجاهات الحديثة:
ظهرت هذه المدرسة في النصف الثاني من القرن العشرين وتحديداً في الستينيات، وتنطوي هذه المدرسة على مداخل عدة أبرزها:
مدخل النظم– مدخل الإدارة الاستراتيجية– إدارة الجودة الشاملة– الهندرة، وظهر حديثاً بعض المدارس مثل الإدارة اليابانية والإدارة الموقفية أو الظرفية.
ولابد لنا من الإشارة إلى أنه رغم هذا العدد الكبير من النظريات الإدارية، ومازلنا نفتقر الى نظرية شمولية للإدارة وذلك للأسباب التالية:
- أسباب تتعلق بالمفكرين واتجاهاتهم وخلفياتهم العملية والسياسية.
- أسباب تتعلق بالفترات الزمنية التي ظهرت فيها هذه النظريات.
- أسباب تتعلق بالبيئة الخارجية المتغيرة اقتصادية– اجتماعية– سياسية.
- أسباب تتعلق بالبيئة الداخلية للمنظمة النشاط– الأهداف– التقسيم– عدد العمالة– العلاقات البينية– التنظيمات الغير رسمية النقابات وغيرها.
- أسباب تتعلق بنوعية العاملين ومستوياتهم التعليمية والتدريبية التخصص الحجم الفهم الأهداف والتطلعات.
- أسباب تتعلق بالتوسع في الإنتاج والتطور التقني والعولمة وتطور المجتمعات والبحث العلمي المستمر للوصول إلى أفضل السبل الإدارية.
- المنافسة– التسويق– التضخم– الانكماش والعديد من الظواهر.
- أسباب تتعلق بمواكبة الطلب المتزايد على السلع والخدمات واختلاف اذواق العملاء.
إن هذه الأسباب، كما أن الإدارة بطبيعتها وحسب تعريفنا السبق لها بأنها تفاعلات اجتماعية مستمرة تسعى إلى استثمار القوى البشرية والإمكانيات المادية، تجعل الإدارة في حالة تطور مضطرد ومستمر لا يتوقف يتطلب تطوير جميع الوسائل بغرض تحقيق الاهداف المتجددة والمتغيرة بشدة، لذا سنظل نبحث عن نظم إدارية جديدة.
وإن هذا الثراء النظري ما هو إلا انعكاس لما توصل اليه العلماء في هذا الإطار عبر العديد من التجارب والبحوث للوصول إلى الفكر الجيد والاستفادة المثلى، كما إن التطبيق العملي يدعم ويطور العملية الإدارية عبر الآليات التالية:
- أسلوب يعمل على جمع الحقائق حول الظواهر ومحاولات الربط بين هذه الحقائق ومن ثم التنبؤ والتحكم والسيطرة عليها.
- العمل أو الأداء هو الأساس أو محور هذه النظريات.
- البحث العلمي حول هذه المشاكل والظواهر.
- برامج التدريب للمديرين وتعليمهم.
كما تجدر الإشارة إلى أن هناك سمات مشتركة في هذه النظريات حيث نجد أنها:
- تجنح جميعها إلى المثالية بمعنى (يجب أن يكون كذا) والوصفية بمعنى (وصف الواقع).
- تعكس الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية للفترة الزمنية التي ظهرت فيها.
- تكون مرتبطة بحدود زمنية محددة.
- تقوم جميعها على عيوب النظرية السابقة لها أي تصحيح مسار السابقة لها.
ويمكن القول هنا إن مدرسة الاتجاهات الحديثة أشملها نوعاً حتى الآن وذلك لأنها تتضمن عدة مداخل من أبرزها:
مدخل النظم، ومدخل الإدارة الاستراتيجية التى تنظر إلى المستقبل، وإدارة الجودة الشاملة التى تهتم بالنظرة الشاملة للتحسين المستمر للمنظمة بجميع مكوناتها، ونظام الهندرة الخاص بالقطاع الصناعي، وأخيراً مدرسة الإدارة اليابانية والإدارة الموقفية أو الظرفية.
Discussion about this post