بقلم: الدكتور وائل عفاش
إن عملية إعادة الإعمار عملية طويلة ومعقدة للغاية، وهي في الوقت نفسه فرصة هامة نحو بناء مستقبل مزدهر وخلق فرص عمل وتنشيط القطاع الخاص، ولكن يجب أن نعترف بأن إعادة الإعمار لا تغني عن إعادة بناء الأبنية فقط؛ إنها ليست “مجرد استبدال المدارس والجسور والمصانع التي دمرت، ولكنها تحقيق أيضاً للتنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ويلعب مستوى التعليم دوراً مهماً في عملية إعادة الإعمار، على الرغم من أن مستوى التنمية المنخفض جداً، ودخل الفرد في فيتنام يماثل مستويات الدخل في أفغانستان غير أن التأثيرات المزيجة من الكونفوشيوسية والشيوعية كانت لها في فيتنام نتيجة إضافة إلى عدم وجود فجوة بين الجنسين.
في إعادة إعمار فيتنام، لا سيما بالمقارنة مع بلدان في إفريقيا وأمريكا الوسطى وآسيا، حيث كانت مستويات التعليم المنخفضة والفجوة بين الجنسين أكبر، تعتبر كوريا في الخمسينيات مثالاً آخر على إعادة البناء الاقتصادي الناجحة، في ظل ظروف مختلفة تماماً عن الظروف في فيتنام.
يجب في مرحلة ” إعادة الإعمار” إعطاء الأولوية لرجال الأعمال المحليين، لأن الحرب تدمر الشركات، لكنها لا تدمر روح المغامرة، يمكن للشركات الصغيرة والمتوسطة خلق فرص العمل بسرعة والتأثير على النمو الاقتصادي.
كما ذكرنا في السابق إن إعادة الإعمار لا تطبق فقط على البنية التحتية ولكن تشمل أيضاًَ الاقتصاد والمجتمع.
مسألتان حاسمتان لأية عملية إعادة إعمار ناجحة
رأى الخبراء أن مسألتين على الأقل ستكونان حاسمتين لأية عملية إعادة إعمار ناجحة: إصلاح القطاع المصرفي وإصلاح الضريبة، فوجود قطاع مصرفي فعال وقابل للمحاسبة وشامل وموثوق به أمر ذو أهمية قصوى لنجاح جهود إعادة الإعمار، وقد تجتذب الإصلاحات المالية والمصرفية العميقة استثمارات أجنبية ووطنية على حد سواء، ومدخرات محلية وأخرى للمغتربين، مما سيساعد بالتأكيد على دفع الاقتصاد المحلي.
يجب أن يكون الإصلاح الفوري الثاني هو النظام الضريبي، والضرائب مهمة جداً لكل من بناء السلام وبناء الدولة، ويمكن لإصلاح ضريبي جيد وتدريجي أن ييسر توليد إيرادات للسلطات المحلية لتمويل إعادة الإعمار، مع إلغاء الاعتماد على المؤسسات المالية الدولية.
وأكد الخبراء أن المغتربين قد يكونون مصدراً مهماً للموارد الاقتصادية والمالية، وأكثر من ذلك يمكنهم المساهمة بشكل كبير في معارفهم ومهاراتهم في إعادة بناء الدولة ومؤسساتها، ومن ثم يجب النظر أيضاً في دور المغتربين في أية عملية إعادة إعمار اقتصادية، وينبغي اجتذابهم إلى بلدانهم الأصلية والمشاركة في عملية إعادة الإعمار، في هذا الصدد من المهم إنشاء إطار اقتصادي جذاب، مع سياسات فعالة من شأنها دعم الشركات المحلية الصغيرة والأعمال التجارية، وخلق فرص العمل والإصلاحات المالية، ولكن أيضا ضمان الحقوق قانونياً.
يجب أن تكون السلطات قادرة على توليد الحوافز التي يمكن أن تجذب المواهب الوطنية التي غادرت البلاد بسبب الحرب، وأظهرت التجربة في البوسنة ولبنان أن الاستثمار كان موجهاً نحو إعادة بناء المراكز الحضرية، بينما تم إهمال العديد من المناطق الريفية، كل هذا يمكن أن يؤدي إلى مزيد من الاختلالات في هذه البلدان المدمرة، وخصوصاً بين المناطق الريفية والحضرية، وعلاوة على ذلك، يمكن أن يؤدي هذا إلى نزوح سكان الريف نحو المناطق الحضرية، مما يؤدي إلى زيادة الفقر في هذه المنطقة، وفي هذا الصدد، أوصى الخبراء بالمزيد من الاستثمار في المناطق الريفية وتنفيذ سياسات لتنشيط الاقتصادات الريفية ، وتكييفها مع الواقع المحلي.
ولا شك أن إنشاء لجنة استثمارية مسؤولة عن تحديد الأولويات في الاستثمار التي تحقق المزيد من الأهداف الاقتصادية والاجتماعية، وذلك عن طريق حساب تحليل منافع والتكاليف على البيئة والاقتصاد والتمييز الاجتماعي بين الاستثمار المحلي والأجنبي.
طرق للحصول على التمويل
داخلياً
- بيع السندات الحكومية للسكان المحليين.
- توفير حوافز للمستثمرين المحليين مثل المواد الخام بأسعار منخفضة وإعفاءات الشركات الصغرى من الضرائب.
- التمويل الجماعي هو أحد الطرق أيضاً لخلق فرص العمل وتوفير الدخل للمواطنين مع بناء بلد بأكمله من خلال تعزيز التماسك الاجتماعي، ويتوافر التمويل الجماعي في نوعين أساسيين: هما التمويل الجماعي القائم على المكافأة والتمويل الجماعي القائم على الأسهم، ففي السابق، كان بإمكان الشركات الصغيرة أن تبيع منتجاً أو خدمة ما لبدء نشاط تجاري، بينما في الشركات الأخيرة، يشتري الداعمون كمية معينة من أسهم الشركة في مقابل المال، أما بالنسبة للتمويل الجماعي القائم على المكافآت، فسيقوم منشئو المشروعات بتحديد هدف التمويل والموعد النهائي، ويمكن لأي شخص مهتم بالتعهد بالمشاريع، يجب أن تصل المشاريع إلى المبلغ المستهدف من أجل تنفيذها، وبمجرد أن تنتهي المشاريع بأموال كافية، سيتعين على منشئو المشاريع التأكد من أنهم يوفون بوعودهم حسب الجدول الزمني المقصود وتسليم منتجاتهم أو خدماتهم.
- زيادة الضرائب على شركات التي تستورد منتجات يمكن استبدالها محلياً وعلى شركات ذات ربح كبير.
- تشجيع الشراكة بين القطاعين العام والخاص.
خارجياً
- بيع سندات للمغتربين هو مصدر آخر للتمويل.
- بيع السندات الحكومية للمستثمرين من الدول الصديقة.
- تقديم حوافز للمستثمرين مثل إعفاءات من الضرائب والأرخص.
- التمويل الجماعي من المغتربين.
- الصندوق الأجنبي: الصندوق الأجنبي هو صندوق يستثمر في شركات خارج بلد إقامة المستثمر، وتعرف أيضاً باسم الصناديق الدولية.
- بنوك الدوال الصديقة التنمية متعددة الأطراف هي مؤسسات تقدم الدعم المالي والمشورة الفنية لأنشطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلدان النامية.
- تبادل المواد الأولية من دون دفعات.
الدروس المستفادة من إعادة البناء الفعالة
المساعدات الإنسانية تؤمن للسكان الضعفاء استهلاكهم من الأغذية والخدمات الأساسية، ولكنها تخلق تشوهات عديدة حيث تثبط الإنتاج والعمل وريادة الأعمال، فقط “مساعدات إعادة الإعمار”، التي توجه بشكل رئيسي نحو الاستثمارات في البنية التحتية، والخدمات، وإعادة تنشيط الزراعة وتخلق فرص عمل قصيرة الأجل هي فقط المساعدات الحقيقية، ورغم أن المساعدات الإنسانية ضرورية كمسكن، ولكنها لا تحسن القدرة الإنتاجية للبلاد، لهذه الأسباب، يجب وقف الحصول على المساعدات الإنسانية عندما تسمح الأوضاع.
من ناحية أخرى، فإن مساعدات إعادة الإعمار إذا تم استثمارها بشكل جيد ستسمح للدول بتجنب الاعتماد على المعونات وستساعدها على الانتقال إلى التنمية المستدامة، إذا تم استثمار معونة إعادة الإعمار بشكل جيد وتحسن مناخ الاستثمار، فإن هذا النوع من المساعدات سيكون له أيضاً تأثير إيجابي على خلق فرص العمل على المدى الطويل، عندما تقوم الشركات بإعادة تنشيط وتوسيع أنشطتها في الصناعة، والخدمات، وغيرها.
وإذا كان على المانحين تقديم الدعم التقني، والوصول إلى أسواقهم في إطار المعاملة التفضيلية للتعريفات بالنسبة للصادرات من البلدان الخارجة من نزاعات، فإن ذلك سيسهم إسهاماً كبيراً في إعادة الإعمار.
التمويل الأصغر
تعود الأصول الحديثة للتمويل الأصغر إلى منتصف السبعينيات، وكان من بين المبدعين الرئيسيين في هذا المجال الأستاذ محمد يونس من بنغلاديش، كان لديه فكرة تقديم قروض للفقراء جداً، وخصوصاً النساء، بدأ مشروع بنك غرامين في عام 1976، وحوله إلى بنك في عام 1983، ووفقاً للبنك لديه ما يقرب من /6/ ملايين مقترض – 96 ٪ منهم من النساء- وحوالي /2000/ فرع في حوالي/64،000/ قرية، ويبلغ معدل السداد على القروض 98٪، وقد حقق البنك ربحاً سنوياً.
“يشير التمويل الأصغر عموماً إلى توفير الخدمات المالية للأسر الفقيرة وذات الدخل المنخفض والتي يتم حرمانها من الوصول إلى المؤسسات المالية الرئيسية”، عادة ما يتم توجيه التمويل الأصغر بنمطين متنافسين هما: الاستدامة المالية الذاتية والتخفيف من وطأة الفقر.
إن التمويل الأصغر في مرحلة ما بعد الصراع بين عامي 1996 و2002 في البوسنة والهرسك، أثبت أنه أداة لإعادة الإعمار من خلال تزويد العملاء الأفراد وعائلاتهم بالموارد اللازمة لإطلاق اقتصاد الأسر الذي دمرته سنوات من الحرب.
في عام ٢٠٠٥ خلصت دراسة مايسنر في غواتيمالا عن النساء المقترضات بعد عشر سنوات من نهاية الحرب الأهلية التي دامت ٣٦ سنة، إلى أن التمويل الأصغر في مرحلة ما بعد الصراع كان له نتائج إيجابية تشمل: بناء رأس المال الاجتماعي، إعادة الدور الاجتماعي للمرأة وتمكين اللاجئين من العودة إلى المجتمعات المحلية والتوفيق بين المجموعات العرقية.
المبادئ الأساسية لطريقة تمويل جديدة
هناك حاجة إلى نهج جديد غير تقليدي لتمويل إعادة الإعمار يهدف إلى حشد الموارد وتخصيصها وتوصيلها بشكل مختلف بناءً على الدروس المستفادة من العقد الماضي، من أهم المبادئ لاستراتيجية تمويل جديدة ما يلي:
1- تنويع مصادر التمويل والاستفادة منها: تهدف إلى جمع التمويل من مصادر مختلفة، بما في ذلك الإيرادات المحلية، وأسواق رأس المال، والمانحين، والمستثمرين من القطاع الخاص، والشركاء الجدد.
2- تحديد أولويات الاستثمار الخاص حيثما أمكن: تقييم فرص الاستثمار ذات الأولوية العالية أولاً من منظور إمكانية التمويل الخاص العام أو الخاص الكامل، وحيثما يكون ذلك غير ممكن فإنه سيحدد ما إذا كانت الأدوات التكميلية يمكن أن تسهم في معالجة القيود المفروضة على مشاركة القطاع الخاص قبل الشروع في اتباع نهج تمويل قائم على القطاع العام.
3- المساعدة الأكثر ذكاءً: يجب استخدام موارد المانحين والمنح بطرق أكثر ذكاءً للاستفادة من الاستثمارات العامة والخاصة وضمان التأثير الحقيقي والمستدام، والتعلم من الدروس والخبرات من العقد الماضي.
4- المساءلة والشفافية: إن الدعم والتمويل الدوليين سيعتمدان على قدرة الدول المعنية على إظهار تقدم موثوق به بشأن إصلاحات القطاع العام التي تشتد الحاجة إليها إلى جانب الالتزام القوي بالمساءلة والشفافية.
5- تعزيز البيئة التمكينية: إعطاء الأولوية للإصلاحات الاستراتيجية لتعزيز البيئة التمكينية لجذب المزيد من التمويل الخاص في المستقبل وضمان استخدام أكثر كفاءة للموارد العامة.
6ـ لا تترك أحداً: سيكون من الضروري التأكد من تخصيص الموارد المعبأة لمجموعة كاملة من الأولويات وعدم إهمال الأشخاص الضعفاء أو المناطق المهمشة أو الأسباب الجذرية للصراع وعدم الاستقرار.
7- قنوات متعددة للتسليم: يتطلب توفير التمويل بفعالية مزيجاً مناسباً من أدوات التمويل وقنوات التوزيع والشركاء المنفذين، بما في ذلك القطاع الخاص والمجتمع المدني والشركاء غير الحكوميين.
أربعة عناصر أساسية لاستراتيجية التمويل
استناداً إلى المبادئ المذكورة أعلاه، يتوجب على الحكومة المعنية اتباع استراتيجية تمويل جديدة تستند إلى أربعة مجالات ذات أولوية سيتم تنفيذها في وقت واحد:
- حشد التمويل لاستثمارات القطاع العام من خلال الإيرادات المحلية وأسواق رأس المال الدولية والإقراض والزيادات في الإيرادات الضريبية.
- تنشيط القطاع الخاص المحلي والاستفادة من استثمارات القطاع الخاص.
- ضمان التخصيص المناسب للموارد من خلال المزيج الصحيح من التمويل.
- تحسين فعالية التنفيذ من خلال الشراكات وتجميع الموارد.
كل دولة تخرج من الحرب تنتهي في نهاية المطاف باستراتيجيتها الخاصة بها، متناغمة مع وضعها السياسي والأمني والاجتماعي والاقتصادي والثقافي، كما ستختلف الاستراتيجيات حسب مستوى المعونة والدعم الذي يمكن للبلدان اكتسابه وفقاً لأهميتها الجيوسياسية، ولا يوجد حتى الآن اعتماد نظرية وافية لتوضيح أفضل الخيارات والممارسات لمختلف الحالات أو إيجابيات وسلبيات البرامج المختلفة، من أجل التعامل مع الترتيبات المؤسسية المناسبة والمحددة للتعامل مع إعادة الإعمار على الصعيدين الدولي والوطني.
ومع أخذ هذه العوامل في الحسبان، ينبغي للسلطات الوطنية أن تعد استراتيجية مصممة، تستند إلى الأولويات الوطنية وتقييم رصين للظروف والموارد القائمة وتكون متماسكة ومتكاملة وواقعية، تحتاج أي استراتيجية كهذه إلى دعم واسع النطاق بين السكان ويجب تنسيقها بين مختلف الأطراف المعنية.
Discussion about this post