العالم الاقتصادي- دانيه الدوس
مؤشرات واضحة في موازنة العام القادم وفقا لوزارة المالية تستدعي التوقف وتشي في الظاهر بضخامة الأرقام المعتمدة إذا ما تمت مقارنتها بموازنة العام الماضي، منها حجم الزيادة الذي قدر بـ/695/ ملياراً واعتماد سعر الصرف /435/ ليرة سورية، لكن هذا التحسن كما يراه مراقبون اقتصاديون ظاهرياً فالحقيقة تقول غير ذلك، لاسيما وقد ارتفع سعر صرف الدولار حوالي /70/ ليرة، عن السعر الذي تم وضعه، أي ما يقارب 18%، وهذا يؤكد أن الموازنة الحالية لن تكون أفضل من العام السابق، من حيث خطة التنفيذ خصوصاً وأن الاعتمادات الجارية قد استحوذت على القسم الأعظم 71% من قيمة الميزانية العامة، بينما حاز الإنفاق الاستثماري على ما يقل عن 30% فقط.
الموازنة الأضخم
بلغت أرقام الموازنة العامة /3882/ مليار ليرة سورية، أي بنحو/8.92/ مليار دولار، ورغم أن هذه الميزانية تعتبر الأضخم في تاريخ سورية من ناحية حجمها بالليرة السورية؛ إلا أنها – كما يؤكد باحثون- لا تساوي نصف الميزانية في عام 2010 التي وصلت حينها لـ/16.5/ مليار دولار، لا بل والمتمعن في الأرقام يرى أن الحكومة بدأت بالتخلي عن الدعم شيئاً فشيئاً كما تؤكد الباحثة الاقتصادية د.رشا سيروب لاسيما وأنها خفضت قيمة مخصصات وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في موازنة العام القادم بمقدار /14/ ملياراً تقريباً، ففي عام 2018 قد كانت مخصصاتها /375/ ملياراً, بينما خصص لها /361/ في ميزانية العام 2019.
ورأت د. سيروب أن الحكومة تقوم باتباع أسلوب التذكير بنفقاتها مع تناسي حجم إيراداتها؛ ففي موازنة العام 2019 مثلاً لم تذكر أي رقم من إيراداتها، مشيرة إلى أنه لم يعد بمقدور المواطن التحمل أكثر، متسائلة: “عندما يتم اتخاذ أي قرار هل يتم أخذ المواطن بعين الاعتبار؟
وأضافت: في كل مناسبة يتم التذكير بكمية الدعم المبذول للمواطن، علماً أن إيرادات الفروقات السعرية تتجاوز مبالغ الدعم المخصصة بـ/100/ مليار ليرة سورية وتالياً فلا وجود لدعم حقيقي، فهل يصح أن نتخلى عن القطاع العام مقابل دعم القطاع الخاص بحجة خسائر الأول؟, علماً أن الجزء الأكبر من الموازنة ممول من قبل القطاع العام بموجب الأرقام الحكومية.
بالأرقام
توزعت الموازنة على 2782 مليار ليرة سورية للاعتمادات الجارية أي بمقدار 71% وهو رقم يزيد عن إنفاق العام الحالي بـ/520/ مليار ليرة، و/1100/ مليار ليرة للإنفاق الاستثماري، أي بمعدل 29% وتضمنت تخصيص مبلغ /811/ مليار ليرة سورية للدعم الاجتماعي، أي ما يعادل 23% من الموازنة منه /361/ ملياراً لدعم الدقيق التمويني و/430/مليار ليرة أي قرابة مليار دولار لدعم المشتقات النفطية، و/10/ مليارات لصندوق الإنتاج الزراعي و/10/ مليارات للصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، كما تم تخصيص كتلة مالية محددة لتحفيز القطاع الخاص الزراعي والصناعي والسياحي على العمل والإنتاج، ولم ترصد لـ”إعادة الإعمار” أكثر من /50/ مليار ليرة ما يعادل /115/ مليون دولار، في الوقت الذي تقدر احتياجات البلاد إلى /400/ مليار دولار لإعادة الإعمار، كما قدرت /70/ ألف فرصة عمل في القطاعين الإداري والاقتصادي.
لا يوجد زيادة في الرواتب
المطلع على أرقام موازنة عام 2019 يستشف عدم وجود زيادة في الرواتب – كما رأى أغلب المحللين الاقتصاديين- خصوصاً مع تخفيض الدعم التمويني وزيادة أسعار المواد الغذائية الذي رافق ارتفاع سعر الصرف، فقد انخفض المبلغ المخصص لدعم الدقيق التمويني بنحو 3.7%، إذ سجل /361/ مليار ليرة للعام القادم، مقارنة بنحو /375/ مليار ليرة للعام الجاري، في حين انخفض دعم صندوق المعونة الاجتماعية بنسبة 33.3%، حيث خصص مبلغ /10/ مليارات ليرة للعام 2019 مقارنة بمبلغ /15/ ملياراً للعام الجاري، كما تم تخصيص /430/ مليار ليرة للمشتقات النفطية (مليار دولار).
الباحث الاقتصادي محمد كوسا لم يجزم إن كان هنالك زيادة في الرواتب أم لا بحسب موازنة العام 2019، فبرأيه مبالغ الدعم الاقتصادي الكبيرة في الموازنة لم يتم توجيهها وفق منظومة استهدافية يمكن أن تفضي الى تحسين الرواتب بل على العكس تماماً، مازال الدعم الاقتصادي عاماً وغير موجه.
كما رأى كوسا أنه لو تم رفع مبلغ الدعم الاجتماعي في هذه الموازنة كان من الممكن أن نقرأ أن هناك إعادة توجيه الإنفاق العام، وهناك توزيع حكومي يتيح زيادة غير مباشرة للرواتب لكن مبلغ /7/ مليار ليرة المرصود للدعم الاجتماعي، وهذا المبلغ – كما يقول- متواضع خصوصاً أنه يستفيد منه كل أفراد المجتمع وفي هذه الحالة تكون استفادة الرواتب خصوصاً للفئات الأكثر هشاشة ضعيفة وغير مجدية.
هل يتمتع قرار توجيه الإنفاق العام بالمرونة؟
وتساءل كوسا هل تمت دراسة المعطيات ومكونات الموازنة العامة دراسة تحليلية ومعمقة؟ وهل تم تحديد الأهداف والغايات المطلوبة من توجيه الإنفاق وعليه تم توزيع الإيرادات على بنود الموازنة، وهل يتمتع قرار توجيه الإنفاق العام بالمرونة اللازمة بحيث يتم إعادة التوجيه لهذا الإنفاق لعدة مرات وبسقوف مختلفة ضمن هذه الموازنة ولعدة بنود لتلبية الهدف الأساسي؟ أم أننا سنكون مقيدين من جديد والتوجيه للإنفاق كان لمرة واحدة ومن زاوية واحدة وبسقف ثابت لا يعدل؟!
واقترح كوسا ايراداً جديداً يحقق التوجيه الصحيح للإنفاق في الموازنة وهو إلغاء الامتيازات الضريبية عن طريق تعليق القواعد الخاصة بالأحكام الضريبية، مثلاً الإعفاءات الضريبية حالياً وخصوصاً في مرحلة إعادة الاعمار وعلى عكس المتداول من المجدي جداً إيقاف هذه القواعد والامتيازات وتعليقها مؤقتاً، إضافة إلى إيقاف الدعم لبعض الفعاليات الإقتصادية متسائلاً: ما الفائدة من دعم المصدرين حالياً والصناعة لم تقلع بعد وحركة نقل رؤوس الأموال والسلع المستوردة غير مضبوطة وقس على ذلك من أشكال الدعم.
غياب الضبط الإداري والمالي
واعتبر كوسا انتقاد البعض لضخامة مبلغ القرطاسية المرصود في الموازنة والبالغ 9.2 مليار ليرة يشوبه ضعف في القراءة الموضوعية له، فهناك مطبوعات رسمية واجبة الوجود والتداول لاستمرار العمل الرسمي، وتطبيق المتطلبات التي تفرضها الأنظمة والقوانين من الوثائق الورقية الرسمية، وكل هذا يحتاج الى كم كبير من القرطاسية، كما أن هنالك الجامعات والمدارس والمشافي الحكومية ومخافر الشرطة والبلديات وجميعها يتطلب عملها انتاج وثائق رسمية ورقية أيضاً.
وأكد كوسا أن الزيادة الملحوظة في بند النفقات الإدارية في موازنة العام القادم متوافقة مع عودة الاقتصاد وتوسع العمل الحكومي، مشيراً الى أهمية هذا البند للموازنة والعمل الحكومي، لكن في التصنيف تذهب آثاره التنموية أدراج الرياح، خصوصاً في غياب الضبط الإداري والمالي للبنود الفرعية والهدف منها، أي بالنتيجة توجيه الانفاق باتجاه هذا البند يحتاج الى متممات رقابية عند التطبيق.
تطور الموازنة العامة في سورية وتوزعها على مختلف القطاعات منذ العام 2010
Discussion about this post