العالم الاقتصادي – ندى توفيق عجيب
/16/ دولة رقمٌ ليس بالكبير لكنه عندما يقترن بمعلومة أنه العدد الذي يصل إليه الدواء السوري المنتج محلياً بعد نحو /8/ سنوات من الحرب، فلا بدّ أن نشير عندها إلى احتمالين إما أن واقع الصناعات الدوائية في سورية بات اليوم ينهض من جديد بعد التخريب الذي أصاب معظم معاملها، أو أن هذه الصناعة بحاجة إلى إلى سنوات طويلة لتستعيد ألق تصديرها الذي وصل في عام 2010 إلى ما يقارب /59/ دولة… فما كان رأي المعنيين في هذا القطاع وفق تصريحاتهم لـ “العالم الاقتصادي”؟!
/89/ معمل حالي والدواء المحلي يحقق 90 % من الحاجة
بعد الدمار الذي أصاب بعضها وتوقف العمل في الأخرى وصل عدد معامل الدواء المرخصة في وزارة الصحة حتى لحظة إعداد هذه المادة إلى (89) معملاً منها (74) عادوا للإنتاج وما تبقى قيد التجهيز ليدخلوا على خط الإنتاج قريباً وفق حديث مديرة الرقابة الدوائية في وزارة الصحة الدكتورة سوسن برو لـ”العالم الاقتصادي”.

المعامل بشكل عام كانت تتوزع في عدة محافظات أكثرها في حلب وريف دمشق ولذلك كانت تلك المناطق الأكثر تأثيراً في نقص الأدوية لدى تعرضها للتخريب والتدمير أما بقية المعامل فكانت في حمص وحماة ومؤخراً أصبح هناك معامل في المنطقة الساحلية /اللاذقية وطرطوس/.
وعندما اشتدت تداعيات الحرب في حلب منذ عام 2015 زاد نقص الأدوية في السوق المحلية عموماً ووصل لمرحلة من المراحل إلى 65 % فقط لكنه عاد للانتعاش حسب الدكتورة برو التي رأت أن وضع الصناعات الدوائية اليوم بمرحلة تحسن وتعافٍ كبيرة حيث وصلت نسبة توفر الدواء المحلي في السوق إلى 90 % وفق آخر إحصاءات لوزارة الصحة.
معامل جديدة في الساحل السوري
الضرر الذي أصاب مناطق وجود معامل الأدوية فرض الحاجة لإنشاء معامل جديدة في أماكن آمنة فكان التوجه للمنطقة الساحلية، فيما استمر أصحاب عدد من المعامل المتضررة بالعمل في سنوات الحرب من خلال عقود تصنيع وقعوها مع معامل أخرى متواجدة في أماكن أكثر أمناً ولم تتأذَ كي يحافظوا على أصنافهم واسم منتجاتهم في السوق.
وبذلك كانت حصيلة المعامل الجديدة في الساحل السوري ثلاثة معامل في طرطوس وخمسة في اللاذقية تم إنشاؤها في السنوات الأخيرة حسب الدكتورة برو مع الإشارة إلى وجود معامل الآن قيد الترخيص لإنشائها في ريف دمشق واللاذقية وطرطوس.
قريباً.. مشاريع أخرى لزيادة إنتاج الأدوية
عدة مشاريع أخرى تساهم بتحسين واقع الصناعات الدوائية قيد الإنجاز تحدث عنها مؤخراً مدير عام المؤسسة الكيميائية الدكتور أسامة أبو الفخر لموقع سينسيريا الإلكتروني ووجدنا من الأهمية ذكرها كونها تصب في السياق ذاته للمقال الحالي.

وأهم هذه المشاريع مشروع معمل الأدوية ومعمل السيرومات ومشروع خط الشراب الجاف، حيث باشرت المؤسسة في تنفيذ مشروع معمل الأدوية البشرية التابع للشركة الطبية العربية “تاميكو” بتكلفة إجمالية تصل إلى /8/ مليارات ليرة سورية وفق الدكتور أبو الفخر الذي أوضح أن أمر المباشرة أُعطي لشركة البناء والتعمير للبدء بعملية البناء في منطقة أم الزيتون على مساحة /54/ دونماً، والذي سيكون من أكبر المعامل في الشرق الأوسط، مؤكداً أن هذا المشروع سيسهم في زيادة الإنتاج المحلي من الأدوية والحد من أزمة الدواء الناتجة أحياناً بسبب الأسعار أو عدم توافرها في الوقت المناسب.
أما بالنسبة لمشروع خط الشراب الجاف المقترح منذ عام 2015 ضمن خطة وزارة الصناعة ولكنه لم ينفذ حينها نتيجة الظروف الاستثنائية التي تعرضت لها سورية بيّن الدكتور أبو الفخر أن المؤسسة انتهت من تركيب خط إنتاج الشراب الجاف وهو حالياً في مرحلة التجريب وسيدخل مرحلة الإنتاج الفعلي الشهر القادم بطاقات إنتاجية ضخمة تصل إلى 15 مليون عبوة دوائية سنوياً موضحاً أن كلفة هذا المشروع /630/ ألف يورو ويأتي ضمن خطة المؤسسة لاستثمار الطاقات المتوافرة لديها وتطوير خطوط الإنتاج والعمل على تحسين وتطوير منتجاتها والدخول في استثمارات جديدة تعزز قدراتها الإنتاجية لسد احتياجات السوق المحلية من المنتجات النوعية وخصوصاً الأدوية.
مشروع معمل السيرومات الذي توقف سابقاً لأسباب كثيرة عاد اليوم إلى الواجهة لتتم معالجة معوقات إنجازه حيث أوضح الدكتور أبو الفخر أنه تم التعاقد مؤخراً مع جامعة تشرين لإعداد دفتر شروط جديد للمشروع بقيمة مالية بين 10-12 مليون يورو مشيراً إلى أن عملية الإنتاج لمعمل السيرومات ستساهم بشكل كبير في تغطية حاجة السوق المحلية وتوفير القطع الأجنبي الناتج عن عملية التصدير للعديد من الدول التي تحتاج هذا المنتج.
/7900/ مستحضر دوائي مصنع محلياً
بلغ عدد المستحضرات الدوائية المصنعة محلياً لزمر دوائية مختلفة والمرخصة لدى وزارة الصحة ما يقارب (7900) مستحضر حسب الدكتورة سوسن برو مبينة أن الوزارة تسعى لتصنيع الأصناف الدوائية غير المتوافرة أو التي تواجه مشاكل في التصنيع لتخفيف الحاجة الاستيرادية من هذه الأنواع ولتشجيع المعامل على إنتاجها محلياً.
وبالنسبة للأصناف الخاصة بالأمراض المزمنة أوضحت الدكتورة برو أن معظمها متوافر كصناعة محلية إلا الأنواع المتعلقة بالأمراض السرطانية أو البيولوجية حيث تحاول الوزارة تشجيع المستثمرين في هذا القطاع لإقامة مشاريع لتصنيع هذه الأنواع محلياً وإدخال هذه التقانات على السوق السورية، وتقدم الوزارة تسهيلات لمن يرغب بالحصول على تراخيص لإقامة معامل دوائية نوعية.
وما يتعلق بالأدوية النوعية غير المصنعة محليا متل اللقاحات والأدوية السرطانية ومشتقات الدم يتم تأمينها بالاستيراد أصولاً من العديد من الدول وهذا ما انعكس بشكل كبير على تقلص عدد الاصناف المقطوعة في السوق.
من جهة أخرى تم إعداد تعاميم للمعامل لإلزامها بتصنيع الأدوية الهامة والمفقودة، وتمت دراستها ومنحها التراخيص اللازمة بشكل عاجل لأهميتها، وأعطيت الأولوية لها من حيث دراسة الأضابير وإجراء التحاليل المخبرية لها وطرحها في الأسواق وفق تصريح الدكتورة برو لـ “العالم الاقتصادي”.
التصدير لـ 16 دولة بعد الوصول سابقاً إلى 59
حققت سورية قبل الحرب مرحلة متقدمة من تصدير الصناعات الدوائية وصلت إلى 59 دولة ومع ظروف الحرب تراجعت نسب التصدير كثيراً في السنوات الماضية لكنها بدأت تعود تدريجيا منذ العامين الفائتين ووصلت النسبة اليوم إلى 18 دولة ورغم أن العدد ليس بالكبير لكنه وفق المعنيين في وزارة الصحة والقائمين على الصناعات الدوائية يُعتبر رقماً مهماً بعد الخراب الذي تعرضت له معامل الأدوية والعقوبات الاقتصادية التي أثرت على استيراد المواد الخام الخاصة بهذا القطاع.
حول ذلك أوضحت الدكتورة سوسن برو أن سياسة وزارة الصحة في سنوات الحرب كانت قائمة على توفير حاجة المواطنين من الدواء المحلي أولاً وعندما يبدأ الدواء بالتواجد في السوق المحلية بشكل مقبول من الممكن بعدها فتح باب التصدير لأي معمل يرغب بذلك لافتة إلى أن أصحاب المعامل لابد أن يواجهوا صعوبات بالتصدير نتيجة اجراءات الحصار الاقتصادي المستمرة حتى الآن على الشعب السوري، وتشمل القطاعات كافة لاسيما الطبية ولكنهم يحاولون إيجاد طرق لتسهيل حصولهم على المواد المستوردة عبر الدول المجاورة.
ماذا يحتاج الدواء السوري ليعود إلى مستويات تصدير ما قبل الحرب؟
خلال حضور “العالم الاقتصادي” لمؤتمر الرعاية الطبية 2018 الذي عُقد مؤخراً بدمشق أوضح عضو المكتب التنفيذي في المجلس العلمي للصناعات الدوائية الدكتور محمد عماد معتوق أن زيادة عدد المعامل في الآونة الأخيرة مقابل انخفاض حجم سوق الدواء إلى الثلث تقريباً نتيجة ظروف الحرب رفعت حدة المنافسة التي وصفها بالسلبية، حيث كانت أغلب المعامل قد توجهت لاختيار الحلول السهلة وهي تكرار الأصناف المعروفة.
وبين معتوق أن المجلس يسعى لتخفيف هذه المنافسة السلبية وتوجيه طاقات المستثمرين إلى حلول بناءة ومنها التصدير وتصنيع عائلات دوائية نوعية مثل مشتقات الدم والأدوية السرطانية للاستغناء عن استيرادها وتوفير القطع الأجنبي.
ورأى معتوق أن التصدير يحتاج إلى إجراءات تدعمه واتفاقيات وبروتوكولات تعاون تمهد الطريق أمام الصناعيين لدخول أسواق جديدة، معتبراً أن العراق من أهم الأسواق لكنه يحتاج لدعم على مستوى الحكومات، فضلاً عن اليمن وخيارات ممكنة أخرى كروسيا وبيلاروسيا وغيرها.
وحول إطلاق خطوط إنتاج لأصناف نوعية لفت معتوق إلى أنها قد تصطدم بمنافسة المستورد وارتفاع كلف الإنتاج، مبيناً ضرورة تغيير سياسة التسعير التي تبنى حاليا على كلفة المواد الأولية فقط كونها لا تتجاوز 5 إلى 30 % من كلفة المنتج.
وبعيدا عن الصعوبات اليومية والآنية شدد معتوق على ضرورة التفكير بالمستقبل والاطلاع على التطور المتسارع في صناعة الأدوية عالمياً بالاعتماد على تقنية النانو //حيث لن تعود الأصناف المنتجة حاليا نافعة//.
ضرورة إعادة سمعة الدواء المحلي
فيما تغطي الصناعة الوطنية 90 % من حاجة السوق حسب أحدث أرقام وزارة الصحة إلا أن موادها ومستلزماتها متفاوتة بين 100 % صناعة محلية، كمواد التغليف الثانوي والكادر البشري و15 % كمواد التغليف الأولية والآلات ومستوردة بالكامل كالمواد الأولية والمساعدة، وذلك حسب مدير الرقابة وضمان الجودة والسلامة في يونيفارما الدكتور نضال حسامي.
وأمام هذه الأرقام رأى حسامي ضرورة إيجاد خطوط إنتاج وطنية لمواد التعبئة والتغليف على الأقل باعتبار أن إنتاج مواد أولية ومساعدة //غير متاح// وذلك كي لا يبقى الصناعيون تحت //رحمة الموردين// على حد تعبيره.
وبخصوص التصدير أشار حسامي إلى أن دخول أسواق خارجية يحتاج إلى تعزيز سمعة الدواء المحلي، وتطبيق معايير الجودة والمنافسة عليها والبدء بدراسات التقصي ما بعد السريري للأدوية وتأثيراتها الجانبية، فضلاً عن وضع أسعار تفضيلية للتصدير واختصار إجراءاته.
تسهيلات للتراخيص
بإمكان الراغبين بإعادة فتح معاملهم أو إنشاء معامل جديدة الحصول على تسهيلات من وزارة الصحة وفق الدكتورة سوسن برو، حيث أوضحت أن الوزارة تتعاون مع وزارة الادارة المحلية والبيئة لتقديم التسهيلات اللازمة لأن موضوع اقامة المعمل يعتمد على الشروط البيئية الموجودة بالمكان وعلى شروط وزارة الصناعة أي أن هناك عدة جهات معنية بمرحلة الترخيص في هذا المجال وتقدم الوزارة الإرشادات للراغبين عن الزمر الدوائية التي من الممكن أن يقوموا بتصنيعها أو من يرغب بتوقيع عقود مع شركات أجنبية تمتلك تقانات عالية ليستفيدوا من خبراتها ويقوموا بنقلها وتوطينها في سورية.
رقابة على الأدوية (قبل وبعد) التصنيع
أوضحت الدكتورة سوسن برو أن مديرية الرقابة الدوائية في الوزارة تعمل على اتجاهين بما يخص الرقابة العشوائية والرقابة الدورية موضحة بالتفصيل..”ما يخص الرقابة الدورية، فهي تشمل أية تحضيرات تتعلق بالمستحضرات العقيمة مثل الكبسول والسيرومات والفايير والمراهم والقطرات العينية حيث نقوم بالرقابة الدورية على كل المعامل المصنعة، فلا يجوز أن يطرح المعمل أي مستحضر في السوق إلا بعد الحصول على موافقة وزارة الصحة والتي يتم إصدارها بعد خضوع المستحضر لمخابر الرقابة والبحوث الدوائية وتحليله، إضافة للمستحضر النفسي والهرموني والقلبي جميعها زمر خاضعة لرقابة الوزارة أثناء تحضيرها ولا تصدر حتى تكون محللة وحاصلة على الموافقة”.
أما الرقابة العشوائية فتتابع الدكتورة برو: “لدينا دوائر رقابة بكل المحافظات ومديريات الصحة العينية تقوم بجولات ميدانية من خلال لجان على الصيدليات ومراكز توزيع الأدوية وتسحب عينات عشوائية لفحصها، إضافة إلى الضابطة العدلية التي تتابع موضوع الادوية المزورة في المستودعات أو غيرها”.
وكل مستحضر يحصل على مخالفة يتم إصدار تعاميم سحب وإتلاف باسمه وتنُشر على موقع الوزارة ليضطلع بها كل الأطباء والصيادلة وأصحاب المستودعات ويلتزموا بالتعليمات بشأنها وتضيف الدكتورة برو: “لا ننكر أن الحرب خلفت أحياناً حالات عشوائية بوجود بعض الأدوية ولكن هناك متابعة دائمة وصارمة في هذا المجال//.
وفق ما تقدم.. تبقى الصناعة الدوائية السورية من أهم القطاعات التي يجب أن تحظى بدعم حكومي كبير خلال الفترة الراهنة؛ نظراً لنتائجها الهامة على الصعيد الاجتماعي والصحي ( توفير الدواء اللازم لصحة المواطنين) والاقتصادي (إعادة تصدير الأدوية السورية وبالتالي تأمين قطع أجنبي) وعلى صعيد التطور التقني في هذا المجال (إدخال تقانات عالية تتعلق بمستحضرات الأدوية المزمنة).
Discussion about this post