بقلم الأستاذ الدكتور مصطفى العبدالله الكفري .
“إن برلين تستعد لسيناريو مرعب بسبب أزمة الطاقة”.. لم يكن هذا التصريح القاسي لوزير الاقتصاد الألماني نوربرت هابيك والصادر عنه قبل أيام إلا ترجمة فعلية لعمق الأزمة التي تواجهها أوروبا بأكملها وليست ألمانيا فقط بسبب وقف إمدادات روسيا من الغاز الذي أصاب القارة العجوز بالشلل التام.
التصريح يأتي تزامنًا مع حالة الإرباك المتعمد التي أحدثتها موسكو بعد غلق خط الأنابيب “نورد ستريم 1” (أكبر خط أنابيب غاز روسي إلى أوروبا من ناحية الكمية التي تبلغ 55 مليار متر مكعب سنويًا) الذي ينقل الغاز الطبيعي الروسي إلى ألمانيا يوم 31 أغسطس/آب الماضي، حينها بررت الشركة الروسية المنتجة للغاز “غازبروم” بأن هذا التوقف نتيجة أعمال صيانة ستستغرق ثلاثة ثم يعود الخط للعمل مرة أخرى.
وكان يفترض أن تنتهي تلك المدة السبت 3 سبتمبر/أيلول الحاليّ، لكن المفاجأة كانت مع إعلان الشركة الروسية بأنه لم يكن بإمكانها استئناف التدفقات لأوروبا، مبررة تلك الخطوة هذه بالمرة بوجود تسرب زيت في توربين الغاز الرئيسي في محطة بورتوفايا للضخ بالقرب من مدينة سان بطرسبرغ، وعليه ستنخفض الطاقة الإنتاجية اليومية لتلك المحطة إلى 33 مليون متر مكعب من الغاز يوميًا بدءًا من الأحد 4 من الشهر الحاليّ، أي نحو 20% فقط من طاقة خط الأنابيب، حسب بيانات الهيئة الألمانية المشغلة.
كانت أوروبا تعول على الإمدادات الروسية التي تلبي 40% من احتياجاتها من الغاز لعبور شتاء هذا العام على الأقل، حتى لو تراجعت بنسب ما بسبب الحرب الأوكرانية كأحد الأسلحة التي تستخدمها موسكو في تصعيدها مع الغرب، غير أن وقف خط “نورد ستريم 1” بشكل نهائي كان بمثابة الصدمة التي من المتوقع أن تحدث حالة من الارتباك والفوضى داخل الشارع الأوروبي بما ينذر بتصاعد حالة الاحتقان والغضب الذي ربما يحدث زلزالًا مدويًا في جدران الاتحاد الأوروبي برمته، ليواجه التكتل الاقتصادي الأكبر في العالم واحدة من أشرس الأزمات وأخطر التحديات منذ تشكيله عام 1991.
شتاء قارس ومخاوف من الشلل التام
في ظل التطورات الأخيرة من المتوقع أن تشهد أوروبا هذا الموسم شتاءً قارسًا ربما يكون غير مسبوق في ظل نقص الغاز ومشتقات الوقود المختلفة من بنزين وسولار، وهو ما يعني قبوع الكثير من مواطني القارة العجوز في عتمة إجبارية ربما تمتد طيلة ساعات الليل على أقل تقدير، وهو ما بدأت إرهاصاته خلال الآونة الأخيرة.
فعلى المستوى الشخصي، هناك قلق من نفاد غاز الطهي بما يشكل تهديدًا كبيرًا للأمن الغذائي للمواطنين، يتزامن ذلك مع ارتفاع جنوني في أسعار السلع والخدمات، هذا الارتفاع يفوق بمراحل حزم الدعم الحكومية المقدمة، بجانب انقطاع التيار الكهربائي بشكل كبير على عكس العادة نتيجة ندرة الوقود المستخدم لتشغيل محطات توليد الكهرباء
Discussion about this post