عمار الصبح – مجلة العالم الاقتصادي
بالرغم من انتشار العديد من الأسواق التجارية في المدن السورية ونشوء العديد من المجمعات التجارية ذات الطابع المعماري الحديث ” المولات ” إلا أن ذلك لم يمنع أصحاب البسطات من افتراش أرصفة الشوارع الرئيسية والأسواق المعروفة كما لم يحل دون رغبة زبائن هذا النوع من البسطات من ارتيادها.
ففي دمشق كما في كل المحافظات السورية الأخرى يكاد لا يخلو سوق أو شارع من بسطات افترش أصحابها ممرات المشاة لعرض بضائعهم التي تتنوع بدءاً بالمواد الغذائية والاستهلاكية والمعونات والسلع المدعومة مروراً بالعطور ومستحضرات التجميل واكسسواراتها وليس انتهاءً بالنظارات الشمسية والقرطاسية والأدوات الكهربائية والمنزلية، حيث يعمل أصحاب هذه البسطات على بيع منتجاتهم بأسعار منافسة مستفيدين من عدم التزامهم بدفع رسوم خدمية كما حال المحلات التجارية المرخصة، أو من تدني جودة هذه البضائع والتي تلبي حاجة ذوي الدخل المحدود وهم الزبائن المفضلين لدى أصحاب هذه البسطات، وكل هذا يندرج تحت ما يسمى باقتصاد الظل والذي تفاقم نتيجة الأزمة.
قانون ولكن!!
القانون السوري يحظر هذا النمط من التجارة إلا أن واقع الحال يشير إلى غير ذلك بعد أن تحولت أرصفة الشوارع ومواقف السيارات إلى أسواق مزدحمة لهذا النوع من التجارة التي اختلفت حيالها الآراء بين من يرى أنها ظاهرة منتشرة في كل دول العالم وتؤمن فرص عمل لآلاف العاطلين عنه، وبين من يعتبر الأمر خرقاً للقانون وإضرار بالاقتصاد الوطني فضلاً عن إساءتها للمظهر الحضاري ويذهب هؤلاء إلى حد المطالبة بوقف هذا النوع من النشاط التجاري البعيد عن القوننة ووضعه في مساره الصحيح.
والملفت للنظر في هذه الظاهرة أن غالبية من يعمل بها هم من فئة الشباب الذين وجدوا فيها فرص عمل ولو مؤقتة، وهؤلاء وإن لم يخفوا علمهم بعدم قانونية نشاطهم التجاري ولكن مبررهم هو ضيق ذات اليد وعدم وجود البديل.
يقول فراس صاحب بسطة لبيع مستحضرات التجميل في سوق العصرونية القريب من سوق الحميدية بدمشق إن اضطراره للعمل لكسب العيش وتأمين مصاريفه هو الذي دفعه لامتهان هذه التجارة فهو كما يقول لم يدخر جهداً إلا وبذله في سبيل الحصول على فرصة عمل مناسبة، وبعد أن عدم الوسيلة لجأ للعمل كبائع متجول في الأسواق رغم عديد الانتقادات التي لطالما كان يسمعها من أصدقائه والذين وصفوا عمله هذا بالعيب.
وفي الوقت الذي لا يخفي فيه فراس عدم رغبته بمواصلة هذا النشاط إلا أنه يرى فيه حلاً ولو مؤقتاً للبطالة، ريثما تسنح له فرصة عمل مناسبة يستعيض بها عن هذا النشاط ويختم بالقول: أنا وككثير من أصحاب البسطات مثلي مضطرون للعمل، فهي مصدر رزقنا وليس بمقدورنا فتح محلات تجارية نمارس فيه نشاطنا، وإذا كان لا بد من تغيير هذا النشاط فليؤمنوا لنا البديل”.
ربح ورعب
بدوره يرى رياض صاحب بسطة لبيع الجوارب في سوق مدحت باشا إن عمله لا يشكل مضايقة لأحد – كناية عن تجار السوق – فهو يبيع ما يعتقد أن زبائن السوق بحاجته، وما يأمله رياض هو أن يتركه الجميع بحاله وخاصة عناصر البلدية والشرطة السياحية ليستطيع كسب رزقه ورزق عياله.
ويشير صاحب البسطة أن المحافظة تصدر بين الحين والآخر قرارات بحق أصحاب البسطات كما تقوم بتسيير حملات لتعقبهم ومصادرة بضائعهم وأخذ تعهد منهم بعدم إعادة الكرة ثانية، لكن ما يحصل – على حد قوله – استشعار هؤلاء بهذه الحملات فيقومون بإبلاغ بعضهم البعض ليلوذا بالفرار إلى حين ذهاب عناصر المحافظة والبلدية ليعودوا بعدها مزاولة نشاطهم.
وفي إطار معالجة هذه الظاهرة يطالب العديد من أصحاب البسطات إما بتأمين العمل البديل لهم أو تنظيم هذه المهنة من خلال تخصيص أسواق خاصة لبيع بضائعهم، وهنا يتساءل محمود ( صاحب بسطة)” لو وجدت تلك الأسواق لما كنا هنا، فهم يقولون أنهم سينشئون أسواقاً وينظموها بشكل يساعدنا على العمل, ولكن حتى الآن لا يوجد شيء من هذا وإن وجد فيكون في أماكن بعيدة لا زبائن فيها”.
منافس للمحلات التجارية
وفي مقابل العديد من آراء أصحاب البسطات الذين بدو رافضين لإيقاف نشاطهم التجاري يقف أصحاب المحلات التجارية باعتبارهم – وكما يقولون- المتضررون الرئيسيون من ممارسة هذا النوع من النشاط الذي بات منافساً قوياً لتجارتهم فهؤلاء على حد زعمهم صرفوا مبالغ كبيرة في إيجار محلاتهم إضافة إلى الضرائب والرسوم المفروضة عليهم غير أنهم كثيراً ما يخسرون زبائنهم لصالح هذه البسطات المنتشرة في كل مكان، وهنا يشير رمزي صاحب محل لبيع الأدوات الكهربائية إلى أن أصحاب البسطات يتسابقون على اصطياد الزبائن وطرح السلع عليهم بأسعار مخفضة مستفيدين من عدم وجود ضرائب أو بدلات إيجار أو تملك وهذا ما يضر – على حد قوله – بأصحاب المحلات النظامية، ويبين التاجر أنه وكغيره من أصحاب المحلات لا يستطيعون مجاراة أسعار البضائع التي تعرضها البسطات فبضائعها ذات جودة متدنية وكثير منها دخل بشكل غير نظامي وعن طريق التهريب وهذا ما يعتبره الزبون ميزة تفضيلية أخرى تساعد في تخفيض قيمة السلعة.
ويتفق أبو مازن ( صاحب محل) مع ما قاله رمزي لجهة إضرار البسطات بمصالح التجار ويرى أن أصحاب المحلات لعبوا دوراً في استفحال هذه الظاهرة خلال الفترات الماضية عبر سماحهم لأصحاب البسطات في استخدام وجائب محلاتهم لعرض بضائعهم وكان لذلك ما يبرره في بداية الأمر حينما كانت البسطات محدودة في الأسواق ولا تشكل عائقاً وأصحابها بحاجة إلى العمل، مشيراً إلى أن الأمر اختلف اليوم بعد أن أصبحت البسطات أكثر من المحلات التجارية.
ويدعو التاجر إلى ضرورة تحرك الجهات المعنية لتحديد أماكن خاصة بهذه البسطات كإنشاء أسواق شعبية خاصة بهم.
وجهة نظر!!
الناظر عن كثب للبضائع التي تحويها هذه البسطات يرى أنها غالباً ما تعود إلى مئات الماركات والأصناف المقلدة والمزورة، ويتم إنتاجها في عدد لا حصر له من بلدان العالم العربية منها والأجنبية، ولم يعد بالمستغرب أن تجد وافدين جدد على المهنة.
ولعل المتتبع لهذه البسطات وما تحويه من بضائع وأصناف تساوره الشكوك حول جودة هذه البضائع والتي غالباً ما تشق طريقها ضمن أساليب وطرق ملتوية، مثلما هو واقع الحال مع المنتجات الصينية، التي تشهد تسويقاً كثيفاً وحضوراً ليس مسبوقاً، ويستطيع المستهلك العادي العثور على احتياجاته بأسعار منخفضة تقل عن مثيلاتها في المحال التجارية النظامية والرسمية بنسب مغرية، وإنما مع فارق أن معظم هذه السلع غالباً ما تكون مقلدة أو ذات جودة منخفضة جداً.
ويضاف إلى ذلك أن المستهلك يدرك سلفاً، أن ليس هناك ما يضمن جودة هذه البضائع أو سلامتها وصلاحيتها، والباعة أساساً ليسوا على استعداد للتعاطي مع الزبائن بفواتير نظامية تمكنهم من استبدال البضائع في حال عدم صلاحيتها عند الاستخدام، سواء تمثلت هذه البضائع والمنتجات بأجهزة كهربائية والكترونية وأدوات منزلية أم حتى غذائية منتهية الصلاحية.
رخص أسعارها
وفي الوقت الذي يرفض فيه الباعة التصريح عن مصدر بضاعتهم حفاظاً كما قالوا على سر المهنة إلا أنهم ألمحوا إلى أن جل هذه الماركات المقلدة يأتي من الأسواق الصينية صاحبة الصيت الذائع بالتقليد.
ويبين أحد مقتني هذا النوع من المنتجات أن السبب الرئيسي في رواج هذه السلع هو سعرها المنخفض مقارنة بأسعار الأصلي منها إضافة إلى الدقة في التقليد، فالمظهر الخارجي للسلع المقلدة لا يكاد يختلف عن الأصلي منها، فالماركة نفسها وكذلك اللون وشكل السلعة بل وحتى “الباركود” ما يجعل التمييز بينها وبين الأصلية صعب جداً.
هو ملاذ ولكنه غير آمن هكذا علق أحد الشباب “صحيح أن أسعار هذه المنتجات بخسة الأثمان ولكنها بالمقابل تحمل ضرراً كبيراً على المواطن، فلا أحد يعلم مصدر هذه المنتجات، فمواد التجميل والشامبو والكريمات التي تحمل أسماء عالمية وتباع على قارعة الطريق تشكل ضرراً على البشرة وهي مؤذية لصحة الإنسان وذلك لاحتوائها على مواد كيماوية تؤدي إلى خدوش وتخرشات في الجلد وقد تؤدي لمشكلات لا تحمد عقباها، وكذلك الأمر بالنسبة للنظارات الشمسية المقلدة والتي ثبت بالدليل أنها مؤذية للعين وتسبب إتلافاً للشبكية.
حماية المستهلك!!
يدخل هذا النوع من التجارة –حسب خبراء الاقتصاد- تحت مسمى “اقتصاد الظل” الذي تخسر خزينة الدولة جراءه المليارات سنوياً نتيجة عدم تحصيل الرسوم والضرائب على مثل هذا الكم الهائل من السلع والمنتجات، وهنا تشير سراب عثمان مديرة جمعية حماية المستهلك خلال ندوة نظمتها غرفة تجارة دمشق إلى امتلاء الأسواق بالبضائع الصينية البالية غير المتضمنة للمواصفات والجودة والتي لا تحمل كفالة ولا إعلان عن الأسعار وخاصة الأجهزة الكهربائية بكل أنواعها، مطالبة التجار والصناعيين والمستوردين بشكل خاص بوضع الأسعار واسم الشركة الصانعة وبيانتها والكفالة لحماية المواطن من السلع الرديئة وتشجيع الناس للتحول إلى السلع المنتجة محلياً المكفولة والأفضل من حيث السعر والمواصفة والجودة والالتزام بالشروط الصحية و مراعاة شروط السلامة الغذائية.
وكشفت عثمان عن عدم تلقي الجمعية إلا شكوى واحدة على صعيد أقساط المدارس والتي تبدأ من 400 ألف ليرة فما فوق داعية الناس لتقديم الشكاوى بحق المخالفين والغشاشين وفي حالة الشعور بالغبن والظلم من أي سلة أو خدمة منتجة أو مستوردة.
حقوق وواجبات
وبينت عثمان أن جمعية حماية المستهلك يقتصر دورها على التثقيف والتوعية ولا تحمل أية صفة تنفيذية أو وصائية, في وقت يسعى المعنيون فيها لتوعية التاجر دون كتابة مخالفة عند النزول للسوق مع الضابطة, إلى جانب تثقيف المستهلك لجهة انتقاء السلعة التي يحتاجها في ظل الخيارات المتاحة وتوعيته تجاه المواصفات والفاتورة والسؤال عن أدق التفاصيل بما فيها السعر حتى لا يشعر المستهلك بالغبن.
وتطرقت الدكتورة عثمان إلى حقوق المستهلك في الحماية من المنتجات الفاسدة وعمليات الإنتاج وحق المعرفة والاستماع لآراء المستهلك وإشباع احتياجاته الأساسية، إضافة إلى حق التعويض عن تضليل السلع الرديئة والتثقيف، وحق الحياة في بيئة سليمة, أما واجبات المستهلك فقد أوضحتها عثمان بأنها تتمحور بالتأكد من مصدر البضاعة ومواصفاتها وطلب فاتورة الشراء الأصلية وتاريخ الصلاحية خاصة للمواد الغذائية قبل الخروج من المحل, إلى جانب واجب المستهلك بالشكوى عند ملاحظة أي خطأ أو تجاوز.
لاعبون جدد
عضو جمعية حماية المستهلك أدهم شقير كشف عن تبني الجمعية مجموعة من التوصيات التي تم تسجيلها خلال الجولة على الفعاليات والأسواق التجارية والتي تتمثل ببروز فئة او مجموعة باتوا لاعبين في اقتصاد الظل أساسيين خلال الأزمة ولا احد يتصدى لهم لاسيما لجهة تحكمهم بالمقاييس الحقيقية والمعايير الأساسية للاقتصاد عبر سوق احتكار تام.. متسائلاً عن عدد المحتكرين الذين تم توقيفهم نتيجة تلاعبهم بقوت الشعب.
كما ركز شقير على تجار الشواحن والإنارة واللدات واصفاً إياهم بالمشكلة الكبيرة، لافتاً إلى وجود 22 ألف بسطة في دمشق أحدها رأس مالها 23 مليون ليرة وهي مراقبة بالكاميرات وهي تبيع المعونات والسلع المدعومة والمعلبات المعرضة للشمس والهواء وكافة الملوثات.
ويقول أحد التجار: إن التجارة بنسبة 90% منها لا تمتلك سجلات تجارية مع فوضى في التسعير على اعتبار أن السجل يضبط عمل المنشأة صحياً وتموينياً واستهلاكياً ويحيمها من التلاعب والغش كاشفاً عن حصول عمليات استيراد لبضائع هي بالأصل تصافي الشركات الأجنبية لا كما يدعون بأنها جديدة وحديثة لا بل أنها بلا فواتير نظامية ولا كفالة ولا مواصفات.
Discussion about this post