بقلم: د. جهاد طاهر بكفلوني
ليس هناكَ من أدنى شكٍّ بأنّ الحربَ الكونيّةَ التي شنّتْها قُوى البغي والحقدِ والإرهاب والإجرامِ على سورية كانت حرباً طاحنةً حاولتْ أن تهلكَ الحرثَ والنّسْلَ، ولم يكنْ هدفُ أولئكَ الطّغامِ اللّئامِ الذين سعّروا أوارَ تلك الحربِ تغييرَ نظامٍ سياسيٍّ قائمٍ، بل كان هدفُهم تدميرَ سورية ماضياً وحاضراً ومستقبلاً، بنيةً تحتيّةً، تعايشاً إنسانيّاً بين الأديانِ والطّوائفِ والمذاهبِ المختلفة، لكنّ اللهَ قيّضَ لهذا البلدِ الطّيِبِ قائداً شجاعاً مقداماً حكيماً وجيشاً هماماً لُهاماً باسلاً، وها هي سورية تلوي عنقَ الإعصارِ، وتفقأ عينَهُ، وتجدعُ أنفهُ، وتصلمُ أذنَهُ، وتوشكُ أن تطويَ الصّفحةَ الأخيرةَ من هذه الحربِ التي كانَ لمن كنّا نظنُّهم أشقّاءَ لنا يدٌ ملطّخةٌ في تأجيجِ نارِها.
لم يكن المواطنُ في سورية يتوقّعُ أن يصيبَ الوطنَ ما أصابَه من دمارٍ طالَ مدناً وبلداتٍ وأحياءَ، عاشَ هذا المواطنُ في كنفِ دولةٍ أمّنتْ له كلَّ شيءٍ، التّعليم، الصّحة، الخدمات، الضّمان الاجتماعيّ، لكنّ الثّمرةَ الاشهى التي تلذّذَ مواطنُنا بطعمِها كانت الأمانَ الذي عاشَ في ظلّهِ قرابةَ نصفِ قرنٍ من الزّمن، وكانت سورية مضربَ المثل بانتشارِ الأمنِ والأمانِ فيها، وتدنّي مستوى الجريمةِ، ونسألُ اللهَ أن تستعيدَ ذلك في القريبِ العاجلِ، وأن تعودَ كما كانت درّةَ البلدانِ ولؤلؤةَ الأوطانِ.
وستكونُ الخطوةُ الأولى بعد أن تضعَ الحربُ أوزارَها في وطنِنا الجميلِ الشّروعَ في عمليّةِ إعادةِ الإعمارِ التي ستكونُ عمليّةً تتطلّبُ استنفارَ الهممِ والجهودِ والطّاقاتِ لتضميدِ الجراحِ البالغةِ التي تركتْها الحربُ، ولإزالةِ ما نجمَ عنها من آثارٍ ألحقتْ بنا كمّاً كبيراً من الأذى والضّررِ.
ويكادُ الحديثُ عن إعادة الإعمارِ يطغى عمّا سواهُ من الأحاديث التي يتداولَها النّاسُ في أسمارِهم ولقاءاتهم، وتسمعُ آراءً مختلفةً يتداولونها فيما بينهم.
فمن قائلٍ إنّ الدّولةَ السّوريّة ستضبط عمليّةَ إعادة الإعمارِ ضبطاً دقيقاً، بحيث لن تتساهلَ في الشّروطِ التي ستضعها على الجهات الوطنيّة والعربيّةِ والأجنبيّةِ التي ستدلي بدلوِها في هذا الموضوعِ، ومن قائلٍ إنّ الضبّطَ لن يكون على تلك الدّرجةِ من الصّرامة، فالمهمُّ أن تبدأ العمليّة، وأن تحقّقَ المرجوَّ منها.
وربّما استسهل بعضُهم الموضوعَ ؛ فزعمَ أنّ البابَ سيكون مفتوحاً على مصراعيه لكلّ من يرغبُ في الإسهام في العمليّة؛ ناسياً أو متناسياً أنّ الدّولةَ في سورية مازالتْ بحمدِ اللهِ قويّةً، تملك اقتصاداً متماسكاً وبيئةً استثماريّةً جاذبةً، وليستْ مضطرّةً إلى الوقوفِ على أبواب الآخرين مستجديةً مستعطفةً، وبالتّالي لن تسمحَ لكلِّ مَن شاءَ أن يغنّي على ليلاهُ فيسمعنا نغماً نشازاً.
لكنّ الآراءَ كلَّها على ما فيها من تباينٍ تتّفقُ على أنّ الدّولةُ ستلقي بثقلِها كلِّه، وستشمّرُ عن ساعدِ الجدِّ في إعادةِ الحياةِ الطّبيعيّةِ إلى الأماكن التي طالتْها يدُ الإجرامِ والإرهاب مدمِّرةً مخرِّبةً.
لقد أرادَ الإرهابُ أن يكشفَ عن وجههِ السّافرِ الأسودِ فراحَ يمعن تدميراً، لم يتركْ دورَ عبادةٍ من كنائسَ ومساجدَ وأديرةٍ، لم يغادرْ مستشفىً ولا مدرسةً، آثاراً، مدُناً قديمةً إلاّ تركَ فيها من رسائل اللّؤم والصَّغار والعار ما يندى له الجبينُ، طالتْ أصابعُهُ التي ندعو عليها بالبترِ كلَّ شيءٍ جميلٍ في أرضِ المحبّةِ والخيرِ والسّلامِ سورية، ورغم فداحةِ الجريمة صمّمَ الشّعبُ الحيُّ المجدُّ في سورية على أن يعزفَ أنشودةَ الحياةِ وأن يغرفَ من مَعين التجدّدِ، وعزمَ ألاّ يسمحَ لغرابِ الموتِ الغربيبِ بالنّعيبِ، وانطلقَ يصلح ما خرّبَهُ المجرمونَ الأوغادُ.
يتحدّثُ النّاسُ عن شركاتٍ صينيّةٍ تملك خبراتٍ كبيرةً في ميدان إعادةِ الإعمارِ، وقد أدّتْ خدماتٍ جليلةً في دولٍ مسَّها نصيبٌ من الدّمار من قبلُ كصربيا مثلاً، ويشيعُ النّاسُ أنّ هذه الشّركات تملكُ تقنيّاتٍ عاليةً، فهي تستفيدُ من الأنقاضِ الموجودةِ في الأبنيةِ المدمّرةِ، وتعيدُ تدويرَ موادّ تلك الأبنيةِ، وفي هذه الخطوة توفيرٌ لعمليّةِ ترحيل تلك الأنقاضِ التي قد يكلّفُ ترحيلُها مبالغَ طائلةً، ونحن في أمسَّ الحاجةِ لتوفير كلِّ ليرةٍ نستطيعُ توفيرَها، وتوجيه ما يمكن توفيرُهُ للاستفادةِ منه في مجالاتٍ أخرى.
يتحدّثون أيضاً عن شركات روسيّةٍ وإيرانيّةٍ وكوريّةٍ شماليّةٍ تعربُ عن رغبتها في الإسهام في إعادة وجهِ الحياةِ الجميلِ إلى وطنِنا الجميلِ، والنّاسُ يرحّبون بهذه الشّركات التي تنتمي إلى دولٍ صديقةٍ وقفتْ معنا موقفاً مشرِّفاً في هذه الحربِ، وقدّمتْ لنا مساعداتٍ كبيرةً، وستظلُّ سنحمل لتلك الدّول الشّعورَ بالعرفان والامتنان مثنينَ على وقفتها إلى جانب الحقّ في حربِهِ الضّروسِ التي خاضَها في مواجهةِ الباطلِ.
ورافقَ الحديثَ عن إعادة الإعمارِ حديثٌ عن الخسائرِ الكبيرةِ التي لحقتْ بالاقتصادِ السّوريِّ جرّاءَ الحربِ، وقدّر البنك الدولي في تقرير نشره إجماليَّ خسائر الاقتصاد السّوريّ بـ226 مليار دولار، ناهيكَ عن الدّمار الكبيرِ في البنية التّحتيّة.
وبصرفِ النّظرِ عن دقّةِ الأرقامِ التي تعلنُها جهةٌ من هنا وجهةٌ من هناكَ أو عدمِ دقّةِ هذه الأرقامِ فإنّ الحقيقةَ التي تفرضُ نفْسَها علينا تشيرُ إلى وجودِ أضرارٍ بالغةٍ مسّتِ الاقتصادَ السّوريَّ في الصّميمِ، لكنّها وللهِ الحمدُ أوّلاً وأخيراً لم تصبْ منهُ مقتلاً.
وليس بخافٍ على أحدٍ قيامُ العصاباتِ الإرهابيّةِ المسلّحةِ بتفكيكِ المعاملِ في عاصمة سورية الاقتصاديّة حلب، ونقل هذه المعامل إلى تركيّا التي منّى أردوغانُها الأحمقُ نفْسَهُ يوماً بجعلِها ولايةً تركيّةً مستعيداً أمجادَ أسلافِهِ العثمانيّينَ الذين جثموا على صدر الوطن العربيِّ أربعةَ قرونٍ، ثمّ خرجوا مرغمين مذمومين مدحورين.
وحبّذا لو تذكّرَ هذا الأحمقُ الضّلّيلُ بأنّ الشّعبَ في سورية لن يتخلّى عن لواء اسكندرون، وسيظلُّ يناضلُ بالوسائلِ المشروعةِ كلِّها لاستعادةِ هذا الجزء السّليبِ من وطننا، واللّواء والجولانُ صنوانِ لا يفترقان، شاءَ مَن شاءَ وأبى مَن أبى.
يضافُ إلى ذلك حرمانُ الدّولة السّورية من كثيرٍ من مواردِها الماليّة بعدَ قيامِ العصابات الإرهابيّة بالاستيلاءِ على كثيرٍ من مصادر الثّروات المعدنيّة والباطنيّة كحقولِ النّفطِ والفوسفات وغيرِها؛ فشحّتْ مواردُ الدّولةِ الماليّةُ، واضطرّتْ إلى استيراد المشتقّات النّفطيّة من الخارجِ ما رتّبَ عليها أعباءَ ماليّةً كبيرةً.
وكانت السّياحةُ قبل الحربِ تؤمّنُ للخزينةِ السّوريّةِ دخْلاً جيّداً، وللأسفِ حرِمت الدّولةُ هذا الدّخلَ خلالَ سنوات الحربِ.
وخلال ذلك كثرت الدّراسات والتّحليلات والاجتهادات التي حاولتْ تقييمَ الاقتصادِ السّوريِّ، واتّجهتْ في تقييمِها اتّجاهاتٍ متباينةً.
غربانُ السّوءِ الذين أتقنوا فنَّ النّعيبِ منذُ الأيّامِ الأولى للحرب أخذوا يشنّعون على اقتصادِنا في محاولةٍ منهم لجعلِ المواطنين يفقدونَ الثّقةَ في حكومتِهم؛ فرفعوا عقيرتَهم بالقول إنّ الاقتصادَ السّوريَّ في الأصلِ اقتصادٌ هشٌّ، وسيسقط سريعاً أمام الضّربات التي ستُسدَّدُ إليه.
ولم يكتفِ غربانُ السّوءِ بذلك؛ بل أخذوا يطلقون شائعاتٍ تشيرُ إلى أنّ الدّولة ستكونُ عاجزةً عن تسديد رواتب وأجور العاملين فيها، وأخذوا ينصحون عند زعمهم المواطنين ليبادروا إلى سحبِ أرصدتهم وودائعهم من المصارفِ السّوريّة؛ لأنّ اللّيرةَ السّوريّةَ مقبلةٌ على انهيارٍ سريعٍ، ولن تقومَ لها قائمةٌ بعدَ هذا الانهيارِ.
وللأسفِ تجاوبتْ ثلّةٌ من ضعافِ النّفوسِ مع تلك الشّائعات والصّيحات والدّعوات، واستغلّت الازمة القائمة، فلعبتْ دوراً مشبوهاً في رفعِ سعر الدّولارِ الامريكيِّ على حساب العملةِ الوطنيّة.
وقام عددٌ من التّجارِ الذين تخلّوا عن آخر ذرّةٍ من الوطنيّةِ بتهريبِ رؤوسِ أموالِهم خارجَ سورية ظنّاً منهم أنّهم فعلوا حسناً بالقفزِ خارجَ المركبِ قبلَ أن يغرَقَ، وها همُ اليومَ يعضّون أصابعَهم ندماً على ما فعلوا، ولن يغفرَ المواطنون الشّرفاءُ في سورية ما فعلوه من أفعالٍ مشينةٍ ترتقي لتكونَ بحجمِ جرائمَ اقتصاديّةٍ ارتكبوها بحقِّ وطنِهم الذي أحسنَ إليهم أيّما إحسانٍ وأساؤوا إليه أيّما إساءةٍ.
ويقابلُ تلكَ الصّفحةَ السّوداءَ القاتمةَ صفحةٌ بيضاءُ مشرقةٌ تتمثّلُ بوجودِ تجّارٍ ورجالِ أعمالٍ وأربابِ صناعةٍ لبّوا نداءَ الوطنِ واختاروه ما اختاروا سواهُ، وعادوا إليه يقفون معه في هذه اللّحظاتِ العصيبةِ، وسيسجّلُ لهم التّاريخُ بمدادِ الفخرِ مبادرتَهم بالعودةِ إلى الوطنِ، وتقديمِ الدّعم الكبيرِ له في محنته، فباركَ اللهُ رجالاً حفظوا العهدَ:
لا يستوي حافظٌ عهداً ولافظُهُ ومؤمنونَ بأوطانٍ وكُفّارُ
ولن نردَّ على مَن زعمَ أنّ الاقتصادَ السّوريَّ ضعيفٌ لأنّ الحقائقَ القائمةَ على الأرضِ تفنّد دعواهُ؛ وحسبُنا أن نذكّرَ بجملةٍ من هذه الحقائقِ:
– لم تعجز الدّولةُ طيلةَ سنواتِ الحربِ عن تسديد رواتب وأجورِ العاملين فيها، ليس هذا فحسْبُ؛ بل حاولتْ تحسينَ هذه الرّواتب والأجور في محاولةٍ منها لردمِ الفجوةِ التي قامتْ بين الرّواتب وأسعارِ السّلعِ والخدماتِ التي ارتفعت ارتفاعاً أثقلَ كاهلَ المواطنِ.
– استطاعت الدّولة توفيرَ المشتقّاتِ النّفطيّة، وكانت تعالجُ الاختناقات التي تظهرُ هنا وهناك على جناحِ السّرعةِ متجاوزةً العقوبات الاقتصاديّة التي فرضَها الغربُ علينا؛ معتقداً أنّه يستطيعُ ليَّ ذراعِ سورية بهذه العقوباتِ، لكنَّ وطننا الصّامدَ استطاعَ ردَّ كيدِ المعتدي إلى نحْرِه، ولم يكترثْ بتلكَ العقوبات التي كانت فصلاً دامياً من فصولِ الحربِ التي شُنّتْ علينا.
– تراجعت اللّيرةُ السّوريّةُ أمامَ العملاتِ الأجنبيّة، وكان الدّولارُ الأمريكيّ في بداية الحرب لا يزيدُ عن خمسين ليرةً سوريّة، وقفزَ قفزاتٍ مقلقةً حتّى تجاوزَ سعرُ صرفِهِ خمسمائة ليرةٍ سوريّةٍ في فترةٍ من الفترات، وكانَ هذا أمراً طبيعيّاً في دولةٍ تشهدُ حرباً لا تبقي ولا تذرُ، ومع ذلك استطاعت الدّولةُ كبحَ جنونِ الدّولارِ، واليومَ تسعى جاهدةً لإعادته إلى مستوىً أدنى، علماً أنّ سعرَ صرفه اليومَ هبطَ عن مستوى أربعمائة وخمسينَ ليرةً سوريّة.
– تبقى مسألةُ ضبطِ الأسعارِ، ونعوّلُ في ذلك على التّجّارِ الشّرفاء الذين نأملُ منهم أن يكونوا مع مواطنيهم لا عليه، ونعوّلُ كذلكَ على الدّولة التي يجبُ أن تضرِبَ بيدٍ من حديدٍ دون رحمةٍ أو هوادةٍ على كلِّ مستغلٍّ يحلو له التّلاعبُ بقوتِ أبناءِ جلدتِهِ، ويطمحُ أن يبني ثراءَهُ ورخاءَهُ على حسابِ هؤلاءِ الذين قاسوا أهوالاً شِداداً فما وهنوا ولا استكانوا.
وتبقى الذّاكرةُ محتفظةً بصورٍ مشرقةٍ عن وطنيّةِ أبناءِ سورية الذين برهنوا أنّهم أبناءُ هذه الأرضِ الطيّبةِ:
بلادي وإن جارتْ عليَّ عزيزةٌ وأهلي وإن ضنّوا عليَّ كِرامُ
ولا شعوريّاً أستعيدُ تلك الصّورةَ البهيّةَ عندما اندفعوا زرافاتٍ ووحداناً لزيارةِ معرضِ دمشق الدّوليِّ في دورتِهِ التّاسعةِ والخمسينَ التي أقيمتْ خلالَ العامِ الماضي، وشاركتْ فيه نحو ثلاثةٍ وأربعينَ دولةً، وشهدَ إقبالاً جماهيريّاً منقطعَ النّظيرِ.
دمعتْ عينا الموطنِ السّوريِّ عندما شهدَ تدافعَ أبناءِ وطنِهِ لزيارةِ المعرِضِ، وجالتْ في الخاطرِ أبياتُ القصيدةِ الجميلةِ التي كانت السيّدة فيروز تصدحُ بها:
شآمُ أهلوكِ أحبابي وموعدُنا أواخرَ الصّيفِ آنَ الكرْمُ يُعتَصرُ
ولم يترك الإرهابُ الأسودُ أبناءَ سورية وشأنَهم، وحاولَ أن يشوّهَ صورةَ استعادتهم نشيدَ الحياةِ باندفاعِهم لزيارة المعرِضَ، ورمى عليه قذائفَ الحقد، وارتقى عددٌ من المواطنين شهداءَ نتيجةَ سقوطِ هذه القذائفِ الموتورةِ، لكنَّ الذّاكرةَ نسيتْ كلَّ ما شابَ المشهدَ من لحظات الألمِ، واحتفظتْ بتلك الصّورةِ النّديّة، التي تحكي عن شعبٍ مسالمٍ أحبَّ الحياةَ لنفسِهِ ولغيرِهِ، وبهذا الحُبِّ واجهَ الحاقدين التّكفيريّين، وانتصرَ عليهم انتصاراً سيكونُ مفخرةَ جيلِنا والأجيالِ التّاليةِ.
وهذه السّنةُ ستتبرّجُ دمشقُ مستعدّةً لاستقبالِ المشاركينَ في معرضِها في دورتهِ السّتّين، ومن المتوقّعِ أن تشهدَ الدّورةُ مشاركةَ أعدادٍ كبيرةٍ من الدّولِ والشّركاتِ من الدّولِ العربيّةِ والأجنبيّةِ.
وستكونُ أيّامُ المعرِضِ أيّامَ خيرٍ ورخاءٍ بإذنِ اللهِ العليِّ القديرِ؛ لاسيّما أنّ عاصمةَ الكبرياء دمشق قد استعادتْ عافيتَها، وعادتْ تميسُ في حلّةِ الأمان بعد أن تمَّ تطهيرُها من دنَسِ أولئكَ الذين حلّوا عليها طاعوناً أسودَ، لكنّها كنستْهم كنساً وأراحتنا من إجرامِهم وشرِّهم وحقدِهم.
ولأنّ معرضَ دمشقَ يحملُ أنفاساً طيّبةً من عبقِ التّاريخَ؛ فمن الطّبيعيِّ أن تحرصَ الدّولةُ بجهاتِها المختلفةِ على توفيرِ أسبابِ نجاحِ المعرض، ويشارُ بهذا الصّددِ إلى أنّ وزارة النّقل تعملُ على تجهيز وتأهيل ستّ قاطرات لنقل المواطنين إلى معرض دمشق الدولي، الذي ينطلق في السادس من أيلول المقبل، وستكونُ هذه القاطرات السّتُّ كافيةً لنقلِ المواطنين إلى مدينة المعارض، وسيتم ّنقلهم من حلب إلى “محطّة القدم” مع خمسٍ وأربعين عربة ركّاب، قادرة على نقل ثلاثةٍ وعشرينَ ألف راكب يوميّاً على مدار الساعة إلى مدينة المعارض في الدّورة المقبلة.
كما تبلغ كلفةُ تأهيل وتجهيز الخطّ الحديديّ بين “محطّة القدم” و”مدينة المعارض”، الواقعة على الطّريق إلى مطار دمشق الدّوليّ، نحو 1.4 مليار ليرة سورية، أنجز حتّى أواخر حزيران ما نسبتُه 65% من أعمال التّأهيل.
ويأتي مشروع إعادة تأهيل القاطرات، لتفادي ما حدثَ خلالَ العام الماضي من ازدحامٍ مروريٍّ رافقَ فعّاليّات المعرض.
وإذا كانت دمشقُ تستعدُّ لهذا العرسِ الاقتصاديِّ، فقد سبقَهُ عرسٌ ثقافيٌّ تمثّلَ بإقامة
الدورة الثّلاثين من معرض الكتاب الدّوليّ في مكتبة الأسد الوطنيّة بدمشق. وتشهد هذه الدورة من المعرض التي تقام تحت عنوان “مجتمع يقرأ.. مجتمع يبني” مشاركة أكثر من200 دار نشر موزّعة على 182 جناحاً؛ بينها 120 دار سوريّة تشمل مؤسّسات وجهات عامّة وخاصّة ، وتشارك في المعرض كذلك دورٌ عربية وأجنبية تعرضُ أجنحتها 200 ألف عنوانٍ، وتحقّق عبر إصداراتها من الكتب في شتّى صنوف المعرفة تنوّعاً يناسب اهتمامات الشّرائح المختلفة من القرّاء.
سورية تستعيدُ عافيتَها، وعمليّةُ إعادةِ الإعمارِ قابَ قوسينِ أو أدنى من الانطلاقِ، وعلى كلِّ محبٍّ لسورية حريصٍ عليها ألاّ يدّخرَ جهداً في المشاركةِ فيها، وحبّذا لو تذكّرنا أنّ إعادةَ الإعمارِ سيمفونيّةٌ على الجميعِ المشاركةُ فيها.
الوطنُ وطنُنا، وقد قدّمَ جيشُنا العربيُّ السّوريُّ البطلُ تضحياتٍ عظيمةً حتّى وصلَ بنا إلى ذلك اليومِ الذي فتحْنا فيه أعينَنا فوجدْنا ديارَنا خاليةً من الإرهاب والإرهابيّينَ، ولم تبقَ إلاّ مساحاتٌ صغيرةٌ سيتمُّ تطهيرُها من رجسِهم عمّا قريبٍ.
وسنفتحُ أعينَنا في القريب العاجلِ لنرى وطنَنا الأغلى وقد عادَ يرفلُ في ثوبٍ مزركشٍ نسجتْهُ يدُ البناءِ بأصابعِ أبناءِ سورية الذين لن يفرّطوا بوطنٍ أغلى من كلِّ غالٍ وأنفسَ من كلِّ نفيسٍ.
Discussion about this post