بقلم: هني الحمدان
هؤلاء هم السوريون قادرون وعازمون على النهوض ليقدموا وطنهم بأحلى حلة كما يستحق، ضحوا كثيراً وقدموا الأرواح فداء لوطنهم الغالي وها هم اليوم يرفعون أصواتهم وأيديهم مرحبين بضيوف معرض دمشق الدولي أهلا وسهلا بالجميع.. سيزحفون بالآلاف ليقولوا لكل العالم: نعم نحن أبناء سورية الميامين، سنحيا وسندافع وسنصنع المعجزات وستبقى راية سورية ترفرف عالياً، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن سورية مقبلة على الإنتاج والانتصار والنهوض من جديد، وأن شعبها سيبقى كما هو شعباً حراً ومحباً للسلام والعمل وقادر على أن يبني وطنه ويدير عجلة الإنتاج.
دمشق اليوم فتحت قلبها قبل يديها مرحبة بزوار معرض دمشق الدولي لتؤكد أنها دائماً وأبداً تبقى حاملة غصن الزيتون لمن يأتي بالسلم، وباتت الجهات المعنية في جهوزية عالية لإطلاق الدورة 60 من معرض دمشق الدولي, وتشهد أروقة المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية نشاطات مكثفة واعتبرت أن الدورة الـ60 ستكون مميزة بكل معنى الكلمة من حيث عدد الدول المشاركة والشركات والقطاعات الموجودة ونوعية المعروضات والعدد المتوقع من الزوار وبالإضافة الى حجم المساحة المشغولة.. ولن يطول الوقت طويلاً قبل إعلان الحكومة أرقام الصفقات والعقود التجارية وأرقام الصادرات خلال أيام المعرض ويبدو أن المفاجآت الاقتصادية كثيرة ولا سيما فيما يتعلق في صفقات التصدير.
حسب مصادر في مؤسسة المعارض هناك حركة نشطة من رجال الأعمال في معرض دمشق الدولي، يمكن وصفها بأنها تصب في اتجاهين الأول هي الرغبة الجادة لهذه الشركات في المشاركة بالإعمار والمشاركة بالاستثمارات الواعدة، واليوم الفرصة مناسبة للشركات المشاركة ليحملوا رسائل الى بلدانهم عن سورية الغنية بصناعاتها وإنتاجها وقدرتها على التنافس في كل الأسواق حتى في الظروف الصعبة، وضرورة دعمها وتقديم ما تحتاجه من استثمارات وإمكانات لأنها قادرة أن تقدم للعالم ما يسعده من نتاج حضارة عريقة.
وهذه الدورة من معرض دمشق الدولي هي تتويج لتلك الإجراءات التي من شأنها التعريف بالمنتجات والسلع الوطنية، وفتح أسواق جديدة لتصديرها وإتاحة المجال للمشاركين للقاء والتحاور حول فرص الاستثمار المشتركة، وتشجيع المستثمرين المغتربين على العودة إلى وطنهم والإسهام في إعادة أعماره وتنميته.
معرض التحدي
هو معرض التحدي للذات ومعرض الظروف الصعبة هو إعلان عن المرحلة الجديدة لانطلاق الاستثمار وإعادة الإعمار والتي تعتبر مسؤولية الجميع وبالذات الحكومة من خلال إعداد وتهيئة البنية الإدارية والقانونية بهذه الانطلاقة التي يجب أن تكون قوية، ومن المفيد إعطاء قدر أوسع وأكبر بكثير من الشفافية لتكون الشفافية جاذبة للاستثمار بشكل أفضل وبالتأكيد نحتاج في إعادة الإعمار إلى مبالغ مالية ضخمة، لكن وقبل ذلك ما نحتاجه أن ننطلق نحن أولاً ويلحقنا الأصدقاء والأحبة في الإعمار والتطور, وإن لم نبدأ نحن بإعادة الإعمار فسيكون انتظارنا طويلاً جداً وكلما كانت انطلاقتنا بشكل صحيح وقانوني وإداري فهذا سيخفف من العثرات قي طريقنا.
استعدادات وقرارات
اتخذت بعض الوزارات المعنية بالمعرض العديد من الإجراءات المهمة لإنجاح فعاليات وأنشطة المعرض خلال دورته الحالية وفي متتابعة لدورة معرض دمشق الدولي الـ59 أقرت وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية منذ أيام قليلة مضت, دعم شحن المنتجات للعقود التصديرية التي ستبرم على هامش معرض دمشق الدولي في دورته الستين بنسبة ١٠٠% كاملة، وذلك تنفيذاً لتوجهات الحكومة بدعم وتعزيز العملية التصديرية للمنتجات المحلية وفتح أسواق جديدة أمامها، وهذه المرة عبر دعم المشاركين في معرض دمشق الدولي بدورته الجديدة، إضافة للمباشرة في اعتماد وللمرة الأولى نموذج للعقد التصديري بين الأطراف المتعاقدة والذي تم إعداده وتنظيمه تحت إشراف وزارة الاقتصاد.
وحسب ما صدر عن الوزارة أن معرض دمشق الدولي في دورته 59 السابقة كان نقطة تحول مفصلية في هذا القطاع حين أعلنت الحكومة تحمل تكاليف شحن كل العقود التصديرية التي تبرم خلال معرض دمشق الدولي، بهدف دعم المنتجات المحلية التصديرية للنفاذ إلى أسواق خارجية جديدة وإعادة الوجود في أسواقها التقليدية بعد انكماش تواجدها بسبب الحرب والحصار الاقتصادي، إضافة إلى تخفيف التكلفة على المصدر ومنح سلعه قدرة على منافسة مثيلاتها في الأسواق المستهدفة.
ومن جانب آخر وفي مجال اتخاذ الاستعدادات اللازمة أنهت المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية وبالتعاون مع الشركة الدولية للتقنيات التعليمية كل الترتيبات من أجل إطلاق تطبيق إلكتروني على الأجهزة الذكية خاص بمعرض دمشق الدولي كدليل مكاني وتعريفي بفعاليات المعرض خلال دورته الستين, الأمر الذي تم وصفه بالخطوة الإيجابية والمتقدمة والتي تحتاجها المعرض عند بدء فعالياتها.
وحول تفاصيل التطبيق الذي يحمل اسم معرض دمشق الدولي, كان قد أوضح أوضح رئيس دائرة المعلومات في المؤسسة العامة للمعارض والأسواق معتز ديوب في تصريح صحفي: أنه يمكن الحصول عليه حين إطلاقه من خلال تحميله عبر محركات البحث العالمية حيث يقدم لمستخدميه مخططاً تفصيلياً كاملاً للمدينة والأجنحة والشركات المشاركة في المعرض مع أرقام الهواتف والعناوين المطلوبة، ويهدف التطبيق بحسب ديوب إلى التعريف بفعاليات المعرض وتسهيل حركة الزوار وتزويد السوريين في المغترب بأرشيف كامل عن هذا الحدث السوري المهم, ويتم العمل وبشكل لحظي على تنسيق وتحديث بيانات التطبيق من أماكن ومعلومات وصور ليكون جاهزا للإطلاق قبل افتتاح المعرض بأسبوع.
ومن ضمن ترتيبات الوزارات جهزت وزارة النقل محطتي القدم ومدينة المعارض على طريق المطار أمام قطار المطار وأصبحتا جاهزتين للخدمة لتسهيل نقل زوار معرض دمشق، وتم الانتهاء من أعمال الصيانة بمحطة القدم ومن تجهيز محطة مدينة المعارض والخط الحديدي الواصل بين المحطتين, والوزارة قامت بصيانة 55 عربة نقل ركاب في حلب وتم نقلها إلى دمشق لاستخدامها في نقل زوار المعرض.
سورية تتعافى
في العام الماضي 2017 لم يكن استثناء والأرقام التي تؤكد أن عدد زوار المعرض بمئات الألوف دليل على حيوية الشعب السوري وقوته وصلابته في مواجهة الأزمات، وكانت السعادة بعودة المعرض وأجوائه القاسم المشترك في حديث المشاركين والزوار، يقول أحد المواطنين: سمعنا الكثير من الحكوميين والمحللين والاقتصاديين قبل فترة المعرض وأثناءها ممن ظهروا على الشاشات وتحدثوا عبر القنوات عن سياق محدد اسمه «سورية تتعافى»، ونحن اليوم بدنا نحكي أكثر من ذلك سورية انتصرت، نحن عندما نكون بأزمة لمدة أكثر من سبع سنوات ثم نرى الأنوار والأضواء تضيء سماء المعرض ونرى الشوارع مرتبة وأعلام الدول ترفرف ببلدنا لم نرها منذ أكثر من سبع سنوات، فكل ذلك هو علامات الفرح بالنسبة لنا فعندما نكون قادرين على التحرك بالطريقة التي نريدها وقادرين على أن نوصل صوتنا لكل دول العالم وقادرين على أن نميز صديقنا من عدونا، هذا الشيء يعطينا كمية كبيرة من الفرح.. هذا الفرح كيف سيترجم فيما بعد.. هو شعور وحالة معنوية مرتفعة وجيدة.
هذا البلد ينهض من جديد وبعودة معرض دمشق الدولي بعد سنوات من الحرب التي شنت على سورية على الرغم من كل ما واجهته ودورته الجديدة تأكيداً على عودة الاستقرار إلى سورية وإثبات أن ما بذله الشعب السوري خلال السنوات الماضية من تضحيات بطولية في مواجهة الإرهاب بدأ يعطي نتائجه.
رسائل الدورة الماضية
إن انطلاق الدورة 59 لمعرض دمشق الدولي حملت رسائل متعددة منها, أول رسالة هي صمود الشعب السوري ووقوفه الى جانب جيشه البطل الذي حقق انتصارات وإنجازات ميدانية على الأرض قدمت بيئة مناسبة لإعادة الحياة السعيدة للمجتمع السوري, وأيضاً هناك رسائل اقتصادية لإعادة عجلة الاقتصاد السوري لأن المعارض تعتبر واجهة للاقتصاد السوري، وبالتالي كانت المشاركة العربية والأجنبية بالحجم الذي تمت به دليلاً على نية العالم الحر التوجه الى سورية، وهذا مؤشر لأنهم قاموا بعزل أنفسهم عن سورية وهم قرروا إنهاء العزل, وهناك رسائل اجتماعية على الأرض لأن المعرض خلال دوراته السابقة كان تظاهرة اجتماعية أصبحت ثقافة شعبية في الجمهورية العربية السورية كل عام، ومنذ عشرات السنين والدولة حريصة على أن تعيد ذاكرة الشعب إلى ما كان يعيشه بالسابق، لتكون استمرارية لحياتهم الغنية، وكلما تحققت انجازات للجيش العربي السوري أعادت الحياة الاجتماعية الطبيعية لمواطنيها وإعادة التنمية الاقتصادية الى ربوع الوطن وذلك بفضل القيادة الحكيمة التي يوليها السيد الرئيس بشار الأسد عسكرياً وأمنياً ودبلوماسياً واجتماعياً.
أول مرة 1954
أقيم المعرض للمرة الأولى في عام 1954 انقطع طوال سنوات الحرب ومن ثم أخذت المشاركات بالتوسع الى زيادات بإعداد الدول المشاركة ليصبح معرضاً من أكبر المعارض, وقدمت الحكومات كل التسهيلات كان من آخرها في الدورة الماضية للمعرض إعفاء المصدرين من أجور نقل البضائع في أي صفقة تعقد خلل أيام المعرض وإفساح المجال لبيع منتجاتها المستوردة مباشرة للمستهلك, بالإضافة لتسهيلات للمشاركين والزائرين ,بينها تخفيضات على بطاقات السفر والحجوزات الفندقية، ويذكر أن العديد من الشركات الخاصة السورية وقعت عقوداً تصديرية العام الفائت خلال الدورة ال 59 من المعرض بما انعكس ايجاباً على زيادة الإنتاج وذلك نتيجة الإقبال الكبير الذي شهده المعرض من تجار وصناعيي الدول الأخرى إلى جانب التسهيلات المقدمة من الحكومة عبر هيئة تنمية ودعم الانتاج المحلي لجهة تحمل نفقات شحن بضائع العقود الموقعة خلال أيام المعرض.
من التاريخ
السيف الدمشقي نصب وسط ساحة الأمويين بمعرض دمشق الدولي كشاهد تاريخي وهوية بصرية راسخة في ذاكرة السوريين ترمز للقوة والشموخ وتربط أمجاد الماضي بإنجازات الحاضر.
شيد النُصُب مطلع ستينيات القرن العشرين حسب المؤرخ عماد الأرمشي وذلك خلال التوسعة التي طالت منطقة سوق البيع وشلالات المياه وتزامناً مع دورة معرض دمشق الدولي السابعة، وعرف منذ بداية تشييده بأنه منصة أعلام الدول المشاركة في معرض دمشق الدولي، وتم وضع لوحات من البلاستيك الشفاف بداخله عليها أعلام الدول المشاركة تبدل كل عام حسب المشاركات، وفي افتتاح الدورة السابعة للمعرض نهاية شهر آب عام 1960 ليصبح أحد أهم المعالم في دمشق.
شكّل النُصُب بوصلة الزوار والسياح وأطلق أهل الشام عليه اسم /عامود المعرض/ لقربه من مكان معرض دمشق الدولي واقترانه بهذا الحدث الموسمي المميز، أما رسمياً فعرف بالسيف الدمشقي لما للسيف الدمشقي من مكانة عند أهل دمشق وكدليل يرمز لقوة سورية ومنعتها وحامل لإرثها الحضاري والتاريخي.
وهكذا سيبقى معرض دمشق الدولي منارة ومعلماً كبيراً وصار اليوم يتربع على مساحة كبيرة من الجغرافية وعلى قدر من الأهمية عند العديد من الدول, ناهيك لما يحتل من مكانة عظيمة في ذاكرة السوريين، ومع قرب انطلاق الدورة الجديدة لفعاليات المعرض بنسخته الـ60 كثرت التوقعات بأن المعرض خلال هذه الدورة يحمل الكثير من الأخبار السارة لدى الشركات والتجار وتعاملات الزبائن وكل مايتعلق الزوار والمبتاعين أيضاً.
فمعرض دمشق الدولي وإعادة إحياء هذه الظاهرة الاقتصادية الاجتماعية بالقوة الحكومية الكبيرة يحمل رسائل مهمة من أهمها أنه يبعث الأمل في النفوس بأن إرساء الاستقرار والتفاهم والسلام في سورية جار ويتوطد يوماً بعد يوم وأن الشعب السوري سينتصر حتماً على الإرهاب.
* مدير تحرير صحيفة تشرين
Discussion about this post