بقلم: مصطفى المقداد
تأتي الدورة الستون لمعرض دمشق الدولي بالتزامن مع انتصارات وطنية عسكرية وسياسية ودبلوماسية، ووسط تحديات وتهديدات غربية تقودها الولايات المتحدة الأميركية تنذر بضرب منشآت حيوية، فكيف يكون توقيت المعرض في دورة تاريخية هي الثانية في ظل العدوان الغربي على سورية المستمر منذ ثماني سنوات؟، كان الاقتصاد والبنى التحتية الكبرى أبرز الأهداف التي طالتها يد الإرهاب تدميراً وخراباً.
كانت الدورة التاسعة والخمسون التحدي الأصعب في مواجهة الإرهاب والعقوبات ونظام المقاطعة الغربية مع ما يرافقه من ضغط على الكثير من الحكومات والشركات، لعدم المشاركة في فعاليات ونشاطات ذلك المعرض الذي يعد من أبرز وأهم المعارض والتظاهرات الدولية حيث كانت الحكومات وكبرى الشركات تحرص على الحضور والمشاركة فيه، وكانت تحرص على تسجيل حضورها في فترة مبكرة نظراً لضيق المساحة الكبيرة التي كانت تضيق أمام حجم المشاركات المتعددة.
في الدورة السابقة كانت التحديات كبيرة أمام انعقاد الدورة التاسعة والخمسين بعد انقطاع ست سنوات، فالإرهاب على مرمى حجر من موقع المعرض، والتهديدات الأمنية في أعلى مستوياتها، والعدوان الغربي يلوح بتوجيه ضربات جوية وصاروخية في أي وقت، فكيف كان رد الفعل السوري؟ وأي موقف اتخذته الحكومة؟ وما الإجراءات التي اتخذتها؟ وكيف مضت يوميات الدورة الماضية؟ وما العوامل المساعدة التي تعطي الدورة الستين دفعاً يجعل منها دورة التحدي للعقوبات والمقاطعة، ودورة إعلان النصر الوطني؟
إنها تساؤلات وضعت إجاباتها الحقائق والوقائع المؤيدة بالبراهين، فقد أثبت السوريون أنهم قادرون على مواجهة كل التحديات والصعاب والرد على الإرهاب بالمزيد من العمل والعطاء في جميع مواقع العمل والإنتاج، فبالرغم من كل الضغوطات الخارجية والداخلية جاءت الدورة الماضية محققة لأبعد أهدافها، وفوق المشاركة الدولية التي بلغت 22 دولة عربية وأجنبية، فضلاً عن عشرات الشركات الكبرى، فإن الإقبال الشعبي على المشاركة ومتابعة فعاليات ونشاطات تلك التظاهرة الاقتصادية كان الرسالة الأبرز للعالم الخارجي كله، فقد ضاقت الطرقات بالسيارات والمارة والمشاة ممن لم تمنعهم المسافات ووسائط النقل عن الحضور والتجول في أجنحة المعرض المتعددة، للاطلاع على كل جديد في عالم الصناعة والزراعة والتكنولوجيا والآليات والمعدات، إضافة إلى الأنشطة المرافقة التي تقدم الدراسات والخبرات والاستشارات للباحثين والمستثمرين ورجال الأعمال والاقتصاديين والداخلين الجدد في ميادين الاقتصاد والإعمار والإنشاءات العامة.
فكانت الدورة السابقة البرهان العملي للنجاح والممهد المنطقي للدورة الستين الحالية لتمثل الرد الكبير ضد كل دعاة المقاطعة والعقوبات والعدوان، فالمساحات الواسعة والكبيرة الأساسية لمدينة المعارض ضاقت وصغرت أمام الطلبات المتزايدة للاشتراك، فكان التوسع أحد الحلول الإسعافية السريعة للوفاء بالالتزامات والاستجابة لطلبات المشاركة الخارجية والداخلية على السواء.
وهنا قد تكون الإجابة على السؤال المنطقي معروفة وواضحة وهي لماذا كل هذا الإقبال على المشاركة في المعرض في ظل الحملات الإعلامية المعادية والتهديدات الغربية الاستعمارية والأميركية منها بخاصة؟
يدرك العالم كله أن مستقبل الاستثمارات في سورية هو مستقبل واعد، وأن عملية إعادة البناء تستلزم وجود شركات متعددة النشاطات ومتنوعة المستويات، وأن عملية إعادة البناء والتعمير تترافق مع أنشطة اقتصادية إنتاجية وخدمية متعددة، وأن عيون العالم والشركات الكبرى تتجه نحو سورية التي تسجل آخر الخطوات في القضاء الكلي على الإرهاب، وعودة الحياة إلى سابقها حين كانت سورية أكثر الأماكن أماناً وأكثرها ضماناً للاستثمار، وها هو العالم الاقتصادي يعطي الشهادة الحقيقية لهذا الوضع، قبل أن ينطق بها السياسيون وعالمهم المخادع.
للشهادة أعترف أن عدداً من معارفي من غير السوريين اتصل معي وبعضهم حضر إلى دمشق طالباً مني المساعدة في حجز أجنحة لهم في المعرض بمساحات تتسع لعرض صناعاتهم ومنتجاتهم، فكانت المؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية الصدر الواسع والرحب لاستقبالهم ومدهم بالمعلومات المطلوبة وتقديم كل الإيضاحات لهم ومساعدتهم في اتخاذ القرارات المناسبة، بما يضمن حقوقهم ويمكنهم من الإعلان عن منتجاتهم وفق الصورة التي يريدون.
إنها الرؤية الواضحة لوزارة الاقتصاد والمؤسسة العامة للمعارض والأسواق الدولية التي استندت إلى إمكانيات مدعومة بموقف شجاع فيه الكثير من التحدي لإثبات حقيقة ومكانة سورية ودورها الحضاري في دورة الاقتصاد الدولي بالتوازي مع دورها السياسي الفاعل.
* نائب رئيس اتحاد الصحفيين
Discussion about this post