بقلم: د. شاهر إسماعيل الشاهر
إن التطورات والتغيرات الاقتصادية المستمرة والمتلاحقة التي عرفها الاقتصاد العالمي جعلت اهتمام المؤسسات الاقتصادية ينصب في البحث عن أقصر الطرق التي تؤدي إلى الدخول للأسواق الدولية وبأقل التكاليف، وذلك بقصد الترويج بالمنتجات الوطنية وولوج الأسواق الدولية من باب الاستثمار فكانت المعارض الدولية إحدى هذه الطرق.
لقد تغيرت النظرة للمعارض الدولية من مجرد عنصر له دور محدود وارتباط ضعيف مع بقية عناصر المزيج الترويجي الدولي الأخرى إلى أهم عنصر من عناصر المزيج الترويجي الدولي وأهم الأدوات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وتجاوزت ذلك بكثير حيث صارت سلاحاً تنافسياً وأداة لتحفيز الطلب على المستوى الدولي، فالمعارض وسيلة فعالة لعرض السلعة أو الخدمة على العملاء والإجابة الفورية والآنية على استفساراتهم، حيث تمثل المعارض الدولية منافذ للتعريف بمنتجات المؤسسات الاقتصادية الراغبة في غزو الأسواق الدولية، وكذلك دورها في تأمين فرص الالتقاء بين المنتجين والتجار والمستوردين في الدول المستهدفة وتوقيع العقود والصفقات التجارية، وتسريع عجلة التبادل التجاري وانسياب البضائع والمنتجات.
الآثار الاقتصادية لقطاع المعارض والمؤتمرات: لعبت المعارض الدولية دوراً بارزاً ومهماً في مجال التعاون والتبادل التجاري وتوسيع قاعدة التخصص الاقتصادي والصناعي، وتبادل التطور التقني العلمي وكذلك في مجال توطيد العلاقات التجارية بين الدول، فهنالك علاقة قوية بين الاقتصاد الوطني للدول وقطاع المعارض والمؤتمرات؛ لأن هذا القطاع يتقاطع مع جميع القطاعات الاقتصادية، ويروج الصناعات الوطنية، ويقوي قنوات التواصل، ويرفع قدرات العاملين في القطاعات الاقتصادية المختلفة. ويمكن لقطاع المعارض والمؤتمرات جني الكثير من الثمرات الاقتصادية التي تصب في مصلحة الاقتصاد الوطني، فهو مولد كبير للوظائف الدائمة والمؤقتة، بالإضافة إلى عمليات التبادل التجاري والمعرفي والصفقات التي تعقد خلال المعارض والمؤتمرات، وتقوم الكثير من حكومات الدول بحساب مخرجات القطاع الاقتصادية ضمن الناتج القومي، فهو يساعد في الحصول على العملة الصعبة بالنسبة للدولة المنظمة، من خلال المشاركين الأجانب في المعرض عن طريق رسوم المشاركة والجمركة وحتى من الزوار الأجانب (الزوار الدوليين) للمعرض من خلال مصروفاتهم على السكن، المواصلات، الخدمات السياحية،…..إلخ، فالزائر الأجنبي للمعارض بمختلف أنواعها يعتبر من أكثر السياح إنفاقاً لقدرته الشرائية العالية.
الآثار الاجتماعية والثقافية لقطاع المعارض والمؤتمرات: تبرز الأهداف الاجتماعية لإقامة المعارض في أن قطاع المعارض يخلق وظائف متنوعة (مؤقتة ودائمة) ويقضي بذلك على نسبة كبيرة من البطالة. كما تعد المعارض محيط ملائم لتكثيف مشاركة المجتمع وتفاعله مع فئات مجتمعية من مختلف الدول، وهو ما ينتج عنه تنمية رأس المال الاجتماعي، حيث يعد رأس المال الاجتماعية الركيزة الأساسية للعلاقات الاجتماعية مثل غيره من أشكال رأس المال.
ويعد قطاع المعارض عنصراً رئيساً في الاقتصاد القائم على المعرفة بوصفه وسيلة لتنمية المجتمعات المهنية والأكاديمية، ويلعب دوراً محورياً في جلب الخبراء وتوطين المعرفة من خلال إكساب الكفاءات الوطنية المعارف والعلوم والخبرات الجديدة والممارسات المهنية المطورة، وهو وسيلة فعالة لتبادل الثقافات وإبراز الموروث الثقافي وإحياء التقاليد والتراث، فمن خلال المعارض السياحية الدولية يتم التعريف بالمناطق السياحية وكذا الموروث الثقافي المكتسب لمنطقة ما، وهناك ارتباط كبير بين قطاع المعارض والمؤتمرات وصناعة السياحة وبخاصة الفنادق، ومنظمي الرحلات، ووكالات السفر، وغيرها من الأنشطة والمهن السياحية كما تساهم المعارض الدولية في التنمية السياحية للدولة المقام بها المعرض من خلال جذب السواح والمهتمين بالمعارض الذين يدرون دخلاً قومياً للدولة، لذا تقوم العديد من الدول بربط استراتيجياتها السياحية باستراتيجيات تنمية قطاع المعارض.
الآثار السياسية لقطاع المعارض والمؤتمرات: ومن الناحية السياسية فإن المعارض التي تعقد في الدولة تعبر في كثير من الأحيان عن المكانة السياسية للدولة ما يجعل الكثير من الدول تنظر إلى العائد السياسي من المعارض أكثر من العائد الاقتصادي، وباعتبار أن المكانة السياسية للدولة يكون لها بعد ذلك انعكاساتها المباشرة على أوضاعها الاقتصادية. ومن الآثار السياسية الإيجابية للمعارض والمؤتمرات تحسين الصورة الذهنية للدولة، وإبراز قيادات الدولة من خلال مشاركاتهم في المؤتمرات والمنتديات والندوات وتطوير قدراتهم الإدارية، إضافة إلى أنها تشكل وسيلة ممتازة للحوار والتفاهم مع الحضارات الأخرى.
مقومات نجاح صناعة المؤتمرات الدولية: ولنجاح هذه الصناعة تحتاج إلى خبرات ترويجية كبيرة لإطلاق الحملات الإعلانية لها إضافة للإمكانيات الإدارية والتنظيمية والكفاءة العالية في العلاقات العامة وفن اعلامي عالي، وقدرة مدروسة على الترويج الإعلامي، بالإضافة إلى أنه يجب زيادة مرافق المؤتمرات من خلال إنشاء مدن ومراكز، وشركات تنظيم الفعاليات، والمؤسسات الموردة للفعاليات، وشركات إدارة الوجهات من الفنادق، والاستعداد للفعاليات الكبرى عن طريق إنشاء قاعات فندقية تتسع لعدد كبير من الحضور، وكذلك التنسيق بين الشركات المنظمة للمعارض وبين المؤسسات والدوائر الحكومية من خلال تعاون استراتيجي لاستقطاب الفعاليات العالمية، ومن الهام بمكان الإشارة إلى دور السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخارج في مجال تعزيز العلاقة الاقتصادية مع الخارج، من أجل جذب الاستثمارات وتفعيل الدبلوماسية الاقتصادية التي تختص بجميع مجالات النشاط الاقتصادي من استيراد وتصدير وترويج وجذب للاستثمارات، وتقديم المعلومات والترويج والدراسات المختلفة التي تساعد المستثمرين في الجانبيين على التعاون، والدخول في علاقات تجارية ناجحة ترفد العلاقة بين البلدين..
وفي الختام لابد من التأكيد على زيادة الاستثمارات في قطاع المعارض والمؤتمرات، والتي لها دور هام كما أشرنا سابقاً في زيادة الفرص الوظيفية للمواطن، وتسويق المنتجات وزيادة الأنشطة الدعائية، والإسهام في التنمية الحضارية وتطوير البنية التحتية، وإبراز الفرص الاستثمارية في الوجهة المقام فيها المعرض أو المؤتمر، وفي ظل التطور التكنولوجي السريع الذي يشهده العالم، ومع انتشار مختلف وسائل الترويج الحديثة بقيت المعارض الدولية محافظة على مكانتها ضمن المزيج الترويجي الدولي.
Discussion about this post