بقلم: أ.د. طارق عفاش
تعرف المعارض والمؤتمرات بأنها مناسبات يتم تنظيمها بهدف محدد، حيث يتم جمع الزوار في موقع وزمان محددين ولأغراض محددة، مثل التعليم وتسويق المنتجات والخدمات، ولقد أصبحت هذه الصناعة من الصناعات الرائدة وقطاعاً اقتصادياً مهماً لمختلف الدول، حيث إنها من أهم الأدوات التي تساهم في تحسين المكانة السياسية والاقتصادية للدولة المضيفة، وتشكل عاملاً أساسياً في التبادل التجاري والمعرفي وتوطين المعرفة والتكنولوجيا، ووسيلة فعالة لبناء العلاقات بين الدول وتبادل الثقافات، فضلاً عن أهميتها في الترويج للصناعات الوطنية والفرص الاستثمارية وتطوير صناعة السياحة وبخاصة الفنادق ووكالات السفر وشركات التنظيم والتسويق.
وهي أيضاً مولد كبير للوظائف الدائمة والمؤقتة، مما حفز الحكومات على إيلاء هذا القطاع أهمية خاصة ودعمه وتنميته، وعموماً على المستوى الدولي يوجد أكثر من 1500 هيئة معارض ومؤتمرات مهمتها الأساسية هي توليد فوائد اقتصادية من خلال هذه الانشطة.
أما عن معرض دمشق الدولي، فتاريخياً ومنذ دورته الاولى عام 1954 والنجاح الذي حققه كان المعرض السنوي العام الأهم والأقدم في المنطقة وقد شكل على مدى تاريخه معلماً حضارياً وسياحياً واقتصادياً ونقطة التقاء متميزة للتبادل التجاري والاقتصادي والثقافي بين الدول العربية والأجنبية، وكان مسرحه منبراً لتقديم أهم التظاهرات الفنية والثقافية التي لطالما عبرت ليس فقط عن الثقافة السورية؛ بل عن مجمل الحراك الثقافي في المنطقة على اختلاف تنوعاتها، وذاكرة السوريين حافلة بمعالم فنية خالدة شهدها معرض دمشق الدولي، وقد جاء تدشين مدينة المعارض الجديدة عام 2003 ببنيتها التحتية المتطورة وخدماتها الواسعة على طريق المطار في عامه الخمسين نقلة نوعية مهمة في مسيرة تطوره.
ولا شك أن دورة المعرض الستين لهذا العام تشكل نقطة انعطاف نوعي في مسيرة المعرض، حيث إنها مؤشر قوي على تعافي سورية بعد الانتصارات التي حققتها الدولة السورية قيادة وجيشاً وشعباً في مكافحة الإرهاب وتحرير معظم الأراضي السورية، وكذلك هي مؤشر ثقة بالدولة السورية وأحد أوجه انتصارها، نظراً لحجم المشاركة الدولية الواسعة، ما يعني أن دول العالم غير ملتزمة بالعقوبات الأميركية والحصار الذي تحاول بعض الدول فرضه على سورية كمحاولة للتعويض عن هزيمة مشروعها في إسقاط الدولة السورية.
وحيث شارك فيها القطاعين العام والخاص بشكل واسع إضافة الى الوفود العربية والأجنبية والاجنحة المتنوعة التي تشمل كل القطاعات، فإن هذه الدورة تشكل فرصة استثنائية للاطلاع عن قرب على آفاق وفرص الاستثمار في سورية في مرحلة ما بعد الحرب وللقاء أصحاب الفعاليات، والتعرف على ممثلي الشركات سواء الوطنية والاجنبية وتزويدهم بكل ما يلزم من بيانات ومعلومات عن مزايا الاستثمار وحوافزه وضماناته والتسهيلات، ولا شك أن حلفاء وأصدقاء سورية سيكون لهم النصيب الأكبر في إعادة إعمار ما دمرته الحرب.
وبناءً على ما حققه المعرض من نجاح في دورته الحالية والسابقة فإنه من الضروري أن نشير إلى ما يلي:
أولاً: يجب أن نحرص على أن يكون معرض دمشق الدولي من أهم المعارض في المنطقة في دوراته المستقبلية، يبرز هوية سورية ومقوماتها كواجهة واعدة لاستقطاب المعارض والمؤتمرات، ويقوم بالتعريف بالخدمات والمنتجات والفرص الاستثمارية المتاحة في هذا المجال، إلى جانب بناء علاقات مثمرة مع الدول والشركات الزائرة.
ورغم الطبيعة التنافسية الشديدة لصناعة المعارض والمؤتمرات بين دول المنطقة، وخاصة الخليجية منها بفعل الجهود التي تبذلها هذه الدول لتنمية هذا القطاع بغرض تخفيف الاعتماد الاقتصادي على النفط، عبر توفير متطلبات القدرة على تلبية احتياجات ومتطلبات السوق المحلي والدولي، وكذلك توفير المرافق والخدمات المناسبة ودعمها بالحملات التسويقية، فإن معرض دمشق الدولي يملك العديد من نقاط القوة، الأمر الذي سيجعله يحوز قصب السبق، فهو الأقدم في المنطقة، كما تشكل سورية بعمقها الحضاري وبموقعها وتاريخها نقطة جذب مهمة، هذا إلى جانب ما تتمتع به مدينة المعارض من بنية تحتية ممتازة وجودة التنظيم وحسن الإدارة وكفاءات وطنية متخصصة في التسويق واستضافة الزوار، وكذلك انخفاض أسعار الخدمات السياحية في سورية مقارنة في الدول المجاورة ووجود العديد من الفنادق عالية الجودة، إضافة إلى أن سورية تملك إمكانيات استثمار واعدة، فهي بلد متنوع اقتصادياً وصناعياً وزراعياً، وهي متمكنة في قطاعات الصناعات الاستهلاكية، ويرافق ذلك أيضاً اهتمام حكومي مستمر.
ثانياً: إن أهمية هذه الدورة تأتي أيضاً من كونها تتزامن مع الحديث عن انطلاق ورشة إعادة اعمار سورية، وهنا تجدر الإشارة إلى أن عملية إعادة الإعمار ليست بالأمر السهل، ولن تتم بعصاً سحرية، خاصة إذا نظرنا إلى تجارب الدول الأخرى التي عاشت حروب ظالمة مماثلة، حيث ما زال بعضها حتى اليوم يدفع ثمن إعادة الإعمار نتيجة لسوء الإدارة واستمرار الصراعات والنزعات، لذلك لابد لنا هنا من التأكيد على التالي:
– أي عملية إعادة إعمار يجب أن يرادفها تشكيل اقتصاد وطني قوي ومتماسك، ويجب أن تعتمد أولاً على قوى المجتمع في هذا الأمر، وإن من يستسهل وينتظر قدوم الشركات الأجنبية لتأتي وتتدفق المليارات فوراً؛ من المرجح أن ينتظر إلى الأبد، ولاشك أن الدولة السورية كما السوريين جميعاً قد علموا مسبقاً كيفية الاستفادة من قدراتهم الإنتاجية المحلية، ولاشك هنا أن العديد من المشاريع المتوسطة والصغيرة الإنتاجية الناجحة يمكن احتسابها في سياق واعد.
وما يجب التوقف عنده هنا أنه ورغم أن هناك العديد من التقديرات لمجمل الخسائر التي سببتها الحرب وتتحدث في معظمها عن مبلغ تقريبي قدره 400 مليار دولار، وهو مبلغ يفوق وفق وجهة نظر البعض قدرة الدولة السورية على الوفاء به، غير أنه ومن الواضح أن هناك ملامح خطة حكومية واضحة للمضي قدما تتضمن التركيز على السوريين أنفسهم لإعادة الإعمار واعتماداً أقل على الآخرين.
– الدولة السورية قدمت العديد من الخطط والبرامج لإعادة الاعمار، وأصدرت العديد من القوانين والتشريعات الملائمة، ومنها قانون التشاركية الذي سيؤدي دوراً متميزاً في إقامة الشراكات مع الدول الصديقة، غير أنه يتوجب طرح خارطة اقتصادية استثمارية واضحة واستراتيجية شاملة تغطي كافة القطاعات والمناطق، وكذلك وضع قوانين واضحة لآلية الإعمار، كما يفترض أن يكون دور الحكومة السورية قيادياً، لتكون الناظم الفعلي لعملية إعادة البناء والإشراف على تحقيق الأهداف الاستراتيجية لهذه العملية المعقدة والتاريخية وبالشراكة مع الإدارات المحلية والقطاع الخاص، ولاشك أن مزيجاً بسيطاً من شفافية البيئة الاستثمارية والضمانات الحكومية الفعلية للمستثمرين من الممكن أن تكون أهم من أي شيء آخر، وفي ذات السياق لا يمكن تجاهل العقوبات الاقتصادية المفروضة على سورية، والتي تتطلب من الاقتصاديين في سوريا البحث عن بدائل اقتصادية للتغلب عليها.
وفي النهاية يمكننا القول.. إن معرض دمشق الدولي بدورته الحالية هو رسالة للعالم أجمع تؤكد بأن الشعب السوري هو شعب تواق إلى الحياة والفرح ومتفائل بالمستقبل، وهو أيضاً رسالة دعوة مفتوحة للأبناء والأصدقاء للمشاركة في إعادة الإعمار.
Discussion about this post