هكذا صوت اليونانيين على خطة ” لا للعبودية ولكن نعم لقيودنا”!!
طرحت أزمة الديون اليونانية في صيف 2015 الكثير من إشارات الاستفهام حول حقيقة الديون المترتبة على شتى دول العالم. الصحفي الاستقصائي والكاتب “غريغ بالاست” علق على تصويت اليونانيين على الخطة الأوربية بأنه تصويت بـ”لا للعبودية ولكن نعم لقيودنا”.
مصدر هذا الوصف هو الضغوط التي كانت ستمارس – ويمارس الكثير منها الآن – على المواطنين اليونانيين، خصوصاً الأضعف اقتصادياً منهم، ممن يحصلون على معونات البطالة والرواتب التقاعدية مثلاً.
ومقابل الضجة الإعلامية التي ترافق كل نقاش برلماني في الولايات المتحدة الأمريكية لرفع سقف الدين العام، فإن هذه القضية لا تشغل بال الرأي العام في الدول العربية إلا نادراً ولأسباب سياسية غالباً، لنلقِ نظرة على ديون الدول العربية وحصة كل مواطنٍ عربي من ديون بلاده.
النفط والحروب
حسب تقديرات صندوق النقدي الدولي لإجمالي الدين الوطني في عام 2017، وتقديرات أعداد السكان لمكتب تعداد الولايات المتحدة في العام ذاته، تنقسم الدول العربية العشر الأولى من حيث حصة الفرد الواحد من الدين إلى فئتين.
الفئة الأولى تشمل الدول النفطية، التي ترتفع ديونها بسبب أحجام اقتصاداتها الكبرى وبالتالي استثماراتها الحكومية الضخمة، وكذلك ارتفاع تصنيفها الائتماني الذي يتيح لها استدانة مبالغ أكبر، كما ترتفع حصة الفرد، أو دافع الضرائب، الواحد من ديونها بسبب عدد السكان المنخفض فيها.
أقوال جاهزة
ارتفاع حجم الديون في بلدكم ليس أمراً سلبياً دائماً باستثناء حالات مُعينة، تعرفوا على الدول العربية المهددة بالغرق في دوامة الاستدانة. تتربع على رأس القائمة الخليجية والعربية قطر التي تبلغ حصة الفرد فيها من الديون 48,863 دولاراً، بفرق شاسع عن البحرين صاحبة المرتبة الثانية، والتي تبلغ حصة الفرد فيها 19,723 دولاراً، وفي المرتبة الثالثة خليجياً والرابعة عربياً الإمارات ثم الكويت، لينخفض الرقم بشكل كبير في السعودية وفي عمان إلى 4,693 دولار.
الفئة الثانية تشمل بشكل أساسي الدول التي شهدت حروباً واضطرابات سياسية طويلة، وتشمل لبنان، الثالث عربياً، والذي تزيد حصة الفرد فيه من الديون عنها في الإمارات، ثم ليبيا التي تأثر إنتاجها النفطي بالحرب الدائرة فيها، ثم الأردن والتي ترتفع ديونها إثر تباطؤ الاستثمار فيها بسبب الاضطرابات المحيطة بها واستقبالها لأعداد كبيرة من اللاجئين، وأخيراً العراق.
في المقابل، تبلغ حصة الفرد في الجزائر من الديون 0.75 دولار، وهي الأقل بين الدول العربية، وهي أيضاً الوحيدة دون المائة دولار، تليها الصومال ثم سوريا بحصة تبلغ 196 دولاراً، وفي الحالة السورية بالذات فإن انخفاض الديون يعود بشكل أساسي للسياسة، إذ عمدت روسيا سنة 2005 إلى شطب الديون السورية، والتي كانت تشكل حوالي 73% من ديون البلاد.
تستدين أكثر مما تجني
لا تكفي قراءة هذه الأرقام وحدها لفهم حجم المأزق الذي تقع فيه بعض الدول العربية. رقم آخر يستحق التركيز عليه يوضح إن كانت بالفعل هذه الدولة تستدين ما هي قادرة على رده أم لا، وهو النسبة من إجمالي الناتج المحلي.
ففي حين تتقارب حصة الفرد في لبنان والإمارات من الدين، فإن ديون الإمارات تشكل فقط 18.8% من ناتجها المحلي، في حين تبلغ النسبة نفسها في لبنان 149%، وكذلك الحال بين ليبيا التي تبلغ ديونها حوالي 100.2% من الناتج المحلي والكويت الذي لا تزيد النسبة نفسها فيها عن 22.4%.
كم تبلغ حصتكم من الدين العام في بلدكم؟
مصر التي تبلغ ديونها أكثر من 200 مليار دولار وحصة الفرد منها 2,093 دولار، تشكل ديونها 93.4% من ناتجها المحلي ومثلها الأردن التي تبلغ النسبة فيها حوالي 94%، في حين تبلغ ديون موريتانيا 81.5%.
وتعد البحرين الدولة الخليجية الوحيدة التي تزيد نسبة ديونها من الناتج المحلي عن 70%، إذ تبلغ 82.3% ويتوقع صندوق النقد الدولي أن ترتفع إلى حوالي 100% بحلول عام 2021.
وفقاً لهذه النسبة فإن الجزائر تعتبر الأقل تورطاً في الديون، إذ لا تزيد نسبة ديونها من ناتجها المحلي عن 17.1% ولا يتوقع أن تزيد عن 30% قبل حلول عام 2020.
كرة الثلج
لا يمكن تقدير الأضرار المحتملة من الديون الحكومية ما لم يقع البلد المستدين في أزمة مالية تجعله عاجزاً عن دفع ديونه. صندوق النقد الدولي الذي تستدين منه الحكومات أكثر من سواه عادةً، غالباً ما يرفق الديون بشروط على الحكومة المستدينة لتخفيض العجز في ميزانيتها والتأكد من قدرتها على تسديد الديون.
من هنا يمكن ألا تترافق الأضرار مع عجز عن تسديد الديون، إنما مع وجودها فقط، إذ تشمل الشروط المفروضة على المستدين ذي التصنيف الائتماني المنخفض قطاعاتٍ يستفيد منها المواطنون ذوو الدخل المحدود، كالقطاع الصحي أو التعليمي أو الخدمي.
وكذلك إضافة لرفع الضرائب على محدودي الدخل مقابل خفضها على الاستثمارات الخارجية، وزيادة الإنفاق على الأنشطة والاستثمارات الاقتصادية الكبرى. كما قد تشمل الشروط إلزام البلد بفتح أسواقه للمنتجات الأجنبية وبالتالي زيادة الضغط على المنتجات المحلية.
وفي أسوأ الحالات – كما هي حال اليونان مثلاً – يضطر البلد لاستدانة المزيد من الأموال، التي ستضاعف الديون باستمرار ما لم يكن هناك حد أدنى من الشفافية في البلد المستدين تسمح بعدم هدر الأموال المستدانة، وهذا الأمر غير متوفر في معظم الدول العربية وفقاً لترتيب منظمة الشفافية الدولية لعام 2016، لتتضاعف الديون مع الزمن ككرة الثلج.
تواجه العديد من الدول العربية التي تشهد حروباً وصراعات داخلية، خصوصاً سوريا واليمن غير النفطيتين، خطر الوقوع في دوامة الديون في مرحلة إعادة الإعمار.
وما لم تكن هناك في موقع المسؤولية عقول لا تنساق وراء الحلول التقليدية، المفروضة أصلاً من قبل الدول الدائنة ذات الحصة الأكبر في صندوق النقد الدولي، ستغرق هذه الدول في أزمات مالية وانخفاضات متتالية لقيمة العملة المحلية، خصوصاً في غياب قطاعات صناعية قادرة على سد العجز.
Discussion about this post