العالم الاقتصادي- رصد
تعكس أرقام صادرة مؤخرا عن صناعة التبغ في الشرق الأوسط تنامي هذه الصناعة، رغم أن الحكومات في المنطقة تزعم مكافحة التدخين الذي بات هو الآخر جائحة أشد فتكا من الجوائح الصحية التي يعد العالم بصدد مواجهتها على غرار وباء كورونا.
تدق عدة إحصائيات صادرة مؤخرا ناقوس الخطر بشأن السياسات الصحية في الشرق الأوسط والتي باتت على المحك في ظل تحركات لوبي التبغ حيث يتضاعف تصنيع التبغ في المنطقة.
والإقبال على التدخين، رغم أن الجميع يعرف بأنه مضر بالصحة، في تزايد في العالم وبشكل خاص في الشرق الأوسط وهو ما يثير تساؤلات.
جائحة أشد فتكاً
الأكثر إثارة للاستهجان هو حقيقة أن العديد من البلدان لديها شركات تبغ مملوكة للدولة، بما في ذلك مصر ولبنان
رغم سابق معرفتهم بأن التدخين مضر بالصحة، إلا أن الملايين من المدخنين وعشاق الشيشة يتجاهلون كل يوم الخطر الحقيقي المتمثل في أن عادة التدخين قد تودي بهم إلى التهلكة.
ويغامر المدخنون بحياتهم بنسبة 50 في المئة، حيث يقتل التبغ حوالي نصف متعاطيه، وفي كل عام يُعرض التدخين حوالي 8 ملايين شخص إلى الموت المبكر، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
كما اتضح أن التبغ هو أشد فتكا من الحروب، حيث أنه في القرن الماضي أدت الحروب، بما في ذلك الحربان العالميتان، إلى مقتل 72 مليون شخص، بينما قتل التبغ 100 مليون.
ويمثل الموت نصف تلك المشقة، فالطريق إلى الموت الناجم عن التبغ غالبا ما يكون رحلة طويلة ومؤلمة وحافلة بالتوتر والمعاناة للمحتضرين وأحبائهم.
وقال جوناثان جورنال، وهو صحافي بريطاني، كان يعمل سابقا مع التايمز، وقد عاش وعمل في الشرق الأوسط وهو الآن مقيم في المملكة المتحدة، إنه “بالنظر إلى كل ذلك، والتكلفة الباهظة للأنظمة الصحية حول العالم، فيمكن الاعتقاد بأن الحكومات حول العالم ستبذل قصارى جهدها للقضاء على قطاع صناعة التبغ، ولكن ذلك الاعتقاد ليس صحيحا”.
وبالفعل، تحافظ شركات صناعة التبغ على أرباحها، بل وتزيد من نسبة تلك الأرباح عن طريق استهداف بلدان في الشرق الأوسط، نظرا لأنه يتم إخراجها من الأسواق الأوروبية ومن أسواق أميركا الشمالية، وتقوم بتلك الأنشطة في الشرق الأوسط في كثير من الأحيان بالتعاون مع الحكومات.
وليس من العجب أن أكثر من 80 في المئة من متعاطي التبغ في العالم، البالغ عددهم 1.3 مليار نسمة يعيشون الآن في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل، وذلك وفقا لمنظمة الصحة العالمية.
جوناثان جورنال: الحكومات في الشرق الأوسط تشجع نمو صناعة التبغ
رأى جورنال أنه “في صفقة شيطانية تم إبرامها مقابل دفع ضرائب عالية، تعمل الحكومات في جميع أنحاء الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنشاط على تشجيع نمو الصناعة الأكثر فتكا في العالم، بل وفي بعض الحالات تقوم بمكافأتها”.
وقد كشف تقرير نُشر عن المركز العالمي للحوكمة الرشيدة في مكافحة التبغ بالتعاون مع المكتب الإقليمي لشرق البحر المتوسط التابع لمنظمة الصحة العالمية عن تدخل قطاع صناعة التبغ في سياسات مكافحة التبغ في ثماني دول وهي مصر وإيران والعراق والأردن ولبنان وعُمان وباكستان والسودان.
وعلق الدكتور جواد اللواتي، وهو أحد المدافعين عن سياسات مكافحة التبغ في وزارة الصحة العمانية، قائلا “في كل مرة نتتبع فيها فشلاً في إحراز تقدم في أي جانب من جوانب مكافحة التبغ في دول الشرق الأوسط سواء بصورة فردية أو بشكل جماعي، نجد أن شركات التبغ أو موزعيها المحليين أو منظمات الواجهة وبعض الأفراد يقفون وراء ذلك الفشل”.
ويشير مراقبون إلى أن عُمان في طريقها للخروج من تقرير مؤشر تدخل الصناعة 2021، وهو المؤشر الذي يحظر ممثلي الصناعة من المشاركة في لجان سياسة الصحة العامة، ولا يقدم لشركات التبغ أي حوافز تجارية، ويرفض الدخول في شراكات صناعية.
وتعد عُمان حالة استثنائية، على الرغم من كون جميع البلدان الثمانية الواردة في التقرير أطراف في اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ (إف.سي.تي.سي)، والتي تلزمها نظريا بتنفيذ تدابير مكافحة التبغ و“حماية سياساتها الصحية من التدخل التجاري وغير التجاري”.
وفي السودان والعراق، على سبيل المثال “وجد قطاع صناعة التبغ طريقة للمشاركة في تطوير معايير منتجات التبغ” من خلال وجود ممثلين له في لجان رسمية مختلفة.
ونال مصنع جديد بنته شركة التبغ الدولية “جي.تي.أي” في الأردن في عام 2018 جائزة الإشراف البيئي من قبل وزارة البيئة الأردنية.
وفي مصر حيث تقدم شركة التبغ العالمية العملاقة فيليب موريس دورات تدريبية لمسؤولي الجمارك لمكافحة التهريب الذي قد يضر بمنتجاتها، حصلت الشركة على شهادة تقدير من وزارة المالية لسدادها الضرائب في الوقت المحدد.
ولطالما سعت شركات التبغ لاكتساب النفوذ وتحسين سمعتها من خلال إطلاق مبادرات في مجال المسؤولية الاجتماعية للشركات (سي.أس.أر)، وهو تكتيك أتقنته في الولايات المتحدة وأوروبا مع تنامي الوعي حول أخطار التبغ.
وبعد أن تم طردها من الغرب، اتجهت شركات التبغ بصورة متحايلة إلى الشرق الأوسط، ومن خلال مبادرات مختلفة في مصر والأردن ولبنان وباكستان، استغلت تلك الشركات حتى جائحة كورونا “لكسب التأييد العام والوصول إلى مسؤولين حكوميين في رتب عالية“.
وربما شهد العراق أسوأ مثال على التحايل على عنصر المسؤولية الاجتماعية للشركات في عام 2020، عندما “وزعت وزارة التجارة سجائر ماركة ‘سومار’ المنتجة محليا جنبا إلى جنب مع مواد الحصص الغذائية المجانية التي تم توزيعها كمساعدة للأسر الفقيرة”.
وقد استشرى تضارب المصالح الرسمي في نفس الوقت، ولكن ربما يكون الأكثر إثارة للاستهجان هو حقيقة أن العديد من البلدان لديها شركات تبغ مملوكة للدولة، بما في ذلك مصر (شركة التبغ الشرقية) ولبنان (الريجي).
وتجني الحكومات فعلا الكثير من الأموال، بحسب جورنال، وذلك على حساب حياة المواطنين الذين من المفترض أن توفر لهم الحماية والرعاية.
ووفقاً لأطلس التبغ السنوي للجمعية الأميركية للسرطان، الذي شمل البلدان الثمانية المدرجة في مؤشر تدخل الصناعة لمنظمة الصحة العالمية، يموت أكثر من 360 ألف شخص من الأمراض المرتبطة بالتبغ كل عام.
وفي زمن جائحة كورونا، اعتدنا قراءة أعداد القتلى المرتفع، وحتى الآن فقد أكثر من 5.7 مليون شخص حياتهم بسبب فايروس كورونا الذي ظهر في الصين في ديسمبر 2019.
واعتبر جورنال أن “الخطر الأكبر الذي نتجاهله هو جائحة التبغ والتي تحصد الملايين من الأرواح كل عام، والتطعيم الوحيد ضد هذه الجائحة هو التعليم وصياغة سياسات صحية لا تخضع للمساومة”.
وختم بالقول: إن “النتيجة هي رؤية هذا المشهد الفريد والمخزي للحكومات وهي تبذل قصارى جهدها لمحاربة جائحة كورونا من جانب، بينما تشجع من جانب آخر على انتشار جائحة التبغ الأكثر فتكا”.
– صحيفة العرب –
Discussion about this post