العالم الاقتصادي- رصد
كشف تقرير حديث عن أن حركة التجارة كانت هي المحرك الأساس لنمو الاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية، على الرغم من تباطؤ زخم خفض الحواجز التجارية خلال السنوات الأخيرة.
وفي حين أن حواجز التعريفات الجمركية على التجارة في آسيا منخفضة بشكل عام، يشير مقياس جديد للحواجز غير الجمركية إلى أن تلك الحواجز لا تزال مرتفعة في العديد من الأسواق الناشئة الآسيوية والاقتصادات النامية.
وعلى عكس التعريفات، تشمل هذه الحواجز السياسات التي تقدم احتكاكات مثل متطلبات الترخيص أو القيود على التجارة أو المدفوعات أو تبادل العملات الأجنبية.
ووفقاً لبحث حديث أجراه صندوق النقد الدولي ضمن تقرير التوقعات الاقتصادية الإقليمية لمنطقة آسيا والمحيط الهادئ، فإنه يمكن أن يؤدي تخفيف الحواجز غير الجمركية إلى تعزيز الناتج المحلي الإجمالي بنحو 1.6 في المئة، مما يعني إزالة 25 في المئة من حزمة المشكلات التي تواجهها الاقتصادات الآسيوية.
وتكتسب النتائج أهمية إضافية بالنظر إلى أن توقعات صندوق النقد الدولي تشير إلى أن إجمالي الناتج المحلي عام 2024 سيكون أقل بنسبة ستة في المئة من اتجاه ما قبل الأزمة في الاقتصادات الآسيوية الناشئة والنامية، أي ما يعادل خسائر تبلغ حوالى تريليون دولار سنوياً.
محرك النمو التقليدي يتباطأ
ومن أجل فهم أفضل، فمن المفيد النظر في تاريخ المنطقة للنشاط عبر الحدود، فقد رافق النمو القوي للناتج المحلي الإجمالي في آسيا على مدى عقود ارتفاع مطرد في مقاييس الانفتاح التجاري، مثل حصة تجارة السلع والخدمات في الناتج المحلي الإجمالي ومشاركة أكبر في سلاسل القيمة العالمية، ومع ذلك توقف هذا الانفتاح خلال السنوات الأخيرة، مما يشير إلى أن محرك النمو التقليدي في آسيا كان يتباطأ حتى قبل الجائحة.
وتزامن ذلك مع إصلاحات أبطأ، إذ انخفض متوسط التعريفات الجمركية في آسيا انخفاضاً حاداً من أكثر من 50 في المئة في السبعينيات إلى أرقام أحادية الرقم في أوائل القرن الـ 21، مما يترك مجالاً ضئيلاً للتحسين، لكن الرسوم ليست القصة الكاملة، فلطالما كان يُنظر إلى الحواجز غير الجمركية على أنها عائق كبير أمام التجارة، على الرغم من أن التحليل الملموس كان يمثل تحدياً بسبب قيود البيانات.
وللتغلب على هذا القيد تجمع ورقة العمل المقبلة لصندوق النقد الدولي مقياساً شاملاً للقيود التجارية لـ 159 اقتصاداً يعود تاريخه إلى عام 1949، ويستخدم هذا المؤشر بيانات مفصلة عن الحواجز التجارية في التقرير السنوي لصندوق النقد عن ترتيبات الصرف وقيود الصرف، وهذا يلتقط العديد من العقبات مثل متطلبات الترخيص أو حواجز التوثيق لتحرير العملات الأجنبية.
ويوضح المؤشر أنه على عكس الانخفاض الكبير في التعريفات خلال نصف القرن الماضي، انخفضت الحواجز غير الجمركية بشكل أقل وظلت مرتفعة نسبياً، فقد انخفض المستوى في آسيا من حوالى 20 وهو أعلى مستوى خلال الستينيات إلى حوالى 15 بحلول عام 1995، لكنه لم يتغير منذ ذلك الحين.
خفض الحواجز غير الجمركية يوفر مكاسب اقتصادية
وكشف صندوق النقد الدولي أن هذه الدرجات تميل إلى أن تكون مرتفعة بشكل خاص بالنسبة للبلدان منخفضة الدخل، مثل نيبال وبنغلاديش وميانمار، على الرغم من أن الاقتصادات الناشئة الكبيرة مثل الصين والهند لديها أيضاً مجال للإصلاحات، كما أن متوسط القراءة بين اقتصادات الأسواق الناشئة والاقتصادات النامية في آسيا أعلى بكثير من نظيره في المناطق الأخرى.
ويشير التحليل التجريبي إلى أن خفض الحواجز غير الجمركية يوفر مكاسب اقتصادية كبيرة محتملة، إذ يمكن أن يساعد الخفض الكبير في هذا المقياس، على غرار إلغاء سريلانكا متطلبات تراخيص التصدير والتمويل والتوثيق في أوائل التسعينيات، في تعزيز الناتج المحلي الإجمالي بنحو واحد في المئة على المدى القصير، وزادت تلك المكاسب إلى نحو 1.6 في المئة بعد خمس سنوات.
ويذكر أن التحسينات تأتي من زيادة الاستثمار والإنتاجية، وليس بشكل مباشر من خلال زيادة صافي الصادرات، وهذا يسلط الضوء على كيفية حدوث التطورات من تحرير التجارة عبر قنوات متعددة تشمل الفوائد من التخصص ونقل التكنولوجيا وإعادة تخصيص الموارد لشركات أكثر إنتاجية.
ونظراً إلى أن التطعيمات تعزز التعافي من وباء كورونا، فيجب على صانعي السياسات إعطاء الأولوية للإصلاحات الاقتصادية لدعم النمو وتقليل ندوب الأزمة لا سيما في الاقتصادات الناشئة والنامية، ويمكن أن تشمل هذه السياسات التي تهدف إلى عكس الانتكاسة التي سببتها الجائحة إلى مستويات تعليم القوى العاملة والمهارات، وكذلك إصلاحات أسواق العمل والمنتجات.
كيف يمكن أن تخرج دول آسيا من الأزمة؟
وشدد صندوق النقد على ضرورة خفض حواجز السلع، إذ يتطلب عدد من الاقتصادات الآسيوية تراخيص الاستيراد والتصدير، أو تطلب وثائق موسعة للإفراج عن العملات الأجنبية أو تقيد استخدام العملات الأجنبية، ويمكن أن تؤدي إزالة هذه العوائق إلى تخفيف التأخيرات الإدارية وتقليل كلف المعاملات الدولية.
كما أوصى بضرورة الحد من قيود الخدمات، وهناك مجال كبير لتخفيف القيود على المعاملات بخلاف السلع المادية في مجالات مثل السفر والشحن والاستشارات والتحويلات الدولية، كما فعلت أستراليا في الثمانينيات.
ومن المرجح أن توفر مثل هذه الإصلاحات فائدة أكبر خلال السنوات المقبلة، إذ تنمو تجارة الخدمات بسرعة أكبر، في حين أن تقليل الحواجز التجارية يمكن أن يساعد في تعزيز الإنتاج على المدى المتوسط، إلا أنه يمكن أن تكون له عواقب توزيعية سلبية محتملة.
وتولد إعادة التخصيص المرتبطة بالإصلاحات رابحين وخاسرين، ويستفيد الميسورون بالفعل أكثر، لذلك فمن الضروري مرافقة الإصلاحات التجارية بسياسات لتخفيف الآثار على عدم المساواة، بما في ذلك الدعم المالي لبرامج إعادة التدريب الأكثر تضرراً لمساعدة العمال في العثور على وظائف جديدة.
ونظراً إلى أن الاقتصادات تواجه سنوات من الآثار المستمرة لجائحة كورونا التي تسببت في تراجع المؤشرات الاقتصادية كافة، فإن تبني الانفتاح التجاري المتجدد يعد وسيلة واعدة للاستكشاف، ويمثل التئام ندوب الجائحة أولوية، ويظهر بحث صندوق النقد الدولي أن تقليل الحواجز التجارية يمكن أن يشعل محرك النمو في آسيا.
– إندبندنت عربية-
Discussion about this post