العالم الاقتصادي- رصد
نقص في الطحين هنا وارتفاع شديد في أسعار القمح هناك، بدانة وسمنة في جانب ومجاعة في الجانب الآخر، عوامل دفعت منتدى دافوس الاقتصادي إلى إقرار إصلاح “النظم الغذائية” العالمية التي تضررت جراء جائحة كورونا وتغير المناخ.
واستضاف المنتدى الاقتصادي العالمي المعروف باسم منتدى دافوس والمنعقد في الفضاء الافتراضي هذه السنة، وزراء الزراعة والرؤساء والدبلوماسيين المكلفين بمكافحة الجوع في العالم.
وقال مدير برنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي إن “جائحة كورونا كشفت مواطن الضعف في نظام الإمداد الغذائي بالعالم مما جعل الزعماء أكثر وعيا بأن عدم إصلاحها قد يعني المجاعة والهجرة الجماعية”.
وإذا كانت الموازنة بين العرض والطلب معادلة معروفة، فقد زادها وباء كورونا تعقيدًا. وفي حين لا يحصل مليارا شخص على كفايتهم من الطعام أو يعانون من سوء التغذية، سيتعين على الكوكب إطعام ملياري شخص إضافيين في عام 2050 مع توقع أن يصل عدد سكان الأرض إلى 9.7 مليار حينها، مع التوقف في الوقت نفسه عن تدمير مواردها ومساحاتها الطبيعية.
وكان بيزلي قد قال عند توليه منصبه في برنامج الأغذية العالمي قبل أربع سنوات إن “هناك 80 مليون إنسان على شفا المجاعة، لكن هذا العدد زاد حتى قبل الجائحة إلى 135 مليونا بسبب تحديات مثل الحروب وتغير المناخ”.
وأضاف بيزلي أن “زعماء العالم بدأوا حاليا معالجة المشكلات ذات الصلة بالنظام الغذائي، لكن لا يزال هناك الكثير الذي يتعين فعله”.
وتابع “كان لدينا مئات الملايين من الأشخاص على شفا المجاعة، ولم تكن وسائل الإعلام تهتم بذلك، لكن الآن بدأ الناس يستيقظون ويتحركون”.
وأردف بيزلي قائلا إن” سلسلة الإمداد الغذائي لم تنكسر حيث يعيش أقل من 10 في المئة من سكان العالم في فقر مدقع مقارنة بنحو 95 في المئة قبل مئتي سنة، غير أن الوضع بحاجة إلى التحسن”.
وقال “إذا كنت تتصور أنك واجهت المتاعب للحصول على ورق المراحيض في نيويورك بسبب اضطراب سلسلة التوريد، فما بالك بما يحدث في تشاد أو النيجر أو مالي، أو أماكن من هذا القبيل”.
وأضاف بيزلي “إذا لم نتلق الدعم والتمويل اللذين نحتاج إليهما فستكون لديكم مجاعة جماعية وزعزعة لاستقرار دول، وستكون لديكم هجرة جماعية، وستكون تكلفة ذلك أبهظ (من التكلفة الحالية بـ) ألف مرة”، مردفا أنه سيكون هناك المزيد من الأحداث على غرار كوفيد – 19.
غير أن إنتاج الغذاء مسؤول عن ربع انبعاثات غازات الاحتباس الحراري وعن قسم كبير من إزالة الغابات وفقدان التنوع البيولوجي، إضافة إلى أن 30 في المئة من الإنتاج الغذائي يُفقد أو يُهدر، حتى بلغ الوضع حدًا لا يطاق، في حين اضطربت سلاسل التوريد اللوجستية بسبب الوباء مع إغلاق الموانئ والمسالخ والمصانع أو الحدود وتباطؤ حركة المزارعين.
وقال رئيس الوزراء الهولندي مارك روته للمنتدى إن “دوافع التغيير ملحة”، مضيفا “لا نقوم بما يكفي بخصوص هذه القضية، لكني أعدكم بأننا سنبذل المزيد”. وأشار إلى أنه ستكون هناك فرصة كبيرة لخلق وظائف مع معالجة تهديدات كورونا وتغير المناخ وانهيار التنوع البيئي.
ودعا روته إلى الابتكار واعتماد الزراعة الدقيقة باستخدام الأقمار الاصطناعية وبنوك البيانات خلال مائدة مستديرة قال فيها إن قمة الأمم المتحدة المقرر عقدها في سبتمبر حول هذا الموضوع ستشكل “نقطة تحول”.
وذكر أن هولندا ستتولى تسجيل جميع الابتكارات المحلية التي ستسهل الشراكات مع القطاع الخاص.
ونبه ديفيد بيسلي، رئيس برنامج الأغذية العالمي المسؤول عن المساعدات الإنسانية العاجلة والحاصل على جائزة نوبل، إلى أن “التقنيات المستخدمة في جبال سوريا أو أفغانستان لن تنجح بالضرورة في النيجر أو مالي أو بوركينا فاسو”.
ورغم تأييده زيادة الاستثمارات الخاصة حث شركات إنتاج الأغذية الزراعية العملاقة على تقديم مساعدات ومشاركة تقنياتها مع صغار الفلاحين دون تشريدهم من أراضيهم أو رفضهم عندما يسعون للهجرة.
وقالت أمينة محمد، مساعدة الأمين العام للأمم المتحدة، إن “أكثر من 600 مليون مزرعة في العالم تديرها أسر أو شعوب أصلية. وفي الوقت نفسه يسيطر 1 في المئة من المزارع على أكثر من 70 في المئة من الأراضي الزراعية المتاحة”.
وأضافت أن أحد التحديات المطروحة هو “تغيير نماذج” استغلال الأراضي الزراعية، في ما وصفه أوليفييه دي شاتر، المقرر السابق للأمم المتحدة المعني بالحق في الغذاء، بأنه “معركة حضارية”. ويطالب الخبير بـ”إعادة توطين” الإنتاج الزراعي على المستوى المحلي.
وتساءل دي شاتر “لدينا نظامان رئيسيان، الزراعة الحديثة والزراعة الفلاحية، هل ستلتقيان أم ستلغي إحداهما الأخرى؟”، خلال “اجتماعات الغذاء المستدام” التي نظمتها في الوقت نفسه في باريس مؤسسة دانيال ونينا كاراسو.
وحذر بيسلي من أنه إذا تركنا الأمور على حالها فـ”سوف نشهد مجاعات جماعية واضطرابات وهجرات جماعية”.
وبعيدًا عن القطاع الزراعي قدم جيفري لو مينفانغ، الرئيس التنفيذي لمجموعة الألبان الصينية الأولى تشاينا منغنيو دايري، مثالًا على الزراعة الكثيفة المعولمة، التي يضع الكمبيوتر نمذجاتها.
وقال: “نحن ننتج تسعة ملايين طن من المنتجات الزراعية كل عام (…)، ونعرف الوضع الصحي للأبقار ومقدار ما تأكل كل منها وتشرب، وكم تنتج”. وأضاف أن تحليل البيانات أدى إلى خفض حجم أعلاف الماشية بنسبة 25 في المئة.
وشدد ويبي دراجير، الرئيس التنفيذي لشركة رابوبنك، على الحاجة “الملحة” إلى “تحديد سعر” للكربون من أجل التمكن من تعويض الخدمات التي تقدمها الزراعة للمناخ أو دول مثل كوستاريكا الملتزمة بالحفاظ على التنوع الطبيعي.
وقال: إن “العالم بحاجة إلى نظام يسد الفجوة”، داعيا إلى إنشاء “بنك الكربون بشكل عاجل”.
– العرب-
Discussion about this post