بقلم: محمد النجم
يكتسب إطلاق مشروع الإصلاح الإداري أهمية خاصة في هذه المرحلة من عمر الأزمة الاقتصادية وما ولّدته من أزمات أخرى “عديدة”، نتيجة الحرب التي لا زالت تدور رحاها على الأرض السورية منذ أكثر من سبع سنوات.
وبعيداً عن تفاصيل المشروع وهو موضوع هذا العدد الخاص من مجلة “العالم الاقتصادي” لابد من القول: إن نجاح هذه الخطوة في مؤسسات الدولة السورية مرهون بجودة التعاطي “الجاد” و”الصادق” مع مفرداته ومراحل تنفيذه، واعتباره مشروعاً وطنياً يعني الجميع، كي نصل إلى الخواتيم المرجوة.
من بين أهداف هذا المشروع رفع مستوى الأداء الإداري في المؤسسات، ورفدها بالموارد البشرية المدربة والمؤهلة، وزيادة إنتاجيتها، والتخفيف من البيروقراطية التي تثقل كاهل الموظف والمواطن معاً، ومكافحة الفساد، ووقف الهدر أو التخفيف منه على أقل تقدير، ووضع الإنسان المناسب حيث يجب أن يكون، وهذا شي مهم لكن لماذا لم ننجح بتحقيق ذلك بالشكل المطلوب؟!.
ربما حققنا شيئاً من هذه الأهداف لكن بشكل نسبي بين مؤسسة وأخرى، وعبر اجتهادات إدارية فردية تميزت بها مؤسسة دون أخرى تبعاً لنوعية ومستوى الإدارة المتوفرة فيها من حيث “الكفاءة” و”النزاهة” و”القدرة على التطوير”، فضلاً عن عدم الاستقرار الوظيفي والإداري في كثير من المؤسسات لأسباب تتعلق بتسرب الخبرات وهجرتها أو عدم التوزيع الممنهج والمدروس للموارد البشرية المتوفرة، وعدم تحفيزها مادياً ومعنوياً، وربما محاصرتها والتضييق عليها و”تطفيشها” في أحيانٍ كثيرة، لتكون النتيجة أداء وإنتاج في حدوده الدنيا، إن لم يكن معدوماً وأقرب إلى البطالة المقنّعة، وهنا نحن بحاجة إلى قوننة لتلك الأهداف ورسم خطة ومسار لسكة تنفيذها، وفق أسس وضوابط مدروسة وموحدة تخضع لها المؤسسات كافة، ومن هنا تأتي أهمية مشروع الإصلاح الإداري لتذليل كل الصعوبات التي تعيق نهضة البلد وتقف حجر عثرة أمام تطوير المؤسسات.
ربما من أهم تلك الصعوبات “الفساد” بأشكاله العديدة، ولن تكون مهمة مشروع الإصلاح الإداري سهلة أبداً أمام هذا “الغول” الإداري الذي سيبذل كل ما بوسعه للحفاظ على مكتسباته المتراكمة، ومقاومة أي تغيير إيجابي حقيقي في حقل التطوير الإداري، لكن النجاح في كبح جماح هذه الظاهرة سيحقق إيرادات ضخمة جداً ستنتقل من جيوب هؤلاء “الغيلان” لتصب في خزينة الدولة لتنعكس إيجاباً على دورة الاقتصاد الوطني، وليشعر بها الموظف والمواطن على حدٍ سواء.
يمكننا أيضاً أن نشير بالبنان إلى “الهدر” الضخم جداً في موارد الخزينة العامة للدولة، نتيجة الفساد الإداري حيناً، وسوء الإدارة حيناً آخر، ولو أخذنا “بند” السيارات شراءً أو إصلاحاً، و”بند” الضمان الصحي “الوهمي” وأجرينا جردة حساب سنوية سنصل إلى أرقام مخيفة جداً تقدر بمئات مليارات الليرات السورية المهدورة بقصد وبدون قصد، ولو نجحنا في رتق الثقوب الكثيرة التي أنهكت واردات الدولة سنحقق الوفورات المالية اللازمة لإنعاش الاقتصاد السوري إلى حد كبير، بمعزل عن أي واردات أخرى.
في المحصلة يمكننا أن نجزم بأن نجاح مشروع الإصلاح الإداري بحاجة إلى تكامل الأدوار وليس تنازع الأدوار، وبحاجة إلى عقل جماعي يبتعد عن الشخصنة ويجنح إلى المأسسة، وتحت سقف القانون.
دعونا ننهي سطوة أفراد بعينهم على مقدرات البلد، سواء في حقل الصناعة أو التجارة…و..، والاتجاه نحو تأسيس شركات كبرى تسعى إلى نهضة حقيقية تعيد الطبقة الوسطى إلى الواجهة من جديد، كي تؤدي دورها المعتاد كرافعة مهمة للاقتصاد الوطني، لأن سبع سنوات من الحرب لم تبقِ باقية لهذه الطبقة، فضلاً عن نشوء طبقة طفيلية جديدة بفعل الثراء السريع الفاحش الذي حققته بطرق ملتوية وغير مشروعة، وبنفس الوقت لا تعرف كيف تحرّك رؤوس أموالها نحو الوجهة الصحيحة، وهذا بحد ذاته يشكل تحدياً جديداً في الأفق المنظور والبعيد..
فهل سيكون الإصلاح الإداري هو طريق الخلاص؟!
نرجو ذلك.
Discussion about this post