بقلم: أ.د. طارق عفاش
لاشك أن عام 2018 كان بداية التعافي الحقيقي للاقتصاد السوري بسبب تطورات نوعية أهمها الانتصارات المهمة للجيش العربي السوري في مواجهة الإرهاب على مختلف الجبهات، ولا سيما في الغوطة، واستعادة مناطق استراتيجية، اقترن ذلك بفشل العدوان الثلاثي على وطننا، وهناك الكثير من المؤشرات التي تدل على هذا التعافي، لاسيما تحسن سعر صرف الليرة السورية وتحسن القطاع الزراعي وعودة الإنتاج الى القطاع الصناعي وزيادة الإنتاج والتصدير.
وفي هذا السياق يتطلع الكثير من السوريين إلى أن تكون مشاركة القطاع الخاص في مشاريع التنمية وإعادة اللإعمار مشاركة جادة وفعالة، ومن الطبيعي أن نتساءل هنا: فيما إذا كان القطاع الخاص راغباً في هذه المشاركة، وهل هو قادر على تحمل مسؤولياته والمساهمة في النهوض بالاقتصاد السوري؟، الذي يعاني من صعوبات كثيرة أبرزها: تحديات إعادة الإعمار وارتفاع معدلات البطالة، والأجور المنخفضة واتساع دائرة الفقر والبيروقراطية والفساد، بالإضافة الى استحقاقات الوضع المتفجر في المنطقة نتيجة العدوان الصهيوني- الأمريكي على وطننا.
إن القراءة الواعية لتجربة سورية مع القطاع الخاص تسمح لنا بالقول: إن الربح السريع والسهل كان وما يزال الهدف الأبرز للقطاع الخاص، بحيث طغى على الأهداف والمسؤوليات الأخرى، بدءاً من تأمين زيادة متواصلة في النمو لاستيعاب اليد العاملة ورفع مستواها الفني والاجتماعي، وتأمين الاستثمارات اللازمة، والإنفاق على الأبحاث والتطوير لتحسين جودة المنتج وقدرته التنافسية في الأسواق العالمية، واستثمار متوازن للموارد الطبيعية، بما يضمن بيئة سليمة وتنمية مستدامة، بل إن العديد من فئات القطاع الخاص لازالت تعتمد على بيروقراطية الدولة، أو تتحالف معها للإبقاء على المكاسب التي حصلت عليها والأرباح الفاحشة التي راكمتها نتيجة للاحتكار والحماية والصفقات المشبوهة، ومن الواضح أن هذا القطاع لم يفرز بعد برجوازية لها مصالح عميقة داخل الوطن ونظرة شاملة الى عملية التنمية، وهذا يستوجب ضرورة إصلاح هذا القطاع وإعادة صياغته من جديد ليتمكن من تحمل مسؤولياته في عملية التنمية بجدارة واقتدار بما يتطلب عملية إصلاح أبرز خطواتها:
- إن الرأسمال لا يقتصر على رأسمال الفيزيائي من بنية تحتية ووسائل إنتاج؛ بل هناك أشكال أخرى هامة، في مقدمتها رأس المال البشري من خبرة وتقنية وإدارة وإبداع، ورأس مال اجتماعي قيمي من الأمانة والتعامل التجاري النزيه، واحترام أخلاق العمل والإخلاص له، وأن على هذا القطاع أن يولي أهمية خاصة لهذه الأشكال تحديداً، من خلال المساهمة في الإنفاق على الأبحاث والتطوير، وكما هو معروف فإن هذا الانفاق لايزال متدنياً في سورية، ما زال القطاع العام يتحمل أعباءه، بالرغم من أن هذا النوع من الإنفاق قد تحول في معظم دول العالم من القطاع العام إلى القطاع الخاص لأهميته في تحسين السلع والخدمات المنتجة، والمشاركة في إصدار التشريعات والضوابط الأخلاقية المالية والقانونية التي تسمح بتطوير أخلاقيات العمل ومكافحة الفساد والاحتكار.
- حرص هذا القطاع على التعاون بين مختلف أطرافه وعبر صيغ مختلفة بما فيه الاندماج، ليتمكن من تطوير موقعه وقواه في السوق العالمية.
- اعتماد التصدير هدفاً استراتيجياً لهذا القطاع والحرص على تطوير المهارات التسويقية والعملية الإنتاجية لكي يتمكن المنتج المحلي من منافسة نظيره الأجنبي وخاصة أن الإنتاج السوري قد بقي ولفترة طويلة متكلاً على الحماية والاحتكار.
- تطوير دور النقابات والغرف الصناعية والتجارية بحيث تتجاوز نشاطاتها الاعمال الروتينية مثل تصديق فواتير التصدير، وإعطاء شهادات المنِشأ، والاتصال بالأجهزة الحكومية للدفاع عن الحماية الجمركية القائمة أو زيادتها، والدفاع عن الامتيازات الضريبية وزيادتها إلى دور مبادر يقوم على طرح تصورات مستقبلية لتطوير القطاعات الإنتاجية، وتحديد العقبات التي تقف في سير التقدم واقتراح الحلول بالتحاور مع الجامعات ومراكز البحوث والأجهزة الحكومية.
- إدراك القطاع الخاص أن آليات السوق لوحدها، ومن خلال اليد الخفية لا تضمن تحقيق تنمية حقيقية متوازنة ومستدامة وأن تدخل الدولة في إدارة عملية التنمية مسألة أكثر من ضرورية.
وفي المحصلة النهائية لابد لنا من الإشارة الى أن عملية التنمية هي عملية معقدة متعددة الأطراف، وهي مسؤولية جماعية تحتم على الجميع من مختلف القطاعات العامة والخاصة والأهلية، المساهمة فيها على قدم المساواة من النشاط والعمل والبناء، والتأكيد أن الاعتماد على الذات والإمكانات المحلية هو القاعدة الحقيقية للتنمية.
Discussion about this post