العالم الاقتصادي – ندى عجيب
مع أواخر شهر حزيران من العام الحالي يكون “المشروع الوطني للإصلاح الإداري” أتم عامه الأول منذ ولادته علناً، وسط آمال وطموحات لدى الكثيرين بأن يكون سفينة الإنقاذ التي طالما انتظروها، لسحب المؤسسات والمشاريع الحكومية من قاع الترهل والفساد والبيروقراطية التي شلت معظم مفاصلها، وبالمقابل شكل إعلانه صدمة لآخرين خوفاً على مصالحهم وأموالهم التي لن تكون بمأمنٍ في حال تطبيق هذا المشروع.
ندوات ومحاضرات وورشات عمل وبرامج حملتها الأشهر الماضية لشرح مفاهيم المشروع الوطني للإصلاح الإداري، وكانت في معظمها بإشراف وزارة التنمية الإدارية القائمة بشكل مباشر على تنفيذ المشروع، بالتعاون مع كافة الوزارات والمؤسسات الأخرى، وما تم تسريبه من أخبار حول إعفاء مدراء ومسؤولين وتعديل قوانين وتشريعات ضمن إطار المشروع يوحي بشكل أو بآخر بجدية الجهات القيادية على أعلى المستويات في المضي قُدماً على تطبيق المشروع وتحقيق الغاية منه، ولكن يبقى السؤال في العام الأول من ولادة المشروع.. هل يسير التطبيق في الاتجاه الصحيح؟؟.
هل الحكومة قادرة على تطبيق المشروع؟
عدد من المحاضرين من دكاترة ومختصين رأوا لدى حديثهم لـ “العالم الاقتصادي” أن الصعوبة في تنفيذ المشروع تكمن بأن أدوات الحكومة هي المشرفة على تطبيقه، وبالتالي هل ستكون الحكومة التي تعاني من كل هذه الترهلات والصعوبات قادرة على إصلاح نفسها!! خاصة أن الهدف الأساسي للمشروع خلق منهجية واحدة لكل الوزارات، موضحين أنه من الأفضل وجود هيئة مستقلة عن الوزارات تكون مطلعة بشكل دقيق على أوضاع الوزارات، وهي من يشرف على تطبيق المشروع، وستكون أكثر قدرة على محاربة الفساد الإداري، كونها من خارج المحيط الخاص بهذه القطاعات.
مدير المركز الوطني للأبحاث واستطلاع الرأي الدكتور وضاح الخطيب أوضح لـ “العالم الاقتصادي” أن إشارة السيد الرئيس بشار الأسد إلى موضوع التجاوزات في الجهاز الإداري، وإلى الإعلام أثناء خطابه عند إطلاق المشروع يبين أن الوقت قد نضج في عمر الأزمة السورية لرؤية مرحلة قادمة أسستها التحولات الواقعة على الأرض والتحولات في السياسة الخارجية، لاسيما أن العاصمة دمشق الآن ارتاحت أمنياً أكثر مما مضى، إضافة إلى وجود رؤية واضحة للمستقبل القريب، كل ذلك يحتم ضرورة البدء بمشروع الإصلاح الإداري.
وأشار الخطيب إلى أن الفساد ليس فقط تلقي الرشوة؛ فأحياناً يكون سوء الإدارة أو عدم القيام بالعمل المطلوب، أو عدم متابعة صلاحيات الوزير أو المدير في قطاع معين هو شكل من أشكال الفساد، لافتاً إلى أن مشروع الإصلاح الإداري مرتبط بقاعدتين أساسيتين في الإدارة القاعدة؛ الأولى تقول إنك لا تستطيع إدارة ما لا تستطيع قياسه، فهناك معايير مهمة جداً في الإدارة يجب قياسها، وهذه المعايير تخضع لما يطلق عليه قبولية القياس؛ فالمعايير الكمية سهل الحصول عليها، أما المعطيات النوعية هي التي لا يستطيع أي وزير أو مدير أن يقيسها في أي مؤسسة، بسبب عدم توفر أي أدوات حقيقية لقياسها، وهنا أشار الخطيب إلى ما جاء في خطاب المشروع عن هذا الموضوع بالتحديد، وهو كيف يمكن قياس رضا المواطن وقياس رضا الموظف.
ويتساءل البعض كيف يمكن اليوم قياس رضا الموظف؟ هل هناك أدوات في الإدارة لمثل هذا القياس؟ قد يكون دور مديرية الإحصاء والتخطيط في كل وزارة ينصب في هذا المجال، حيث تستطيع أن تقدم بعض الإحصاءات والبيانات الرقمية عن ذلك دون أي تحليل، لكن الخطيب يرى أن الاستمرار في استخدام نفس الأدوات القديمة لا يمكن أن يعطي نتائج جديدة، وبالتالي بمجرد إصدار قوانين وتشريعات على النمط القائم في العقد الماضي هو لم يعد مقبولاً، إذاً نحن بحاجة لأدوات جديدة في الإدارة والقياس.
من جهة أخرى بالنظر إلى بعض الهياكل التنظيمية لعدد من الوزارات نجدها مشابهة لهياكل عالمية، ومطابقة للمعايير الدولية ولكن ما ليس مطابق هو الأنظمة الداخلية وآلية تنفيذها حسب الخطيب الذي جدد تأكيده على ضرورة وجود أدوات جديدة لتطبيق مشروع الإصلاح الإداري، والتي تتمثل بالمقاييس التي ذكرها خطاب السيد الرئيس بشار الأسد //مركز القياس والدعم الإداري ومرصد الأداء الإداري//.
كيف يرى الإعلام العام الأول من تنفيذ المشروع؟
بتعمق أكثر في المشروع يظهر الإعلام أيضاً كوسيلة قياس ورصد جديدة ضمن الإصلاح الإداري، وهو ما يتوضح من خلال الآراء المختلفة التي ذكرها عدد من الإعلاميين على صفحاتهم على مواقع التواصل الاجتماعي أو على مواقعهم؛ فمنهم من تطرق إلى أهمية المشروع ومكامن تطبيقه، ومنهم من انتقد الجهة المنفذة للمشروع والمتمثلة بوزارة التنمية الإدارية كرئيس تحرير موقع “سيريانديز” أيمن قحف الذي رأى أن اللوحات الإعلانية المترفة والمكلفة التي وزعتها وزارة التنمية الإدارية للترويج لمشروع الإصلاح الإداري تعمل على تغطية ضعفها في تطبيق المشروع.
وانتقد القحف عدم وجود خبراء ومختصين بعلم الإدارة وسياسات الإصلاح الإداري في وزارة التنمية، مبيناً أن المواطن البسيط لا علاقة له بالتخطيط وإنما بالتنفيذ مضيفاً: “الوزير عادة هو أعلى منصب تنفيذي وهو صاحب الصلاحيات المطلقة في وزارته، فكيف سيمارس صلاحياته إذا كانت تبعية نصف وزارته لجهات أخرى؟!! فمثلاً مديرية الرقابة الداخلية تتبع للهيئة المركزية للرقابة والتفتيش، ومحاسب الإدارة يتبع لوزير المالية ومدير التخطيط يتبع لهيئة التخطيط والتعاون الدولي، ومكتب الآليات يتبع لرئاسة مجلس الوزراء، كما أن مديرية التنمية الإدارية تتبع لوزارة التنمية الادارية، وستلحقها مديريات الشؤون الإدارية والمعلوماتية وشؤون العاملين”.
وعبر القحف عن خوفه على المشروع من حامله المتمثل بوزارة التنمية الإدارية مضيفاً://وزارة التنمية الإدارية تنوي التهام جسم الوزارات القائمة، وهي ستقوم بتقييم وتقويم عمل الجميع وليس هناك من يقيمها أو يقومها أو يحاسبها!! ونحن نرى مشروع الإصلاح الإداري هو سياسات عليا يضعها كما ذكرنا خبراء بعقول باردة وتنفذها الوزارات والإدارات التنفيذية، ولا حاجة أصلاً لتخصيص وزارة معينة وإن كان لابد فربما من الأفضل أن تكون هيئة مرتبطة برئيس مجلس الوزراء//.
وتابعك “في ظل الوضع الراهن باعتقادي وتجنباً لـ”الشطط” في جني مكاسب تنفيذية باسم المشروع لابد من وجود لجنة توجيهية له برئاسة رئيس مجلس الوزراء وعضوية ممثلين عن الحكومة ومجلس الشعب والجهات الرقابية والأكاديمية، كي تدرس كل اقتراح تنفيذي وتقرر مدى توافقه وجدواه في خدمة المشروع، وهكذا نحمي مشروع السيد الرئيس وندفعه للأمام..“.
الترفع الوظيفي مشكلة أساسية
ترى الصحفية إيناس سفان في حديثها لـ “العالم الاقتصادي” أن من أساسيات مشروع الإصلاح الإداري الفكرة القائمة على وضع الرجل المناسب في المكان المناسب للإدارة، وهو ما يؤدي إلى أن الترفيع الوظيفي المتبع في المؤسسات الحكومية سيشكل صعوبة أمام القائمين على تنفيذ المشروع، كون الوزارات والمؤسسات ممتلئة بالمديرين ورؤساء الأقسام والدوائر الذين وصلوا لهذه المناصب، إما بحكم القدم الوظيفي أو بحكم الواسطة والمحسوبيات، دون أن يكون لهم أي خبرة في مجال الإدارة والعمل ضمن الفريق، ولذلك توضح سفان ضرورة أن يلحظ القائمون على المشروع مدى توفر الخبرة والخضوع لدورات لدى الأشخاص المتوقع تسليمهم مواقع إدارية إلى جانب التحصيل العلمي.
ولا تخفي سفان أملها وتفاؤلها بأن المشروع سيحد من المحسوبيات والفساد الإداري خاصة عند تحديد مدة بقاء المدير في موقعه، وألا يُترك الأمر كما كان في السابق حيث يوجد مدراء بقوا في مراكزهم ما يقارب 20 سنة، مشيرة إلى أن المدير يعتبر قائد فريق، ويجب أن يملك مبادرات واقتراحات لتطوير مديريته وألا يحد العمل وتطويره بحجة الالتزام بالقوانين في الظروف الطارئة، كما حدث خلال سنوات الحرب لأن الأحداث الاستثنائية تحتاج لمعالجات استثنائية.
الشعارات تفرغ المشروع من مضمونه
مع إشارتها لنقطة مختلفة في موضوع تنفيذ الإصلاح الإداري والمتمثلة بالمحاسبة الدورية والمنتظمة للإدارات تبيّن الصحفية رحاب علي لـ “العالم الاقتصادي” أن الشعارات المبالغ بها تفرغ أي مشروع من مضمونه، وأن العام الذي مضى من البدء بالمشروع لم يشمل سوى إطلاق الإعلانات والشعارات والندوات للمختصين دون أن تتطرق للمواطن لتوضيح فكرة المشروع له، فإلى الآن الكثير من المواطنين لا يعلمون ما المقصود بمشروع الإصلاح الإداري. وترى علي أن البطالة المقنعة المنتشرة بمؤسسات الدولة من الضروري التوجه إليها وتوعيتها تجاه المشروع وآليته، كي لا تكون نتائج تطبيقه صدمة لها، كونه يشمل كل ماله علاقة بإصلاح الترهل الإداري.
دور الإعلام وهيئة الرقابة والتفتيش
من جهة أخرى اعتبرت الصحفية بشرى برهوم أن دور الإعلام لم يبرز في المشروع، رغم أنه يتحمل إلى جانب الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش دور هام في تطبيقه، ولا يجب أن ينحصر التنفيذ والإشراف بوزارة التنمية الإدارية، لأن الاعلام والرقابة والتفتيش وسيلتان ضروريتان للقياس والمحاسبة، وهما أهم بنود تنفيذ المشروع.
كما لفتت برهوم إلى الأمر المتعلق بسن تشريعات جديدة تتناسب مع الرؤية المستقبلية لتنفيذ مشروع الإصلاح الإداري، كونه يتطلب تشريعات تدعمه أثناء تنفيذ محاوره، وتشريعات أخرى تكون كنتائج لتطبيقه، وهو أمر متفرع ويحتاج لوقت كثير، لاسيما في ظل وجود تشريعات وقوانين عديدة معرقلة للإصلاح الإداري، ولطبيعة العلاقة بين المواطن والموظف ومتطلبات العمل.
وبذلك ورغم كل الآراء يبدو أن المشروع بدأ بخطواته الأولى وفي لقاء مجلة “العالم الاقتصادي” مع وزيرة التنمية الإدارية العدد الفائت تتوضح الكثير من التفاصيل التي تم إنجازها في العام الأول من ولادة المشروع ولسنا بصدد ذكرها الآن، كون الوزيرة تحدثت عنها بالتفصيل، بالإضافة إلى عدد من المسؤولين الذين التقتهم “العالم الاقتصادي” في عددها الحالي حيث أوضحوا الكثير من جوانب العمل المنجز خلال العام الفائت، ولكن ذلك لا يمنعنا من التذكير بأهم محاور المشروع الذي يحتاج عدة سنوات ليلمس المواطن والموظف أثره بشكل مباشر.
وللتذكير فإن المشروع يعتمد على محاور عدة أولها خلق منهجية واحدة ومتجانسة لكل الوزارات، عبر مركز يسمى مركز القياس والدعم الإداري يقوم بوضع الهيكليات والتوصيف الوظيفي، وإيجاد آليات لقياس الأداء والأنظمة الداخلية للمؤسسات وقياس الإجراءات بين المواطن والمؤسسات أو داخل المؤسسات أو فيما بينها وقياس رضا المواطن والموظف ومكافحة الفساد.
ويشمل أيضاً مرصد الأداء الإداري وهو بنية إلكترونية بالدرجة الأولى، وأحد أهم مهامها متابعة تطبيق المؤسسات للمعايير التي ستوضع من قبل المركز، بما يسمح في النهاية بتقييم وضع كل مؤسسة والتمييز ما بين مؤسسة وأخرى وفق تطور أدائها.
ويتضمن مركز خدمة الكوادر البشرية ومهمته وضع خارطة للموارد البشرية الموجودة بشكل تفصيلي ودقيق وخارطة للشواغر، وربط الخارطتين مع بعضهما البعض من خلال التوصيف الوظيفي، وبالتالي ستكون سياسة التوظيف الحكومي واضحة وممنهجة ومعتمدة على الخارطتين معاً، لملء الشواغر المتوافرة بالكفاءات والمهارات المناسبة، كما أن المركز سيؤمن التدريب الالكتروني لرفع مستوى الأداء.
ويشمل المشروع تأسيس موقع إلكتروني بهدف التواصل مع المواطنين، وتلقي مقترحاتهم وشكاويهم أو تقييمهم لمؤسسة ما، لتكون العملية بذلك أكثر شمولية، ويشارك فيها الجميع، بدلاً من أن تكون مرتبطة فقط بالوزارات أو بمؤسساتها.
Discussion about this post