بقلم: أ.د. عبد الله المجيدل
يرجع أصل كلمة استراتيجية (Strategy) إلى الكلمة اليونانية استراتيجوس (Strategos)، وتعني فنون الحرب وإدارة المعارك، ويعرف قاموس ويبستر (Webster) الاستراتيجية على أنها: “علم تخطيط وتوجيه العمليات العسكرية”، أما قاموس المورد فيعرفها على أنها: “علم أو فن الحرب أو وضع الخطط وإدارة المعركة الحربية”، ويتفق معها قاموس أكسفورد (Oxford) فيوضح معناها “على أنها أساس الفن المستخدم في تعبئة وتحريك المعدات الحربية ليمكّن من السيطرة على الموقف والعدد بصورة شاملة”.
وتعرّف الاستراتيجية بأنها: ” تحديد الأهداف بعيدة المدى للمنظمة، وتبنّي وسائل وطرق عمل معينة، وتخصيص الموارد الضرورية اللازمة لتحقيق هذه الأهداف”، أي أنها الوسائل المستخدمة في تحقيق الأهداف، التي تربط جميع أجزاء المنظمة وتغطي مجالاتها كافة، وتحقق التكامل بين جميع مكوناتها.
أما الإدارة الاستراتيجية، كمصطلح ومفهوم، ليست جديدة، فأول استخدام شمولي لها في المجال الإداري كان في السبعينيات من القرن المنصرم، وكان المقصود بهذا المفهوم، قيام كادر من المخططين الاستراتيجيين، بشكل أو بآخر بالخروج ببرامج استراتيجية، ومن ثم محاولة ترويجها لدى صناع القرار، وفي عقد التسعينيات، اختلفت فكرة التخطيط الاستراتيجي والإدارة الاستراتيجية اختلافاً كبيراً، إذ إن تعريفPfeiffer, Nolan, Goodstein للتخطيط الاستراتيجي يأخذنا بعيداً عن فكرة كونه مجرد وظيفة من الوظائف العامة التي تقوم بها الكوادر العاملة، بل إنه يركز أكثر عن كونه عملية تقتضي من القادة الكبار للمنظمة، أن يحددوا الاتجاه الاستراتيجي لها، وأضحت دراسة الإدارة الاستراتيجية، في عصرنا الحاضر، من الدراسات المتقدمة في مجال إدارة المؤسسة، وهذا يتطلب خلفية نظرية متكاملة وشاملة، عن مبادئ الإدارة ووظائفها، وأسس المنظمات وأنشطتها، فالإدارة الاستراتيجية ما هي إلا تصور الرؤى المستقبلية للمنظمة، ومن ثم رسم رسالتها وتحديد غاياتها المستقبلية، وتحديد أبعاد العلاقات بينها وبين بيئتها، وذلك بهدف اتخاذ القرارات الاستراتيجية المؤثرة في المدى البعيد ومراجعتها وتقويمها.
وتعدّ الإدارة الاستراتيجية قمة الهرم الإداري في الفكر والتطبيق، وهي رحلة شائقة وممتعة تمر بمراحل ومحطات، ترتبط كل واحدة منها بالأخرى، إلى أن تنتهي الرحلة في النهاية وقد تم تحقيق الفوز، وتحقيق الهدف المطلوب، وتمر الإدارة الاستراتيجية بثلاث مراحل متتالية تشكل في جملتها عملية ذات خمس خصائص أساسية وهي:
- لا يمكن البدء في مرحلة إلا قبل الانتهاء من المرحلة السابقة لها.
- جودة كل مرحلة تتوقف على جودة المرحلة السابقة لها.
- مراحل الإدارة الاستراتيجية متداخلة ومتكاملة، فالتغيير الذي يحدث في أي منها يؤثر في المراحل الأخرى، سواء السابقة أو اللاحقة لها.
- إن الإدارة الاستراتيجية عملية مستمرة، فعملية تقييم ورصد التغيرات في البيئة الداخلية والخارجية لا تتوقف، بل تتم على فترات دورية.
- لابد من وجود تدفق مستمر للمعلومات بواسطتها مراجعة مراحل هذه العملية وإجراء الخطوات التصحيحية في أي من مكوناتها
كما تعرّف الإدارة الاستراتيجية بأنها: “العملية التي تتضمن تصميم وتنفيذ وتقييم القرارات ذات الأثر طويل الأجل، والتي تهدف إلى زيادة قيمة المنظمة من وجهة نظر العملاء المساهمين والمجتمع ككل”.
وعرفها بعض الباحثين بأنها” فن وعلم تشكيل وتنفيذ وتقييم القرارات الوظيفية المتداخلة التي تمكن المنظمة من تحقيق أهدافها”.
ويتضح من هذا التعريف أن الإدارة الاستراتيجية تركز على تحقيق التكامل بين وظائف الإدارة، والتمويل، والإنتاج والبحوث، والتطوير والتكنولوجيا بغرض تحقيق نجاح المؤسسة التربوية.
وعرفها آخرون بأنها “عملية مستمرة غير منتهية تهدف إلى الحفاظ على المؤسسة ككل على نحو ملائم، من أجل تعزيز قدرتها على التعامل مع المتغيرات البيئية المحيطة”.
ويتطرق هذا التعريف إلى جانب مهم للإدارة وهو الرقابة والمتابعة والتطوير المستمر الذي يأتي نتاجاً لعمليات التقويم، وفقاً لرؤية واضحة وقدرة فائقة للإدارة العليا على التكيف مع متغيرات البيئة المحيطة، وهذا يعطي إشارة واضحة إلى أن هناك تشابهاً كبيراً بين مفهومي التخطيط الاستراتيجي والإدارة الاستراتيجية فيما يتعلق بالمحتوى؛ إذ إن كلاهما يشتمل على إعداد الاستراتيجية وتطبيقها وتقييمها، ولكن الاختلاف في تباين الاستخدام لكل من المفهومين بين المؤسسات.
يُلاحظ من التعريفات السابقة، بأنه لا توجد فروق جوهرية بين مختلف التعريفات المذكورة، فجميعها تتمحور حول القرارات والتصرفات والسلوكيات التي تنتهجها الإدارة العليا، والتوجهات الاستراتيجية لتحقيق أهداف المؤسسة، بمعنى أن الإدارة الاستراتيجية مفهوم يقصد به التوجهات والسلوكات التي تصدر عن الإدارة، ويعدّ التخطيط الاستراتيجي ترجمة لتلك التوجهات والسلوكيات عند التنفيذ والممارسة للخطة الاستراتيجية في مجال التطوير والإبداع لعمل المؤسسة.
وفي ضوء التعريفات الواردة يمكن استخلاص العناصر التالية لتعريف مجال الإدارة الاستراتيجية وهي: مجال من مجالات الدراسة في علم الإدارة، يختص هذا المجال باتخاذ مجموعة من القرارات والتصرفات الرئيسية ذات التأثير الجوهري على مستقبل المنشأة في الأجل الطويل.
تتعلق هذه القرارات والتصرفات بتكوين (أو إعداد)، وتنفيذ (أو تطبيق)، وتقويم (أو رقابة) الاستراتيجيات اللازمة لإنجاز أهداف المؤسسة.
يتحدد الفرق بين الإدارة الاستراتيجية والتخطيط الاستراتيجي، في ضوء معرفة مكونات عملية الإدارة الاستراتيجية، فالإدارة الاستراتيجية تتكون من مرحلتين متميزتين ومترابطتين في الوقت ذاته وهما: مرحلة إعداد الاستراتيجية، ومرحلة تنفيذ الاستراتيجية، وخلال إعداد الاستراتيجية فإن فريق التخطيط الاستراتيجي يحاول الوصول إلى قرارات محددة بشأن التوجهات الاستراتيجية المستقبلية، ويستلزم ذلك منه المرور بمجموعة من المراحل الفرعية المتتابعة والتي تتضمن: تحديد رسالة المنظمة وأهدافها الرئيسة، والتحليل البيئي الداخلي والخارجي بغرض الوقوف على الفرص والتهديدات، ونواحي القوة والضعف، وتطوير البدائل الاستراتيجية، ثم تقييم هذه البدائل واختيار الأنسب في ضوء الإمكانات المتاحة، أما في خلال مرحلة تنفيذ الاستراتيجية فإن ذلك يتطلب تنظيماً يعمل على تطبيق الاستراتيجية وموارد بشرية، وقيادات إدارية قادرة على اتخاذ قرارات استراتيجية تتكيف مع كل الظروف مما يجسد الإدارة الاستراتيجية.
وهذا يعني أن التخطيط الاستراتيجي هو أحد مراحل الإدارة الاستراتيجية، والإدارة الاستراتيجية هي ثمرة تطور للتخطيط الاستراتيجي، وهذا الرأي يؤيد ما ذهب إليه بعض الباحثين، من أن التخطيط الاستراتيجي عنصر مهم من عناصر الإدارة الاستراتيجية، لكنه ليس الإدارة الاستراتيجية بعينها، وذلك لأن الإدارة الاستراتيجية تعني أيضاً إدارة التغيير التنظيمي، وإدارة الثقافة التنظيمية، وإدارة الموارد والبيئة أيضاً، كما أنه يذهب إلى أن الإدارة الاستراتيجية تهتم بالحاضر والمستقبل؛ إذ إنها نظرة داخلية للخارج، ونظرة تحليل لحاضر المؤسسة من منظور مستقبلي.
وفي ضوء ما سبق يمكن القول: أن الإدارة الاستراتيجية تنطوي على مجموعة من المهام الرئيسة منها:
- صياغة مهمة أو رسالة المنظمة التي تتضمن عبارات عامة تعكس غرضها الرئيسي وفلسفتها وأهدافها.
- تنمية صورة المنظمة والتي تظهر ظروفها وقدراتها ومواردها الداخلية.
- تقييم البيئة الخارجية للمنظمة بما تتضمنه من قوى ومتغيرات تسود بيئتها العامة.
- تحليل البدائل الاستراتيجية من خلال محاولة إحداث التوافق بين مواردها والظروف السائدة في البيئة الخارجية.
- اختيار مجموعة من الأهداف طويلة الأجل والاستراتيجيات العامة التي يمكن أن تساعد في تحقيق أكثر الفرص جاذبية.
- تحديد الأهداف السنوية والاستراتيجيات قصيرة الأجل التي تتسق مع الأهداف طويلة الأجل والاستراتيجيات العامة.
- تنفيذ الخيارات الاستراتيجية من خلال تخصيص الموارد مع مراعاة الأبعاد الخاصة بالمهام والأفراد.
- تقييم مدى نجاح العملية الاستراتيجية والاستفادة من المعلومات المتولدة في زيادة فعالية القرارات الاستراتيجية المستقبلية.
Discussion about this post