شهد الاقتصاد الألماني كساداً في الربع الثاني من العام الجاري، بعدما انكمش في الربعين السابقين. وتتوقع أبرز المؤسسات الاقتصادية أن ينكمش الاقتصاد بنسبة 0.2% إلى 0.4% خلال هذا العام بأكمله.
يأتي ذلك بعد أن كان الاقتصاد الألماني الأقوى في أوروبا، على مدار عقود، وقاطرة اقتصادات منطقة اليورو، معتمدا على كل من الصناعة والتجارة، لكن الظروف الدولية والانخراط الأوربي المنحاز إلى أوكرنيا في خربها مع روسيا، وذلك بشكل يعاكس مصالح دوله، أدى إلى حاد في كل من الزراعة والصناعة، بلا أفق واضح لاستعادة القوة، هذا إضافة إلى الصعوبات المرتبطة بسلاسل التوريد والاقتصاد العالمي الهش والتضخم المرتفع.
وقد أشارت العديد من وسائل الإعلام الألمانية أثناء تغطيتها لمعرض ميونخ الدولي السنوي للسيارات، إلى أن البساط بدأ ينسحب من تحت أقدام الألمان، فمعرض ميونخ هو أحد أكبر المعارض المتخصصة في العالم، والذي يقام في دولة تعد معقلا عتيدا لإنتاج سيارات مثل مرسيدس، وBMW وفولكسفاغن، وبورش وغيرها من العلامات التجارية ذات الأسماء الشهيرة.
حيث تبين أن شركات مثل تيسلا والشركات الصينية تهيمن على الأسواق الدولية على حساب الأوروبيين ، مع تراجع وهج “فخر الصناعة الألمانية”. حيث ظهر خلال يوم الصحافيين الاهتمام بشكل أكبر بالشركات الصينية عن نظيرتها الألمانية.
ووفقاً للأرقام بين الشركات العارضة، فإن 41% منها تتخذ مقراً لها في الصين. وهي تهدد الوضع المهيمن للمصنعين الأوروبيين في السوق الاستراتيجية للطرازات الكهربائية، في وقت أصبحت فيه التوقعات الاقتصادية قاتمة مع استمرار ازدياد نسب التضخم في أوروبا.
ولا يقتصر الأمر على آراء الصحافيين، إذ حذرت هيلدغارد مولر، رئيسة الاتحاد الألماني لصناعة السيارات، في تصريحات إعلامية، من خسارة ألمانيا مستقبلها كموقع صناعي للقطاع. وقالت إن المصنعين الألمان لن يخسروا السباق من أجل المستقبل، “لكن ألمانيا كموقع صناعي ستخسر بدون إصلاحات ضخمة”.
وأكدت مولر أن المشكلة الأساسية هي “أن ألمانيا كموقع تفقد قدرتها التنافسية الدولية بشكل كبير بسبب هيكل التكلفة”، مشيرة إلى أن ألمانيا بها أعلى تكاليف للطاقة، موضحة أن قطاع صناعة السيارات يرى من الضروري تحديد سعر خاص للكهرباء الصناعية على نحو مؤقت، وذلك للحيلولة دون هجرة صناعات مهمة مثل تكنولوجيا البطاريات أو أشباه الموصلات من ألمانيا أو عدم التوطن فيها من الأساس.
ونقلت مولر عن موردين متوسطين قولهم: “موضوع أسعار الطاقة أصبح ساماً بالنسبة لنا”، موضحة أن هذا لن يؤدي إلى عدم زيادة الاستثمارات في هذا البلد بعد الآن فحسب، “بل ستذهب إلى دول أوروبية أخرى أو إلى الولايات المتحدة”.
وبالتزامن مع المخاوف حول مستقبل الصناعة، تراجعت الصادرات الألمانية مجددا في تموز بعد انتعاش طفيف في حزيران، وفق ما أظهرت بيانات رسمية الاثنين، فيما يعاني أكبر اقتصاد في أوروبا من تباطؤ النشاط الصناعي.
وانخفضت الصادرات بنحو 0.9% في حزيران مقارنة بالشهر السابق، وفق الأرقام المعدلة الصادرة عن وكالة الإحصاءات الفدرالية “ديستاتيس”، وبلغ إجمالي الصادرات 130.4 مليار يورو (141 مليار دولار).
في حين ارتفعت الواردات بنحو 1.4% في يوليو مقارنة بشهر يونيو، ليبلغ مجموعها 114,5 مليار يورو، وتراجع الفائض التجاري الألماني بشكل طفيف إلى 15.9 مليار يورو.
وقال خبير الاقتصاد لدى مصرف “آي إن جي” كارستن برجسكي إن “التجارة لم تعد محرّك النمو القوي والقادر على الصمود في الاقتصاد الألماني كما كانت في السابق، بل تحوّلت إلى عامل إبطاء”.
Discussion about this post