كشفت تقارير اقتصادية دولية عن وجود نوايا حقيقية لدى ادارات كبرى شركات التكنولوجيا العالمية العاملة في الصين ، في ظل المشاكل المتعلقة باضطراب سلاسل التوريد التي تعود إلى وقت أزمة وباء كورونا، إضافة إلى .السياسات الأميركية والغربية التي تستهدف “فك الارتباط” مع الاقتصاد الصيني.
بحسب تقرير مفصل لمؤسسة “ستاندرد أند بورز” للتصنيف الائتماني فإن تلك المحاولات سيكون لها تأثير سلبي متوسط على التصنيف الائتماني لتك الشركات في فترة ما بين ثلاث وخمس سنوات المقبلة.
وتعمل كبرى الشركات في قطاع التكنولوجيا حالياً على تنويع مصادر سلاسل التوريد بعيداً عن الصين في مواجهة مخاطر جيوسياسية وتركز تلك المخاطر في ما يتعلق بالصين. ويخلص التقرير إلى أن تلك التوجهات عالية التكلفة على الشركات من شأنها إصابة عملياتها بالخلل كما أنه قد تكلف الشركات الكبرى سوقاً ضخمة مثل الصين. إلا أن نجاح ذلك التوجه سيزيد من مرونة عمل الشركات على المدى البعيد.
وفي النهاية، لن يكون تطوير مصادر سلاسل توريد جديدة بالأمر السهل، رغم توفر الموارد المالية والفنية لدى الشكات الكبرى للقيام بذلك. كما أن الكلفة ستكون عالية، بخاصة مع ما توفره المصانع الكبرى الراسخة في الصين من إنتاج واسع النطاق يخفض التكاليف نتيجة توفر الموارد والصناعات المساعدة في اقتصاد واحد كبير. إضافة إلى أن القيود التي تفرضها أميركا والغرب على الصادرات إلى الصين ستضاعف احتمال خسائر تلك الشركات للسوق الصينية في حال ابتعادها عنها في ما يتعلق بسلاسل التوريد.
حوافز ومعوقات
فضلاً عن أهمية تنويع الشركات الكبرى لسلاسل التوريد الخاصة بها لتكون عملياتها أكثر مرونة مما حدث في أزمة وباء كورونا هناك أيضاً حوافز بدأت توفرها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي واليابان لتشجيع الشركات على الابتعاد عن الصين وتوطين كل عملياتها بما فيها سلاسل التوريد في تلك البلاد.
من تلك الحوافز ما أعلنته الدول الغربية من حزم دعم لشركات التكنولوجيا في الآونة الأخيرة. إذ يتضمن قانون الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في الولايات توفير دعم لشركات التكنولوجيا بقيمة 52.7 مليار دولار. كذلك أقر الاتحاد الأوروبي في أبريل (نيسان) الماضي خطة بقيمة 43 مليار يورو (أكثر من 48 مليار دولار) لدعم إنتاج أشباه الموصلات ضمن قانون الرقائق الإلكترونية لدول منطقة اليورو. كما أعلنت الهند توفير 20 مليار دولار من الدعم لشركات التكنولوجيا. وأعلنت كل من تايوان وكوريا الجنوبية واليابان وغيرها عن حزم دعم لشركات التكنولوجيا
في الوقت نفسه تتوسع الولايات المتحدة والدول الغربية في العقوبات على الصين بما يضر بأعمال شركات التكنولوجيا بشكل خاص. فقد غرمت الولايات المتحدة الشهر الماضي شركة “سيغيت” التي تنتج الأقراص الصلبة لأجهزة الكمبيوتر 300 مليون دولار بسبب بيع الشركة أقراصاً صلبة بقيمة 1.1 مليار دولار لشركة “هواوي” الصينية في الفترة من 2020 إلى 2021. كما صوت مجلس النواب في الكونغرس الأميركي في مارس (آذار) الماضي على نزع صفة الدولة النامية عن الصين.
ومن العوامل الجيوسياسية ما أعلنته الولايات المتحدة في أكتوبر (تشرين الأول) 2022 عن تطبيق حضر تصدير على الرقائق الاليكترونية المتطورة إلى الصين. كما أعلن اليابان في مارس الماضي عن أن تصدير 23 نوعاً من تكنولوجيا الرقائق الإلكترونية إلى 23 بلداً من ضمنها الصين يحتاج إلى تصريح مسبق من السلطات. وردت الصين الشهر قبل الماضي على تلك الإجراءات ببدء تحقيق في منتجات شركة “ميكرون” على خلفية مخاطر أمن قومي.
الشركات الكبرى
في تفاصيل التقرير استعراض لجهود كل من الشركات الكبرى التي تخضع للتصنيف من قبل “ستاندرد أند بورز”، كيف يمكن أن يؤثر الابتعاد عن الصين في التصنيف الائتماني لكل شركة. ويشير التقرير بداية إلى أن أغلب تلك الشركات ستظل تحتفظ بقدر من أعمالها في الصين كضمان لعدم تعطل أعمالها في حال اضطراب خططها لتنويع مصادر سلاسل التوريد.
في مقدمة تلك الشركات أكبر شركة لإنتاج الرقائق الإلكترونية وأشباه الموصلات في العالم “تي أس أم سي” التايوانية، التي تستعد لبناء مصنع لها في أميركا بكلفة 40 مليار دولار مستفيدة من منح الدعم الحكومية الأميركية.
ومن المتوقع أن تكون الشركة التايوانية الأكثر سرعة في الابتعاد عن الصين. وإن كان ذلك سيكلفها على الأرجح خسارة قدر من مبيعاتها في بكين. لكن تركيزها على السوق المحلية في تايوان والتوسع في أسواق أميركا وأوروبا واليابان ربما يخفف من التأثير السلبي لذلك التنويع.
ثم هناك شركة “أبل” التي تتركز أغلب عمليات إنتاج أجهزة “آيفون” التابعة لها في الصين. ورغم أن الشركة بدأت بالفعل التوجه تحو تنويع سلاسل التوريد فإن اعتمادها على الصين سيظل كبيراً كما أنها ستحاول المحافظة على نصيبها من السوق الصينية في مبيعات إنتاجها من الأجهزة المختلفة.
أما الشركة التي ربما تكون أكثر تضرراً من جهود الابتعاد عن الصين، بحسب تقرير “ستاندرد أند بورز”، فهي شركة “سامسونغ” الكورية. ذلك أنها تعتمد على السوق الصينية في قدر كبير من مبيعاتها ومن شأن فقدان ثقة عملائها الصينيين في حال تنويع سلاسل التوريد خارج الصين أن يكلفها خسائر كبيرة.
ويذكر التقرير عدداً من شركات التكنولوجيا الكبرى الأخرى التي سيؤثر تحولها نحو تنويع مصادر سلاسل التوريد لعملياتها بعيداً عن الصين على تصنيفها الائتماني. وبغض النظر عن العوامل الجيوسياسية وسياسات الغرب تجاه الصين، فإن تلك الجهود من جانب الشركات ستستمر على الأقل لتفادي أي اختناقات .
Discussion about this post