بقلم: محمد النجم
كثيراً ما يحلو للاقتصاديين والخبراء وصف رأس المال بالجبان عندما يتعلق الأمر بالاستثمار وقت الحروب والأزمات؛ حيث يفضّل المستثمرون الاحتفاظ بـ”الكاش” أو النقد لمواجهة المخاطر المحتملة، أو الانتقال إلى بيئة استثمارية أكثر أمناً حفاظاً على استثماراتهم.
قد تكون هذه القاعدة صحيحة بعض الشيء، فالجبن صفة متأصلة فيمن يملكون المال.. لكن يمكن تعميم هذه القاعدة في ظل ما نشاهده ونسمع عنه من نجاحات رأس المال المخاطر، والمغامر، والشجاع.. وهناك نماذج محلية، وإقليمية، ودولية تعزز مقولة “شَجاعة رأس المال”، حتى وقت الأزمات التي يكون فيها الاستثمار ذا جدوى اقتصادية وريعية عالية ويتيح هامشاً أكبر للربح، مستندة بذلك إلى العديد من الحقائق التي تشكل قواعد رئيسية في هذا الموضوع.
على خلاف ما يعتقد البعض، فإن “الكاش” من العملة من أسوأ الأصول في وقت الحروب والأزمات، لذلك فادخار المال ليس بالخيار الصائب بسبب الخشية من انخفاض قيمة العملة، وبالتالي ضعف القوة الشرائية، ما يجعل أصحاب رأس المال عرضة للخسائر.
هل الحل إذن في شراء وتخزين الذهب أو العملة الصعبة؟ الذهب كان وما زال مصدراً للثراء وحفظ الثروة، لكنه ليس الاستثمار الأمثل في أوقات الحروب والأزمات، ففي حالة الحاجة إلى سيولة، ستضطر إلى بيع الذهب أو مبادلته ببعض الخدمات والسلع التي قد تكون أقل ثمناً منه، إضافة إلى أن ثمن تخزين وحفظ ونقل الذهب مكلف، وقد يكون عرضة للسرقة أو التزوير، وكذلك الأمر بالنسبة للعملة الصعبة.
الحل إذاً في الاستثمار، حتى في أوقات الأزمات، ولنتذكر أن الكثير من الشركات العملاقة اليوم بدأت وقت الأزمات وعملت على مبدأ “أبيع عندما يشتري الآخرون وأشتري عندما يبيعون”، وخير مثال على ذلك مشروع ” الواتس أب” الذي بدأ عام 2009 أي في ظل الأزمة الاقتصادية الأمريكية، وبدأ بمبلغ 8 ملايين دولار وقد بيع “واتس اب” بمبلغ 19 مليار دولار في عام 2014.
ما نريد الوصول إليه أن الاقتصاد السوري متنوع، فهو اقتصاد زراعي صناعي سياحي خدماتي، وسورية في منطقة من الكرة الأرضية تربط الشمال بالجنوب، وآسيا بأوروبا، ومن هذا الواقع يبدو الاستثمار في كثير من قطاعات هذا الاقتصاد ذو ريعية عالية، ويفتح شهية المستثمرين حتى وقت الأزمة، فهذه الأخيرة سيأتي يوم وتنتهي، وسيأتي بعدها قطاف الثمار.
لنبدأ من الآن ولننظر لاقتصادنا الوطني وللقطاعات التي يمكن التعويل عليها، علينا في المقام الأول تحدي الظروف، وعدم الوقوف في محطة انتظار من قد يأتي أو لا يأتي، ومهم في هذه العجالة التركيز على المستثمر المحلي، وخاصة الذي يهتم بالمشروعات الصغيرة والمتوسطة والمتناهية الصغر، فإذا لم نهتم بهذه المشروعات فلن نتمكن من إنجاز الاستثمارات الكبرى، وبالتالي مطلوب من المستثمر المحلي العودة برأس ماله إلى أرض الوطن والاستثمار فيه، فالجميع شركاء في بنائه، وهو يتسع للجميع، والأوطان لا تبنى إلا بعقول وزنود أبنائها.
لنتذكر دائماً أن للوطن دين في رقابنا جميعاً، وجاء اليوم موعد قضاء هذا الدين ورد الجميل، والمستثمر المحلي معني بالمقام الأول ومطالب بالعودة برأس ماله للوطن والاستثمار فيه ولنتذكر المقولة الشهيرة “لا يبقى في الوادي غير حجارته”
Discussion about this post