بقلم د. وائل عفاش
يبلغ عدد سكان الصين تقريباً 1.4 مليار نسمة وهو أعلى أربع مرات من عدد سكان الولايات المتحدة البالغ 320 مليون نسمة. كما تعتبر الصين أكبر مصدر في العالم من حيث القيمة، حيث بلغ إجمالي صادراتها 2.272 تريليون دولار أمريكي من مختلف المنتجات وإلى مختلف دول العالم في عام 2017، ويمثل هذا الرقم حوالي 14.2٪ من إجمالي الصادرات العالمية المقدرة بنحو 15.952 تريليون دولار في عام 2016، وعلى الرغم من التباطؤ الأخير، لا يزال اقتصاد الصين ينمو بمعدل ثلاثة أضعاف معدل نمو الولايات المتحدة حوالي 7 ٪ خلال العامين الماضيين، تقريباً 2.5 ٪ تقريباً للاقتصادي الأمريكي.
تعتبر الولايات المتحدة، ثاني أكبر مصدر في العالم، وقد صدرت ما قيمته 1.547 تريليون دولار من المنتجات إلى جميع دول العالم في عام 2017، ويمثل هذا الرقم الدولاري ما يقدر بنحو 9.7٪ من إجمالي الصادرات العالمية المقدرة بـ 15.952 تريليون دولار استناداً إلى إحصاءات عام 2016 التي تشمل جميع الدول.
وفقاً لعدد من التقارير الاقتصادية بلغت قيمة الواردات من الصين للولايات المتحدة خلال العام الماضي 463 مليار دولار، مقابل صادرات بقيمة 116 مليار دولار، وتعاني الولايات المتحدة من عجز تجاري قيمته 347 مليار دولار فهي تستورد أكثر مما تصدر، في حين أن الصين تستورد أقل بكثير مما تصدر، مما يؤدي إلى فائض تجاري معقول للصين.
في عام 2001، كان إنتاج الصين أكثر بقليل من عُشر الإنتاج الأمريكي، في حين يبلغ الآن ما يقرب من ثلثي الإنتاج الأمريكي بالدولار الأمريكي (11,9 ترليون دولار أمريكي)، كما لا تزال الولايات المتحدة أكبر مستوردً من الصين.
الصين تلتزم بالتعليم، حيث يتم استثمار حوالي 4٪ من إجمالي الناتج المحلي في تدريب موظفيها، والنظام التعليمي الصيني هو الأكبر في العالم، ولديها عدد من الطلاب في الجامعات يزيد عن عدد الطلاب في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة مجتمعة، وهناك طلب متزايد على التعليم العالي بين الشباب.
تمكنت الصين من تحديث بنيتها التحتية وإعادة توازن الاقتصاد وتحديث الصناعات وتعزيز قطاع الخدمات، وتعزيز الاستقرار الاجتماعي، كما أن النمو الاقتصادي حسن القدرة الشرائية للمواطنين الصينيين بشكل كبير، بالإضافة إلى ذلك، فإن احتياطيات الصين من العملات الأجنبية يبلغ حوالي 3.1 تريليون دولار أمريكي عام 2017، كما ان حجم سكانها الكبير (تقريباً 1.4 مليار نسمة) يجعلها سوقاً كبيرة.
ارتفع إجمالي تجارة البضائع بين الولايات المتحدة والصين من 2 مليار دولار في عام 1979 إلى 636 مليار دولار في عام 2017، وتعد الصين حاليا أكبر شريك تجاري للبضائع الأمريكية.
في عام 2015، بلغت مبيعات الشركات الأجنبية التابعة للولايات المتحدة في الصين 482 مليار دولار، وتنظر العديد من الشركات الأمريكية إلى المشاركة في سوق الصين باعتبارها حاسمة بالنسبة لقدرتها التنافسية العالمية، كما أن واردات الولايات المتحدة من السلع منخفضة التكلفة من الصين تفيد بشكل كبير المستهلكين الأمريكيين.
كثير من الشركات الأمريكية تستخدم الصين كنقطة تجميع نهائية لمنتجاتها، أو تستخدم مدخلات صينية الصنع للإنتاج في الولايات المتحدة قادرة على خفض التكاليف، كما أن الصين هي أكبر حامل أجنبي لسندات الخزانة الأمريكية (1.2تريليون دولار أمريكي تقريبًا في عام 2017)، وتساعد مشتريات الصين من سندات الدين الأمريكية في الحفاظ على أسعار الفائدة الأمريكية منخفضة، حيث يتجاوز الدين السيادي للولايات المتحدة 20.7 تريليون دولار (107٪ من الناتج المحلي الإجمالي)، فالولايات المتحدة لديها أكبر فجوة تجارية منذ عام 2008 بلغت 58 مليار دولار في عام 2018، في حين اتسع العجز في الميزانية الأمريكية إلى 665 مليار دولار (3.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي) في العام الماضي.
تمثل صادرات الولايات المتحدة إلى الصين نسبة 8٪ من إجمالي صادرات الولايات المتحدة في عام 2016، حيث بلغ إجمالي صادرات الولايات المتحدة من المنتجات الزراعية إلى الصين 21 مليار دولار في عام 2016، وأهمها فول الصويا (13مليار دولار أي حوالي ثلث انتاج أمريكا من فول الصويا) ، وهو ثاني أكبر سوق للصادرات الزراعية, والطائرات (15 مليار دولار أي حوالي 25% من طائرات البيونغ) والتجهيزات الكهربائية (12مليار دولار) والآلات (11 مليار دولار) والمركبات (11 مليار دولار).
في حين تمثل واردات الولايات المتحدة من الصين 21.1٪ من إجمالي واردات الولايات المتحدة في عام 2016, وكانت أعلى فئات الاستيراد في عام 2016: الآلات الكهربائية (129 مليار دولار)، والأثاث المنزلي (29 مليار دولار)، وألعاب الأطفال والمعدات الرياضية (24 مليار دولار) والأحذية (15 مليار دولار), كما بلغة إجمالي واردات الولايات المتحدة من المنتجات الزراعية من الصين 4.3 مليار دولار في عام 2016، وهو ثالث أكبر مورد للواردات الزراعية، وتشمل الفئات الرائدة: الفواكه والخضروات المعالجة (1.1 مليار دولار)، وعصائر الفواكه والخضروات (328 مليون دولار)، والأطعمة الخفيفة (213 مليون دولار)، والخضروات الطازجة (205 ملايين دولار) والشاي (152 مليون دولار.
تعد السواق الصينية من اهم الأسواق للمنتجات الأمريكية, ففي عام 2015 اشترى المستهلكون الصينيون 131 مليون جهاز “آيفون”، في حين بلغ إجمالي المبيعات للعملاء في الولايات المتحدة خلال نفس الفترة 110 ملايين جهاز “آيفون”.
كما تقدر شركة “بوينغ” والتي توظف 150 ألف عامل في الولايات المتحدة، أن الصين ستشتري حوالي 6،810 طائرة على مدار العشرين سنة القادمة، وأن هذه السوق وحدها ستبلغ أكثر من تريليون دولار، كما حققت “آبل” إيرادات بقيمة 20 مليار دولار (20% من إجمالي مبيعاتها) في الصين وحدها.
أسباب الحرب الاقتصادية
برر ترامب هذه الإجراءات بأنها من أجل مصالح الدولة الأمريكية والعدل التجاري فالعلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين غير عادلة، وكان يجب اتخاذها منذ وقت طويل، في حين أن الهدف الرئيسي لفرض تعريفات جمركية على الواردات الصينية هو الحاق الضرر بخطة الصين لتطوير التصنيع 2025 واحتواء صعود الصين.
طرحت الصين خطة تطوير التصنيع 2025 التي تبلغ تكلفتها على الحكومة الصينية 300 مليار دولار، وتهدف هذه الخطة إلى مساعدة الصناعات الصينية المتطورة من خلال تقديم قروض منخفضة الفائدة من البنوك التي تسيطر عليها الدولة، وضمان حصص كبيرة لها في سوق الصين وتقديم دعم واسع للبحوث العلمية، والهدف الرئيسي هو مساعدة الشركات الصينية على امتلاك القدرة على منافسة الشركات الغربية، والسيطرة على القطاعات التكنولوجية الرئيسية مثل الطاقة البديلة والروبوتات والاتصالات والذكاء الاصطناعي.
ولا شك أن العديد من الشركات الأجنبية العملاقة عالقة بين طموحات الصين الصناعية وجهود واشنطن لمنعها، بما في ذلك شركات صناعة الطيران الكبرى وصانعي السيارات، وقد يتطور هذا الصراع، سيما وأن نجاح خطة تطوير تصنيع الصين 2025 يمكن أن يخلق منافسين صينيين جدد للشركات الأمريكية العملاقة مثل “جنرال”و”إلكتريك” و”إنتل”، والشركات الأجنبية الأخرى مثل “سيمنس” و”سامسونغ”.
تنبؤات الخبراء
أقر وزير الخزانة ستيفن منوشن بوجود خطر حرب تجارية، لكنه قال إن الهدف هو الدفاع عن مصالح الولايات المتحدة وتبقى الإدارة مستعدة للتفاوض، لكن كبير المستشارين الاقتصاديين في البيت الأبيض “لاري كودلوو” حذر من أن تهديد التعرفة ليس تكتيكاً تفاوضياً، في حين أشارت وسائل إعلام حكومية أن الصين تعهدت “بالرد على الفور وبدون تردد”.
وقال المتحدث باسم وزارة التجارة قاو فنغ: “إنها معركة بين الأحادية والتعددية وبين الحماية التجارية والتجارة الحرة أيضاً”.
وحذر فان جانغ، مدير المعهد القومي للبحوث الاقتصادية في الصين، من “المخاطر المنهجية على سلاسل تصنيع الإنتاج”، كما أشار جاك ما مؤسس شركة التجارة الإلكترونية العملاقة علي بابا، أن الحرب التجارية يمكنها أن تدمر 10 مليون وظيفة.
وأكد وزير الخارجية الياباني تارو كونو بعد حوار اقتصادي رفيع المستوى بين ثالث وثاني أكبر اقتصاد في العالم أن اليابان والصين تتفقان على أن الحرب التجارية سيكون لها عواقب وخيمة على الاقتصاد العالمي.
أسباب المشكلة
في 22 كانون الثاني وافق الرئيس الأمريكي ترامب على فرض رسوم جمركية على الألواح الشمسية والغسالات بنسبة 30٪ على الألواح الشمسية، ومعظمها يأتي من الصين و20٪ على الغسالات، ولهذه الخطوة تأثير سلبي كبير على اقتصاد الصين وكوريا الجنوبية.
تنتج الشركات الصينية ثلاثة أرباع الألواح الشمسية في العالم، حيث أغلقت معظم الشركات الأمريكية والأوروبية مصانعها، ويبدو أن نجاح الصين في إنتاج الألواح الشمسية شجعها على الاستحواذ على قائمة طويلة من الصناعات التكنولوجية المتقدمة الأخرى.
تقدم وزارة التجارة الأمريكية عدة خيارات لمكافحة الممارسات التجارية الصينية التي تراها غير منصفة، بما في ذلك رفع الرسوم الجمركية على جميع الواردات من الصين
تعتبر الولايات المتحدة أكبر مستورد للفولاذ في العالم، حيث اشترت 35 مليون طن من المواد الخام في عام 2017، من كل من كوريا الجنوبية واليابان والصين والهند.
في 7 آذار هدد مسؤولو الاتحاد الأوروبي بوضع تعريفات جمركية على البضائع الأمريكية إذا فرضت الولايات المتحدة عقوبات على الصلب والألمنيوم المستورد.
في 8 اذار فرضت الولايات المتحدة تعريفة على الصلب والألومنيوم بنسبة 25٪ من الرسوم على الصلب و10٪ على الألومنيوم، وتم منح المكسيك وكندا إعفاءات أولية رغم أن الصين دولة لا تحب عادة التصعيد إلا أن استفزازات ترامب بالنسبة لها لا يجب أن تمر مرور الكرام، الحكمة الصينية تقتضي حالياً الرد بالمثل كي لا يتهور الرئيس الأمريكي أكثر ويقدم على اتخاد قرارات مؤلمة للاقتصاد الصيني الذي يعتمد على التصدير، وصفت الصين بأنها أكبر مصدر للصلب في العالم، التعريفات بأنها “هجوم خطير” على التجارة الدولية، وتقول إنها ستتخذ “إجراءات حازمة” إذا تعرضت الشركات الصينية لخسائر نتيجة لذلك.
في 22 اذار فرض ترامب تعريفات أوسع على الصين, حيث أعلن عن خطة لفرض رسوم سنوية على البضائع الصينة بقيمة 50 مليار دولار، واقترح زيادة القيود على الاستثمار الصيني في التكنولوجيات الأمريكية الرئيسية.
في 22 آذار أعلنت الصين أنها ستفرض رسوماً جمركية على بضائع أمريكية بقيمة ثلاثة مليارات دولار، وتأتي هذه الخطوة استجابة لقرار إدارة ترامب في وقت سابق من ذلك الشهر بفرض تعريفات من الفولاذ والألمنيوم، لكن الإعلان يأتي بعد ساعات فقط من كشف ترامب عن خطته للتعريفات بقيمة 50 مليار دولار.
في 22 آذار قررت الولايات المتحدة منح إعفاءات مؤقتة إلى الاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية بشأن التعريفات الجمركية على الصلب والألومنيوم.
في 2 نيسان 2018 ترد الصين بفرض رسوم جمركية على واردات الولايات المتحدة تبلغ قيمتها حوالي 3 مليارات دولار، بما في ذلك رسوم بنسبة 15٪ على 120 منتج أمريكي، بما في ذلك الفواكه والمكسرات والنبيذ وأنابيب الصلب وضريبة بنسبة 25٪ على ثمانية منتجات أخرى، مثل الألومنيوم المعاد تدويره ولحم الخنزير، وتقول الحكومة الصينية إن التعريفات الجمركية الخاصة بها هي استجابة لتدابير التجارة الأمريكية ضد الفولاذ والألمنيوم.
في 3 نيسان عام 2018 و في رد انتقامي من الولايات المتحدة على الإجراء الصيني, اقترح ممثل الولايات المتحدة التجاري ضريبة بنسبة 25٪ على ما يقرب من 1300 سلعة صينية من صناعات الفضاء والآلات والصناعات الطبية والبطاريات وأجهزة التلفزيون ذات الشاشات المسطحة.
في 4 نيسان 2018 أعلنت الحكومة الصينية عن مجموعة أخرى من التعريفات الانتقامية كرد على مقترحات إدارة ترامب تبلغ قيمتها حوالي 50 مليار دولار، وتشمل المنتجات الـ 106 المدرجة على قائمة الصين الطائرات والسيارات، وكذلك فول الصويا والكيمياويات، وقد تضررت الأسواق العالمية بشدة بسبب الإعلان الصيني، مثلما هي الحال بالنسبة للمنتجات المدرجة في القائمة والشركات التي تصنعها.
في 5 نيسان 2018 دعا ترامب لاستهداف 100 مليار دولار أخرى في البضائع الصينية، وحذرت الصين من أنها سترد على أي تعريفات إضافية، وقالت إنها “وضعت بالفعل تدابير مضادة مفصلة للغاية”.
هل سيدفع الاقتصاد العالمي ثمن الصدامات بين الصين والولايات المتحدة؟
نتيجة لهذا الصراع قامت بعض الشركات ببناء مستودعات في ماليزيا وفيتنام وتايلاند، حيث يمكنها شحن بضائعها لإعادة التصدير، كما يتم الحديث عن إقامة مصانع لها في دول جنوب شرق آسيا لتجنب زيادة التعريفات بشكل كامل.
عندما تجول في معظم المتاجر في الولايات المتحدة، ستجد أن الكثير من البضائع مصنوعة في الصين؛ فليس من المفاجئ أن يصل العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين في عام 2016 إلى 347 مليار دولار، وفي عام 2017، بلغ دين الولايات المتحدة إلى الصين 1.14 تريليون دولار.
على الرغم من بقاء الأمل في تجنب حرب تجارية شاملة، إلا أن المحللين في جامعة “أكسفورد” أكدوا أن الفشل في تجنب حدوث صدامات سيؤدي إلى تباطؤ واضح للاقتصاد العالمي عن طريق خفض النمو العالمي بنسبة 0.5٪، وفي ظل هذا السيناريو بالنسبة لأكبر اقتصادين في العالم، فإن الثمن سيكون تراجع حوالي 1٪ من نمو الناتج المحلي الإجمالي، التي يبلغ قيمتها نحو 154 مليار دولار إلى الولايات المتحدة و132 مليار دولار للصين.
إن الأضرار الجانبية الناجمة عن صراع تجاري خطير بين هذين البلدين، ناتجهما المحلي مجتمعاً يشكل ما يزيد عن ثلث الناتج الكلي العالمي، ستكون كبيرة على الاقتصاد العالمي، ناهيك عن الأضرار المباشرة التي ستلحق بالبلدين.
المشكلة بالنسبة للاقتصاد العالمي ليست ما فعلته إدارة ترامب حتى الآن, ولكن ما سوف تفعله لاحقاً، وعد ترامب بحملته الانتخابية بمحاولة موازنة التجارة مع الصين، وربما بهدف أوسع للحد من صعود الصين الاقتصادي، ربما ستأتي هذه المحاولة بتكلفة مخيفة للولايات المتحدة والصين ولبقية العالم نظراً لترابط الاقتصاد العالمي وسيكون الجميع في النهاية خاسرين.
Discussion about this post