بقلم: محمد النجم
قرأتُ عن المهاتما غاندي أنه حين خرج من السجن في أيار عام 1931 قاد حملة لمقاطعة الملابس الأجنبية، وخصص أربع ساعات يومياً لينسج بنفسه قماشاً على مغزل يدوي حتى يكون قدوة للناس، فيستخدموا هذا القماش البسيط المغزول داخل البلاد وبأيدي أبنائها، بدلاً من شراء المغازل البريطانية التي أودت بحياة صناعة النسيج في الهند.
وفعلاً جاء الهنود والأغنياء والتجار بما لديهم من المنسوجات المستوردة فأحرقوها، وحينها أكلت ألسنة اللهب 150 ألف ثوب من القماش المستورد في مدينة “بومباي” وحدها، لتدور مغازل القطن اليدوية في كل بيت وقرية ومدينة على امتداد مساحة الهند؛ وتوفر البديل عن المنتجات الأجنبية، وشعر الهنود لأول مرة بروح الكبرياء تسري في عروقهم؛ وهو ما كان يسعى إليه غاندي.
ربما يقول قائل: “فكرة غاندي ليست بجديدة علينا” وقطعنا أشواطاً بعيدة ضمن إطارها، لكن هل فكرنا “جدياً” كيف ننهض مجدداً باقتصادنا الوطني، بعد أضرارٍ وجراحٍ بليغة نالت من الصناعة السورية عموماً وصناعة النسيج على وجه الخصوص بعد حرب قاسية لأكثر من سنواتٍ سبع.
معلوم لدى الجميع أن قطاع النسيج يشكل 50 % من إجمالي الصناعة السورية، هذا ما يجعل من الأهمية بمكان أن نركز أيما تركيز على عودة المعامل والورشات الصغيرة إلى سابق عهدها، وإنْ على مراحل، دون أية عوائق لوجستية أو إجرائية أو بيروقراطية، حتى يعود هذا القطاع إلى سابق عهده قبل الحرب، بكل ما نملك من كوادر وكفاءات وإمكانات وأدوات ووسائل وأسباب، وبتحقيق ذلك نكون قد حققنا هدفاً استراتيجياً مهماً وضرورياً لإقلاع مرحلة إعادة البناء والإعمار على أسس وأرضية متينة.
على سبيل إشعال شمعة نقترح صياغة فكر صناعي جديد، وتأسيس هيكلية مدروسة ومستدامة ومتجددة، كأن نلتفت باهتمام وجدية أكبر إلى التعليم الصناعي، لتغيير الفكرة المسبقة عنه أولاً، وإيجاد محفزات تزيد من الإقبال على هذا النوع من التعليم، كرافعة أكاديمية لأي تطور صناعي لاحق في سورية، هذا يقتضي تغيير وتطوير المناهج التعليمية الصناعية باستمرار بما يواكب كل جديد، فالسرعة التقنية اليوم لا تحتمل التلكؤ ولا تنتظر أحداً للحاق بها.
الخطوة الثانية تتمثل بالتأهيل والتدريب المستمر بصورته الفعلية وليس الاستعراضية، فالجميع بحاجة إلى هذين الأمرين طوال الحياة المهنية، ولا يصح أن نضع سقفاً زمنياً لهما، كي نتطور مع الآخرين.
في هذا السياق يمكن إيجاد فرص تدريب وصقل لمهارات طلاب وخريجي التعليم الصناعي (من الثانويات والمعاهد الصناعية) في المصانع والورشات الصناعية سواء في القطاع العام أو القطاع الخاص، بهدف تأهيلهم لدخول سوق العمل بالكفاءة والإنتاجية المطلوبة، إن لم نقل إيجاد فرص عمل جاهزة لهم بعد التخرج مباشرةً.
فالخريج سيبحث عن فرصة عمل، وإذا لم ينجح في ذلك سيفكر في الهجرة والسفر خارج البلاد، وبذلك يستمر نزيف الكفاءات الذي لم يتوقف حتى اللحظة، ولهذا علينا أن نتصدى لمهمة “تثبيت الكوادر” وهو أيضاً هدف استراتيجي بمنتهى الأهمية في المرحلة القادمة، كما في كل المراحل، هنا ينبغي أن يتكاتف القطاعان العام والخاص لتحقيق هذا الهدف، وإلا سنضطر للاستعانة بالعمالة الأجنبية، بكل ما يعنيه هذا من خسارة كبيرة.
دعونا نراهن على أنفسنا أولاً.. ومن بعد ذلك فليأتي الطوفان.
Discussion about this post