العالم الاقتصادي- عمار الصبح
رغم اعترافها باستحالة توافر البيانات الحقيقية والدقيقة أثناء دراسة التجارة الخارجية السورية، إلى أن الدراسة الحديثة التي صدرت مؤخراً عن مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” حاولت الاقتراب أكثر إلى ملف التجارة الخارجية السورية وتكوين صورة تفصيلية عن واقع هذا القطاع الاقتصادي بوساطة تطبيق مجموعة واسعة، ومتنوعة من المؤشرات الإحصائية، التي تربط بين أداء التجارة الخارجية والاقتصاد الكلي للبلد، على امتداد ربع قرن (1992-2016).
وقبل الخوض في التفاصيل نشير إلى أن الدراسة خلصت إلى أن قطاع التجارة الخارجية السورية يعاني من من خلل بنيوي متأصل، وكان له دور سلبي في النمو الاقتصادي، إذ عانى الميزان التجاري من عجز مستمر على مدى 21 عاماً من المدة التي تستقصيها الدراسة إضافة إلى هشاشة التوازن في الميزان التجاري، نتيجة درجات التركز العالية في التصدير.
25 عاماً وبالأرقام
عملت الدراسة على تقسيم مسار التجارة الخارجية في سورية إلى أربع مراحل تاريخية، طوال المدة المدروسة (1992-2016)، إذ تبدأ المرحلة الأولى مع بداية النصف الثاني من العام 1991، بعد صدور التعليمات التنفيذية لمرسوم الاستثمار رقم /10/، وتمتد حتى العام 1999، حين تم فسح المجال أمام المزيد من الحرية الاقتصادية قياساً بالوضع السابق، لكنها شهدت عجزاً في الميزان التجاري، بحسب البيانات الرسمية الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، وذلك على مدار ثماني سنوات، بوسطي 1.74 % من إجمالي الناتج المحلي (بالأسعار الجارية بحسب بيانات المكتب المركزي للإحصاء)، مع تباين في النسبة بين 0.5 % و4.26 %.
تمتد المرحلة الثانية من العام 2000 حتى 2005، حين تم إصدار مئات المراسيم والقرارات لتطوير بيئة الأعمال وتحسين مناخ الاستثمار، وقد شهد الميزان التجاري السوري فائضاً مهماً، من العام 2000 وحتى 2003، بلغت نسبته بشكل وسطي 3.64 % من إجمالي الناتج المحلي، وذلك إثر التوسع في إجراءات الإصلاح الاقتصادي، وتوسيع مساحة العمل للقطاع الخاص، وتوفير المرونة في التجارة الخارجية، وفي العام 2003 جرى فك الارتباط بين الاستيراد والتصدير الذي كان لا يسمح بالاستيراد إلا بعد الحصول على القطع الأجنبي المخصص للتصدير، لكن الميزان التجاري عانى عجزاً عام 2004 لزيادة معدل نمو الاستيراد عن نمو التصدير، وبدء تراجع الصادرات النفطية.
تمتد المرحلة الثالثة من العام 2006 حتى 2011، بالترافق مع الخطة الخمسية العاشرة، بعد اعتماد نهج اقتصاد السوق الاجتماعي والانخفاض الحاد في صادرات النفط، وشهدت هذه المرحلة عجزاً في الميزان التجاري، بدأ بنسبة 1.52 % من إجمالي الناتج المحلي عام 2006، ووصل 14.14 % عام 2011، كما تجاوزت نسبته 8 % عامي 2009 و2010.
أخيراً، تمتد المرحلة الرابعة من العام 2012 حتى 2016، وهي مرحلة الحرب على سورية، والتي شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في العجز التجاري، وصلت إلى نحو 39 % من إجمالي الناتج المحلي.
استيراد وتصدير
وفقاً للدراسة أظهرت كميات الاستيراد والتصدير من العام 1992 وحتى 2016؛ زيادة كميات السلع المصدّرة على المستوردة طيلة المرحلة الأولى (1992-1999)، إلا أن الميزان التجاري كان يشهد عجزاً، بسبب زيادة وسطي سعر الكيلو غرام الواحد من المستوردات، على وسطي سعر الكيلو غرام الواحد من الصادرات، إلا أن الواقع اختلف جذرياً طوال المرحلة الثانية (2000-2005) إثر السياسات الإصلاحية في المجال الاقتصادي، إذ تضاعفت كمية الصادرات، وبلغ الوسطي السنوي لكميات الصادرات خلال هذه المرحلة 11.62 ألف طن، بزيادة بنحو 107 % عن الوسطي السنوي للمرحلة الأولى حيث بلغ 5.62 ألف طن، مقابل زيادة أقل بكثير في كميات المستوردات، حيث سجل الوسطي السنوي في المرحلة الثانية نحو 24.21 ألف طن، بزيادة نحو 11.42 % عن الوسطي السنوي في المرحلة الأولى حيث بلغ 21.76 ألف طن.
في المقابل، ارتفع وسطي سعر الكيلو المصدّر طيلة المرحلة الثانية، بشكل كبير، إذ بلغ وسطي المرحلة 13.1 ليرة سورية، بزيادة نسبتها 627 % مقارنة بوسطي المرحلة الأولى وترافق هذا التحسن مع زيادة ملموسة في كميات السلع المصدرة عن المستوردة طيلة المدّة الواقعة بين 2000-2003؛ وشهد الميزان التجاري فائضاً، في حين عاد ليسجل عجزاً حينما اقتربت كمية الصادرات من المستوردات عام 2004، وتعمّق العجز مع زيادة كميات المستوردات عن الصادرات في العام 2005، وهي الحالة التي سوف تنسحب على السنوات القادمة بعد 2006.
شهدت المرحلة الثالثة (2006-2011) انخفاضاً كبيراً في الفارق بين وسطي ثمن الكيلو المصدّر والمستورد، إذ زاد وسطي سعر الكيلو المستورد بنحو 2.5 %، وبلغ وسطي كيلو المستورد 32.1 ليرة سورية في المرحلة الثالثة، بزيادة 28 % عن المرحلة الثانية، إلا أن الزيادة المطردة في كمية المستوردات عن الصادرات عمّقت عجز الميزان التجاري.
أما في المرحلة الرابعة (2012-2016) وهي مدة الحرب، فقد انخفض الوسطي السنوي لكمية الصادرات بنسبة 73.2 %، إذ بلغ الوسطي السنوي للكمية المصدرة نحو 4.9 ألف طن، في المقابل، انخفض الوسطي السنوي للكمية المستوردة بنسبة 48.6 %، إذ بلغ 12.1 ألف طن وشهدت مرحلة الحرب تبايناً في مستوى الأسعار للصادرات والمستوردات، ترافق ذلك مع عجز مطّرد في الميزان التجاري.
إسهام متواضع!!
لم تحظ التجارة الخارجية السورية –حسب الدراسة- بأهمية نسبية في التجارة العالمية، ولا في التجارة العربية، نظراً لإسهامها المتواضع جداً، وعدم استفادتها من تراجع الأداء الاقتصادي العالمي مع الأزمة المالية العالمية 2008، وتكشف البيانات الإحصائية للتجارة الخارجية السورية والعربية والعالمية طوال المدّة الواقعة بين (2001-2010) عن استقرارٍ نسبيّ في إسهام التجارة الخارجية السورية في إجمالي التجارة الخارجية العربية، عند نسبة 1.7 %، وسطياً.
وبلغ وسطي إسهام التجارة الخارجية السورية في إجمالي التجارة الخارجية لدول العالم نحو 0.07 %، طوال نفس الفترة إذ بلغ وسطي إسهام المستوردات السورية في العالمية نحو 0.074 %، مقابل 0.065 % للصادرات، مع تفوق للمستوردات أيضاً.
وانخفض إسهام التجارة الخارجية السورية في التجارة العربية بنحو 69 % طوال مدة الحرب (2011-2016) كما انخفض إسهامها في التجارة العالمية أيضاً بنحو 59 %، إذ انخفض وسطي إسهام التجارة الخارجية السورية في العربية إلى نحو 0.5 %، في حين انخفض وسطي إسهام التجارة الخارجية السورية في العالمية إلى نحو 0.03 %، مع انخفاض وسطي إسهام المستوردات السورية في العالمية إلى 0.45 %، وذلك بفعل تداعيات الحرب على الاقتصاد السوري بشكل عام، وعلى قطاع التجارة الخارجية بشكل خاص، إضافة إلى الحصار والعقوبات الاقتصادية الأمريكية والأوروبية أحادية الجانب.
وتلفت الدراسة إلى وجهات التصدير التي ركزت عليها التجارة الخارجية لسورية فأكثر من 60.2 % من الصادرات تذهب لخمس دول فقط، ما يعني أن حصول أي اختلاف في ظروف وشروط وواقع التجارة مع أحد تلك الدول يعني خسارة نسبة مهمة ومؤثرة في قطاع الصادرات السوري.
خلل هيكلي
بينت الدراسة أن التجارة الخارجية في سورية تعاني من خلل هيكلي واضح، يتمثل أساساً في درجة التركز العالية في القطاعات، في جانبي التصدير والاستيراد، لكن المشكلة تبرز بشكل أكبر في جانب التصدير، القائم بصورة رئيسة على المواد الخام والصناعات الاستخراجية بما فيها النفط، كمكون رئيس.
تكشف البيانات الإحصائية للتجارة الخارجية في سورية طوال مدّة الدراسة (1992-2016) تركّز الصادرات بصورة أساسية في قطاع النفط، إذ شكّل نسبة بين 52 % و64 % من إجمالي قيمة الصادرات في المرحلة الأولى (1992-1999)، لترتفع النسبة بشكل ملحوظ بعد ذلك، مسجلةً 75 % عام 2001، ومن ثم تراوحت بين 67.7 % و89.96 % في المرحلة الثانية (2000-2005).
شهدت المرحلة الثالثة (2006-2011) انخفاضاً ملموساً في تصدير النفط، وذلك دون مستوى 51 %، ومن ثم تعمّق الانخفاض، بشكل أكبر في المرحلة الرابعة (2012-2016) بسبب الحرب على سورية وتداعياتها على قطاع النفط، لتسجل النسبة 21.7 % عام 2012، منخفضة دون مستوى 6 % بعده، مقابل تحسن ملموس في صادرات الأغذية والحيوانات، إذ ارتفعت نسبتها إلى إجمالي الصادرات من نحو 16 % عام 2011 إلى 27.6 % عام 2012، وصولاً إلى نحو 44 % عام 2016، ما يعني أن وجود مخاطر كبيرة في قطاع التصدير ناجمة عن التركز السلعي الكبير، تحديداً في المواد الزراعية، المرتبطة بظروف الطقس بشكل رئيس، ما يجعل حدوث اضطرابات مناخية كالأمطار والسيول المتأخرة في أي عام؛ تهديداً كبيراً لقطاع التصدير السوري.
تدني مستوى القيمة المضافة
أظهرت الدراسة أن الخلل في تركيبة الصادرات القطاعية يتضح أكثر بالنظر إلى تركيبها بحسب طبيعة المواد المصدرة، والتي تكشف عن تركز الصادرات في المواد الخام، والتي بلغت نحو 81.67 % في العام 2000، لتبقى مرتفعة رغم انخفاضها التدريجي على مدى السنوات التي تلت العام 2000 وحتى 2010، إذ بقيت النسبة فوق 40 %، في المقابل ارتفعت صادرات السلع المصنوعة من 13 % عام 2000 حتى 38.23 % عام 2010، وهذا دليل على تدني مستوى القيمة المضافة في الصادرات السورية، طالما أن نصفها مواد خام تقريباً.
وتتضح المشكلة أكثر بالنظر إلى تركيبة الصادرات بحسب استخدام المواد، إذ إن السلع الوسيطة تتراوح بين 55 % إلى 88 % من إجمالي الصادرات، والاستهلاكية بين 11 % و43 % مع تحسن ملموس بعد العام 2003، في حين تتراوح نسبة الصادرات من السلع الرأسمالية بين 0.23 % و1.24 %، وهي نسبة متدنية جداً.
ويبرز التركز السلعي (القطاعي) في جانب المستوردات، بشكل رئيس؛ في القطاع الصناعي، الذي يحظى بقرابة نصف المستوردات، ولكن، جلّها من المواد الوسيطة، والتي تراوحت بين 33 % وقرب 80 %، وعلى نحو مماثل أيضاً مستوردات السلع المصنوعة، والتي تراوحت نسبتها بين 37.8 % و57 %، ما يشير إلى تدني مستوى التصنيع، وعدم قدرته على تلبية الحاجات المحلية.
تراجع في الميزة التنافسية
اعتمدت دراسة “مداد” مؤشر ميكيلي لقياس الميزة التنافسية للصادرات السورية ويعتمد هذا المؤشر على الفرق بين حصة صادرات دولة في قطاع معين، أو سلعة معينة، من إجمالي الصادرات، وحصة المستوردات للقطاع نفسه أو السلع من إجمالي ورادات البلد ويستنتج من نتائج تطبيق هذا المؤشر على التجارة الخارجية لسورية تدني مستوى الميزات التنافسية في جميع قطاعات التجارة الخارجية، باستثناء بعض الحالات في مراحل محددة، ولصناعات استخراجية بحتة (النفط بشكل رئيس)، لا تملك قيماً مضافة في التصنيع، أو مواداً زراعية وأغذية وحيوانات حية، وبشكل متزايد بعد العام 2006، ولكن بدرجات بسيطة.
وتوضح الدراسة شبه انغلاق للاقتصاد السوري عن التجارة الدولية في المرحلة (1992-1999)، إذ إن وسطي قيمة المؤشر في المرحلة الأولى بلغت 15.44 % في حين زاد دور التجارة الخارجية عدة أضعاف مع انفتاح الاقتصاد المحلي على العالمي مع العام 2000 وما بعد، وبلغ وسطي المؤشر 51.9 %، وحافظ على مسار تصاعدي تدريجي إذ ارتفع وسطي قيم المؤشر في المرحلة الثالثة (2006-2011) إلى نحو 54.5 %، مع استمرار ارتفاع قيم الصادرات والمستوردات بأعلى من معدل نمو الناتج المحلي، لينخفض إلى قرابة 40.5 % في المرحلة الرابعة (2012-2016) إثر تداعيات الحرب على سورية.
تغطية الصادرات للمستوردات
يظهر حساب نسبة تغطية الصادرات للمستوردات السورية طوال مدة الدراسة (1992-2016) تبايناً ملحوظاً فيها، فبينما كان وسطياً أكثر من 81.2 % من المستوردات ممولة عن طريق الصادرات في المرحلة الأولى (1992-1999)؛ شهدنا تحسناً ملحوظاً مع وجود فائض في المرحلة الثانية (2000-2005) إذ مولت الصادرات كامل المستوردات، مع فائض بنسبة 6.5 %، لتعود الأمور وتتدهور بعد ذلك، لتنخفض النسبة إلى 75.8 % فقط في المرحلة الثالثة (2006- 2011)، مع ازدياد العجز التجاري، وقصور الصادرات عن تمويل كامل المستوردات، لتنخفض النسبة بشكل حاد في الحرب إثر تداعياتها على القطاع التجاري وتدني الإنتاج، إذ مولت الصادرات وسطياً نحو 16.6 % فقط من المستوردات.
وحسب مؤشر الميزان التجاري المعياري الذي اعتمدته الدراسة تبين غلبة الوضع السلبي على الإيجابي، بشكل كبير، إذ اقتصرت القيم الإيجابية على أربع سنوات فقط، مقابل 21 عاماً كانت قيم المؤشر فيها سالبة.
الاكتفاء الذاتي.. سلباً
كشفت أرقام الدراسة أن الاقتصاد المحلي وقبل العام 2000 كان يلبي أكثر من 90 % من الطلب الداخلي في سورية، الأمر الذي تغير بعد ذلك، إذ قلت درجة تلبية الاقتصاد المحلي للطلب الداخلي بشكل ملحوظ، مع ارتفاع نسب تلبيته عبر الواردات إلى أكثر من الربع، وأحياناً إلى الثلث كما في السنوات (2007-2008) بعد الانفتاح التجاري، أصبحت المستوردات مصدراً أساسياً لتلبية حاجات الاستهلاك والاستثمار في سورية، بدلاً من الإنتاج المحلي، وهذا مؤشر قصور في الإنتاج المحلي، وفي الاكتفاء الذاتي، وفي المرحلة الثالثة (2006-2011)، تواصل الانخفاض في درجة الاكتفاء الذاتي بعد اعتماد اقتصاد السوق الاجتماعي والانفتاح التجاري، لتنخفض النسبة قليلاً في الحرب؛ المرحلة الرابعة (2012-2016).
وأظهرت الدراسة أن الصادرات شكلت وسطياً نحو 5.6 % من إجمالي الناتج المحلي طيلة المدة الواقعة بين (2012-2016)، ذلك بسبب تداعيات الحرب، مقارنةً بنحو 6.9 % طوال المدة الواقعة بين عامي 1992 و1999، لترتفع نسبة التصدير إلى نحو 26.5 % من الناتج وسطياً طيلة المدّة الواقعة بين (2000 و2005)، ولينخفض بشكل طفيف إلى نحو 23.6 % طوال المدة (2006-2011)، ترافق مع زيادة المستوردات بنسب أعلى من الصادرات، ما أدى إلى عجز ملموس في الميزان التجاري.
تصويب الاتجاه
الدراسة خلصت إلى مجموعة من نقاط الخلل في قطاع التجارة الخارجية ودوره السلبي في النمو الاقتصادي طيلة المدة المدروسة، ويمكن تلخيص أبرز نقاط الخلل في التجارة الخارجية بما يأتي:
يوجد خلل بنيوي في قطاع التجارة الخارجية، يترجمه عجز مستمر في الميزان التجاري، على مدى 21 عاماً من أصل 25 عاماً، يعكس بدوره عجز محاولات تحرير الاقتصاد عامة، والتجارة الخارجية خاصة؛ عن الحدّ من ذلك الخلل، أو معالجته، هو ناجم عن العقلية التي تحولت إلى عرف في التجارة الخارجية؛ يقوم على إيجاد أسواق للمنتجات المحلية، بغض النظر عن جودتها، بدلاً من التخطيط للإنتاج بناءً على دراسات الأسواق الخارجية، لتلبية متطلبات الأذواق والجودة فيها، وهذا ما يشكل أحد أبزر المعوقات الداخلية لقطاع التصدير في سورية.
تُلاحظ هشاشة التوازن في الميزان التجاري بسبب التركز الجغرافي والقطاعي، قبل العام 2004، ونتيجة اعتماده على عائدات تصدير النفط الخام بالدرجة الأولى، ثم على تصدير الأغذية والنباتات والتوابل والحيوانات الحية فيما بعد العام 2004، كما لوحظت درجة تركز العالية، في جانبي التصدير والاستيراد، لكن المشكلة تبرز بشكل أكبر في جانب التصدير، القائم بصورة رئيسة على المواد الخام والصناعات الاستخراجية بما فيها النفط، كمكون رئيس، ثم الأغذية والمزروعات والتوابل والحيوانات الحية.
وبينت نتائج الدراسة أن قيمة الصادرات لا تعكس قدرة الجهاز الإنتاجي، كما لا تحظى التجارة الخارجية السورية بأهمية نسبية في التجارة العالمية، ولا في التجارة العربية، فضلاً عن تخلف المنتجات المصدرة مقارنة بالمستوردة، والزيادة في سعر كيلو المستورد عن سعر كيلو المصدر.
كما لا توجد ميزات تنافسيّة مهمة، في أي قطاع من قطاعات التجارة، باستثناء بعض الحالات في مراحل محددة، ولصناعات استخراجية بحتة (النفط بشكل رئيس)، التي لا تملك أية قيم مضافة في التصنيع، ومثلها، مواد زراعية وأغذية وحيوانات حية، ما لا يمكن حسبانه ميزة تنافسية حقيقية.
وخلصت الدراسة إلى أن الأداء السلبي للتجارة، بنيوي، ويرتبط بعوائق داخلية في قطاع التصدير، تحدّ من قدرته في تحسين أداء التجارة، ودعم النمو الاقتصادي، كما يُلاحظ قصور الإنتاج المحلي عن تلبية الطلب الداخلي، وبالتالي ضعف مؤشر الاكتفاء الذاتي.
ما العمل؟!
يقترح البحث العمل على اتجاهين متوازيين، لمعالجة الخلل في قطاع التجارة الخارجية والانتقال به إلى قطاع مساهم بشكل رئيس في النمو الاقتصادي، والحدّ من الفقر، هما أولاً تعزيز قطاع التصدير، كما هو محدد في الإستراتيجية الوطنية للتصدير، التي أقرتها الحكومة السورية في شهر آذار 2018 واعتماد مجموعة من الحلول المهمة لمعالجة مشكلات التصدير بشكل جذري تقوم على تحديد الأدوار المطلوبة من الجهات المختلفة (وزارات الزراعة والصناعة والاقتصاد والتجارة الداخلية وحماية المستهلك، إضافة للمصرف المركزي) بشكل واضح ومكتوب، بغية دعم تشجيع الصادرات وتأمين التسهيلات المصرفية اللازمة لإتمام دورة الإنتاج التشغيلية، والترويج للصادرات السورية في الخارج، وتسهيل نفاذ المنتجات السورية إلى الأسواق الخارجية عن طريق الخطط التسويقية والترويجية و تعزيز كفاءة الخدمات اللوجستية وضمان كفاية الأنظمة والسياسات والأطر لدعم جودة المنتج السوري وتطوير برامج دعم وتمويل التصدير إضافة إلى إنجاز تحول تدريجي في هيكل الصادرات ينتقل من الأنشطة القائمة على استخدام الموارد الطبيعية إلى التكنولوجيا المتوسطة، وأخيراً إلى صادرات عالية التكنولوجيا وتشجيع إقامة شركات متخصصة بتصدير المنتجات بهدف الاستفادة من وفورات الحجم، تحديداً تلك المتخصصة بتصدير المنتجات الزراعية.
سلسلة العرض بديلاً
الاتجاه الثاني الذي تتبناه الدراسة كحل هو اعتماد التجارة القائمة على سلسلة العرض في سورية كمدخلٍ موازٍ لتعزيز التصدير، وصولاً إلى تمكين التخصص الرأسي، بإحلال ذكي لبعض المستوردات، من أجل تحسين ظروف التجارة الخارجية، وتفعيل دورها الداعم للنمو الاقتصادي.
وعليه فإن المطلوب لتفعيل التجارة القائمة على سلسلة العرض، إلى جانب دعم التصدير، تتضمن دراسة جدوى دقيقة للصناعات المحتملة التي يمكن الدخول عن طريقها إلى سلسلة العرض العالمية، مثل: الهواتف الذكية، والمكننة الصناعية، والأجهزة الطبية، وغيرها، ودراسة الميزات التنافسية بهدف رفع مستوى التصنيع في هيكل الصادرات ودراسة التشريعات والأنظمة والقرارات المتعلقة بالاستثمار والتجارة والصناعة والتمويل والضرائب والتأمين، بغية ضمان توافقيتها مع نهج التجارة القائمة على سلسلة العرض والتجارة الرأسية.
وتشير الدراسة إلى ضرورة إحداث مكتب في وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية متخصّص في التجارة القائمة على سلسلة العرض والتجارة الرأسية، بحيث يتولى أمور الدراسات المتعلقة بها، وتحديد العوائق أمام سلسلة العرض، وتركيز جهود الدبلوماسية الاقتصادية، بالتعاون بين وزارتي الخارجية والاقتصاد، على تعزيز فرص التوسع في سلسلة العرض، مع الدول الصديقة والاستفادة من تجارب الدول الصديقة في مجال التخصص الرأسي، وخصوصاً الصين وتوسيع الاستراتيجية الوطنية للتصدير، لتصبح استراتيجية وطنية للتجارة، والتركيز على خيارات تحسين مؤشرات الأداء اللوجستي، بدلاً من خفض الرسوم الجمركية فقط، والتركيز على العوائق التي تؤثر سلباً في سلسلة العرض، للحدّ منها، وإزالتها، وتسهيل إجراءات الاستيراد والتصدير، وإلغاء ترشيد الاستيراد الذي فتح التهريب على مصراعيه، وإعادة النظر بإجازات الاستيراد، وسياسات القطع الأجنبي في ما يتعلق بالتصدير على المدى الطويل، وغيرها من الإجراءات التي تسهّل التجارة بالاتجاهين، مع ضمان منافسة عادلة بين الأطراف المشاركة في سلسلة العرض، وعدم حدوث احتكار، والعمل على إشراك المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سلسلة العرض والتجارة الرأسية.
Discussion about this post