العالم الاقتصادي- رصد
فتحت الصين آفاقاً لإنتاج وتصدير الفوسفات في الجزائر الساعية للاستفادة من ثرواتها الطبيعية المنسية حتى تسهم في تخفيف أزماتها المالية واستعادة مراكمة احتياطات نقدية لتعويض ما فقدته خلال السنوات الأخيرة ومواجهة البطالة وتحفيز رجال الأعمال للعودة إلى السوق المحلية.
أطلقت الجزائر شركة مساهمة مشتركة بين مستثمرين حكوميين محليين وآخرين من الصين، من أجل تطوير واستغلال منجم الفوسفات الواقع بمحافظة تبسة بأقصى شرق البلاد، وهو المشروع الذي يعول عليه كثيرا في تحقيق عائدات أكبر وتوفير الآلاف من فرص العمل.
ويعد هذا المشروع أضخم استثمار أجنبي في البلاد كونه يستقطب رؤوس أموال تقدر بنحو 7 مليارات دولار مما يؤهله لأن يكون محركا للعديد من القطاعات ذات الصلة كالزراعة والبناء والأشغال العمومية وغيرها.
ويحاول البلد العضو في أوبك جذب استثمارات أجنبية لإنعاش اقتصاده المتعثر، والذي عانى كثيرا خلال السنوات السبع الأخيرة بسبب تراجع عوائد الطاقة المصدر الرئيسي للعملة الصعبة قبل أن تعود أسواق النفط والغاز إلى الانتعاش بسبب الأزمة في شرق أوروبا.
توفيق حكار: المشروع سيجعل الجزائر تضاعف إنتاج مادة اليوريا
وذكر بيان للشركة الجديدة بأن مجمع مناجم الجزائر (منال) التابع لشركة النفط الحكومية سوناطراك نجح في إعادة مشروع الفوسفات المدمج من خلال توقيع اتفاقية مع شركتين صينيتين لإنشاء شركة ذات أسهم خاضعة للقانون الجزائري تحت تسمية الشركة الجزائرية – الصينية للأسمدة بغية الشروع في الأنشطة الأولية.
وبموجب الصفقة سيملك مجمع منال وشركة أسميدال 56 في المئة من أسهم المشروع بينما ستؤول الحصة المتبقية إلى شركتي ووهوان وتاينان الصينيتين.
وسيشمل المشروع تطوير منجم يقع في بلدة الحدبة بمحافظة تبسة بالشراكة أيضا مع مجمع التحويل الكيميائي للفوسفات بوادي الكبريت بمحافظة سوق أهراس وصناعة الأسمدة بحجر السود بمحافظة سكيكدة، إلى جانب المنشآت المينائية المخصصة المتواجدة بميناء عنابة.
ومن المتوقع أن يوفر المشروع الذي يعد أول مشروع مدمج في قطاع المناجم بالبلاد أكثر من 12 ألف فرصة عمل خلال مرحلة الإنجاز وحوالي ستة آلاف فرصة عمل مباشرة ونحو 24 ألف فرصة عمل غير مباشرة عندما يدخل حيز الإنتاج.
وهذا المشروع هو الثاني من حيث الحجم بعد الصفقة التي أبرمتها شركتا سوناطراك وأسميدال منال في نوفمبر 2018 مع شركة سيتيك وشريكتها وانغفو الصينيتين لبناء مصنع للفوسفات في شرق البلاد بقيمة 6 مليارات دولار.
وتمكن مجمع منال المملوك للدولة من إعادة إحياء المشروع بعد تأخر دام نحو عقدين من الزمن وتم تحديد مساحته وصدور قرارات التنازل عن الأملاك والحقوق العينية لإنجاز المشروع سنة 2017.
وأجرى المجمع سلسلة مفاوضات مع أهم الشركات العاملة في مجال الفوسفات وتحويله في العالم، بالإضافة إلى الدخول في مفاوضات لإقحام الشركات في عملية الاستثمار والتسويق في مرحلة ما بعد الإنجاز، نظرا للتكلفة العالية للمشروع والحاجة إلى تأمين أسواق دولية.
وخاضت إدارة المجمع مفاوضات شاقة مع عدة مؤسسات عالمية معروفة في قطاع المناجم دامت أشهرا، لتنجح في الوصول إلى صيغة نهائية لتأسيس الشركة الجزائرية – الصينية للأسمدة بالشراكة مع أسميدال.
وقد ركز الطرف الجزائري على صيغة الشراكة في الإنجاز والاستثمار لضمان التمويل وأيضا التسويق واستمرار تطوير المشروع.
وقال الرئيس المدير العام لسوناطراك توفيق حكار خلال توقيع العقود الثلاثاء الماضي إن “مشروع الفوسفات المدمج سيجعل من الجزائر إحدى الدول الرئيسية المصدرة للأسمدة”.
محمد هواين: سوف نستفيد من التكنولوجيا الصينية لتقليل التكاليف
وحسب المعطيات المقدمة خلال مراسيم التوقيع على الاتفاقية يعتبر الفوسفات المدمج أول مشروع مدمج في الجزائر في مجال الاستغلال المنجمي وإنتاج الأسمدة.
وأوضح حكار أن بلاده تنتج حاليا ما يقارب ثلاثة ملايين طن من مادة اليوريا وأنه بهذا المشروع ستنتج أكثر من 6 ملايين طن من المنتجات الفوسفاتية سنوياً.
وأكد أن التعاون مع شركات صينية مهم جدا من حيث قيمة الاستثمارات كما أنه سيحرك النشاط الاقتصادي في أربع ولايات (محافظات) في شرق الجزائر. وتتضمن الاتفاقية تطوير البنية التحتية ذات الصلة اللازمة لمواكبة المشروع والتي تقدر قيمتها بخمسة إلى ستة مليارات دولار.
وقال حكار: إن “المشروع سيحشد الكثير من الموارد المالية والبشرية والتقنية وستكون له آثار اجتماعية واقتصادية بالخصوص في شرق البلاد، باعتباره يمس أربع محافظات، وبطريقة غير مباشرة سبع محافظات من نفس الجهة”.
وليست للجزائر تقاليد في إنتاج الفوسفات ومن الواضح أنها تحاول اللحاق بنجاحات المغرب في هذا المضمار والاستفادة من تعثر جارتها تونس التي كانت في وقت ما الثانية عالميا في هذا المجال قبل أن يتراجع القطاع إلى مستوى غير مسبوق.
ومن الواضح أن البلد يريد تعزيز رهانه على الحلول الاقتصادية الصينية بعد انضمامه صيف 2019 إلى مبادرة الحزام والطريق الجديد، في ظل آمال بأن يساعده ذلك في تخفيف أزماته المالية المتراكمة لتحفيز النمو وتطوير البنية التحتية وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية.
واعتبر الرئيس المدير العام لمجمع أسميدال محمد الطاهر هواين أن الشركتين الصينيتين لديهما خبرة كبيرة في مجال التكنولوجيا وإنتاج الأسمدة والاستغلال المنجمي والفوسفات.
وقال: إن “الشركة الجزائرية – الصينية للأسمدة ستجري في البداية جميع الدراسات الاقتصادية والتقنية، وبعد ذلك سيتم توجيه جزء من الإنتاج نحو السوق المحلية وجزء كبير نحو التصدير مما سيجعل الجزائر أحد أهم المنتجين والمصدرين للأسمدة الفوسفاتية على المستوى الدولي”.
وأضاف هواين أن “هذا المشروع سيستخدم أحدث التقنيات لإنتاج كبير من المكونات الإيكولوجية بتكلفة أقل من خلال استعادة جميع التصريفات لصالح قطاعات أخرى، مثل الأشغال العمومية والبناء والطاقات المتجددة”.
– صحيفة العرب –
Discussion about this post