العالم الاقتصادي- وكالات
لا شك أن العالم سيتغير بعد شهور من الأزمة الغير مسبوقة التي يعيشها في الوقت الراهن، ولن يكون النصف الأخير من العام الجاري وبداية العام القادم بنفس الخريطة الاقتصادية الحالية التي ستشهد تصعد كيانات وتنخفض أخرى وتتقدم ركب دول وتتقهقر أخرى، كل ذلك يعتمد في المقام الأول على الحالة التي ستخرج بها كل دولة من تلك الكارثة العالمية الكبرى ودرجة تعافيها.. فما هي الخريطة الاقتصادية التي سيكون عليها عالم ما بعد العام 2020؟
ويرى مراقبون أن الشكل القادم للعالم سيتغير في كل شيء حتى السلوك المجتمعي والعلاقات بين الدول، وقد تكون هناك سياسات مختلفة تحكم العالم بعد سنوات قلائل.
عالم مختلف
وقالت حنان رمسيس الخبيرة الاقتصادية المصرية لـ”سبوتنيك”: “بلا شك إن اقتصاديات العالم في العام 2021 ستكون مختلفة جملة وتفصيلاً عن العام الحالي 2020، لأن الدول التي سوف تستطيع اتخاذ إجراءات صحية تقلل من فترة تواجد الوباء العالمي بها وانتصرت عليه بعد أن أصبح انتشاره كالنار في الهشيم، تلك الدول تمثل الواجهة الاقتصادية للعالم ما بعد الأزمة، وهي التي سيكون بمقدورها استكمال مسيرة التنمية الخاصة بها.
وأضافت الخبيرة الاقتصادية: “الفترة القادمة لن يكون الحديث عن الصين والولايات المتحدة فقط أكبر اقتصادين في العالم فقد تأثرت معظم اقتصاديات وبورصات العالم بالسلب بسبب كورونا (الجائحة) لأن العالم كان أمام خيارين الصحة أو المال والكثير من الدول تحولت إلى الصحة على اعتبار أن المال يمكن تعويضه أما الصحة فصعب تعويضها”.
ضخ الأموال
وأشارت رمسيس إلى أن الكثير من الدول تقوم باتخاذ الكثير من الإجراءات الاحترازية والاقتصادية لدعم اقتصادياتها بمليارات الدولارات للبقاء عليها متحركة وليست راكدة أو مشلولة تلك الإجراءات قد تساهم في نجاة بعض اقتصاديات العالم بعدما شاهدناه من انهيار الكثير من البورصات العالمية وعدم وجود شهية للتعامل والبعض الآن يتم التعامل إلكترونياً، حيث سيسود الإلكتروني أكثر خلال الفترة القادمة أكثر من اليدوي.
الدول الناجية
وأوضحت الخبيرة الاقتصادية أنه بعد الأزمة الحالية سيشهد اهتماماً كبيراً بالصحة ورعاية المواطن لمنع إصابته بالجراثيم والفيروسات بعد ما شاهدناه في الأزمة الحالية وسيكون في مقدمة الركب الاقتصادي العالمي من يستطيع عبور الأزمة ومعه احتياطيات آمنة من الذهب والعملات الأجنبية المتنوعة وبالتالي ستكون هناك اقتصاديات جديدة.
الخطر الأكبر
وقال الدكتور سعيد الشيخ الخبير الاقتصادي السعودي لـ”سبوتنيك”: لاشك إن وباء كورونا يمثل الآن أكبر خطر يواجه الاقتصاد العالمي منذ الأزمة المالية العالمية في عام 2008 وفي ظل المعطيات الحالية بتوسع دائرة انتشاره عالمياً يقدر أن يؤدي إلى تراجع نمو الاقتصاد العالمي إلى أقل من 2% العام 2020 مع انخفاض القيمة المضافة في الاقتصاد العالمي بنحو 1 تريليون دولار.
وأضاف الخبير الاقتصادي: على مستوى العالم بدأت قطاعات الأعمال تواجه تراجع الإيرادات مع التعثر في سلاسل العرض نتيجة إقفال المصانع في الصين ومن ثم قيام الصين بفرض حظر على حركة السفر على ملايين السكان كما امتد هذا الحظر على حركة السكان في إيطاليا وكوريا الجنوبية وكذلك فرنسا وإسبانيا وكثير من دول العالم مع تشديد إجراءات تقييد حركة الناس والنشاط التجاري.
الاقتصاد الصيني
وتابع الشيخ: نظراً لأن الاقتصاد الصيني يأتي في المرتبة الثانية عالمياً فإن تراجع نمو الاقتصاد الصيني سوف يؤثر سلباً على الاقتصاد العالمي ومن المتوقع أن ينخفض نمو الاقتصاد الصيني إلى نحو 3% خلال الربع الأول من عام 2020 بالمقارنة بـ 6% في الربع الأخير من عام 2019، وأن يعاود نموه في الربع الثاني بعد تجاوز أزمة كورونا.
وأكد الخبير الاقتصادي أن الصين تعتبر الدولة الأولى على مستوى العالم في استيراد النفط ولذا ساهم تراجع نمو الاقتصاد الصيني وكذلك تباطؤ نمو الاقتصادات الأخرى في تراجع نمو الطلب على النفط إلى مستوى متدني جدا مقارنة بالأعوام الماضية إذ من المتوقع أن يبلغ نمو الطلب 1,1 مليون برميل يومياً للعام 2020 كما جاء في تقرير وكالة الطاقة الدولية لشهر آذار.
وتابع الشيخ: جاء هذا الانخفاض في نمو الطلب في الوقت الذي انهار فيه اتفاق (أوبك +)، الذي دام ثلاث سنوات وقد تفاقمت أوضاع السوق النفطية بعد أن قررت كل من المملكة العربية السعودية وروسيا بزيادة إنتاجها حيث شهد سعر النفط انخفاضاً حاداً وصل إلى 25 دولاراً للبرميل في 18 آذار مع احتمال تراجعه إلى 20 دولار وربما أقل من ذلك خلال الأيام القادمة في ظل آفاق نمو الطلب التي أصبحت ضعيفة مع قيام كل من الولايات المتحدة ومجموعة الاتحاد الأوروبي وكثير من دول العالم بحظر السفر.
أزمة النفط
واستبعد الخبير الاقتصادي أن يتم الاتفاق على خفض الإنتاج بين مجموعة أوبك وروسيا في المدى المنظور ومن المحتمل أن يتكرر سيناريو 2015 الذي أعقب عدم الاتفاق على خفض الإنتاج في اجتماع أوبك في أيلول 2014 ومن ثم انهارت أسعار النفط وبقيت في مستويات متذبذبة عند نحو 41 دولاراً للبرميل حتى اجتماع تشرين الثانير 2016 الذي تم التوصل فيه إلى اتفاق بين أوبك ودول خارج (أوبك) بقيادة روسيا على خفض الإنتاج إلا أنه مع توقعات انحسار تأثير كورونا مع نهاية النصف الأول من هذا العام وكذلك قيام البنوك المركزية على مستوى العالم بخفض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية إلى جانب اتخاذ سياسات مالية تحفيزية من قبل كثير من دول العالم فإنه من المتوقع عودة النشاط الاقتصادي بشكل تدريجي خلال النصف الثاني من العام مع احتمالات تحسن نمو الطلب على النفط.
خسائر النفط
وأوضح الشيخ أن “التراجع الحاد في الأسعار والمتوقع استمراره في ظل عدم وجود اتفاق سوف ينعكس سلباً على موازنات الدول النفطية وبشكل خاص دول الخليج العربي مع زيادة العجوزات المالية وارتفاع مستويات الدين العام لهذا العام”.
وأضاف: “ويأتي في مقدمة القطاعات التي سوف تتأثر سلباً في غالبية دول العالم هي قطاع السفر والسياحة وعلى وجه الخصوص خطوط الطيران إذ إنها أساساً تتمتع بهامش ربح صغير ومستويات عالية من الدين والذي سوف يضع غالبية الخطوط في أوضاع مالية صعبة جداً مع احتمالات الإفلاس لبعضها.
وفي المرتبة الثانية سوف يتأثر سلباً قطاع الفندقة وإذا طال أمد حالة حظر السفر فإن كثير من الفنادق سوف تواجه أوضاع مالية صعبة جداً مع ارتفاع كبير في مديونياتها وكذالك الحال في قطاع تجارة الجملة والتجزئة فإن إقفال المولات وبعض الأنشطة سوف يتسبب في تراجع الإيرادات وتحقيق الخسائر لبعضها وبالذات تلك المؤسسات المتوسطة والصغيرة، أيضاً لا يمكن استبعاد قطاع الصناعة إذ هو الآخر الذي سوف يعاني من ضعف الطلب وبالذات صناعة المنتجات المعمرة مثل الأجهزة والسيارات مع تدني الطلب ومن ثم تراجع الايرادات وتراجع مستويات الربحية.
واختتم الخبير الاقتصادي: لاشك أن هذه التطورات سوف تشكل ضغوطاً على القطاعات البنكية إذا ما ارتفعت نسبة تعثر المديونيات وبشكل خاص في البنوك التي لا تتمتع برسملة قوية تمكنها من تغطية الديون المتعثرة.
توقعات قادمة
وأكد رئيس شركة “روسنفط” الروسية إيغور سيتشين أن أسعار النفط ستتوجه نحو الارتفاع وخلال نصف عام ستأخذ توجهاً “صحيحاً” وذلك لأن مستوى الأسعار الحالي لا يسمح بعمل منتجي النفط الصخري الأمريكي.
وقال سيتشين خلال حديثه للصحفيين بموسكو اليوم السبت: “تظهر معلومات حول توقف جزء من قطاع إنتاج النفط الصخري والسعر المنخفض الحالي للنفط لا يسمح بإنتاج النفط الصخري بشكل فعال ولذلك فإن السوق ستنتعش وأعتقد أن ذلك سيكون سريعاً وسنرى خلال نصف عام تغيرات إيجابية نحو الاستقرار”.
وتشهد أسعار النفط تراجعاً حاداً بعد انهيار اتفاقية (أوبك +) وسط توقعات متشائمة بأن أسعار النفط ستبقى في مستويات منخفضة ويمكن أن تزيد من تراجعها خلال الأشهر المقبلة.
المصدر: وكالة “سبوتنيك” للأنباء
Discussion about this post