العالم الاقتصادي- رصد
شكل احترار المناخ “عاملاً محفزاً” في توسع كروم العنب في أحد أكثر الأماكن صقيعاً في العالم.
مع تسبب أزمة المناخ بارتفاع درجات الحرارة العالمية، أصبح معروفاً أن صناع النبيذ في بلدان كإنجلترا بوسعهم الاستفادة من مواسم زراعية باتت تستنسخ ظروفاً اعتدنا أن نراها في مناطق كمقاطعة شامبانيا في شمال فرنسا.
ولكن ربما تمثل العنصر المعلوم بشكل أقل في حجم التوجه شمالاً والكيفية التي ساعد فيها الطقس وأنواع جديدة من العنب، على جلب زراعة الكروم إلى مناطق معروفة بمواسم شتاء مملؤة بالثلج والجليد مقارنةً بالظروف المناخية الأكثر استقراراً التي تفضل الكروم عادة أن تنمو فيها.
استطراداً، شهدت كل من السويد والنرويج وفنلندا التي لديها كلها مقاطعات جليدية قطبية، بالإضافة إلى الدنمارك، زراعة كروم عنب ناجحة في السنوات الأخيرة. ويرى الخبراء بأن القطاع يتوسع بشكل مطرد.
وفي الشهر الماضي، ذكر علماء في “المعهد الفنلندي للأرصاد الجوية” بأن القطب الشمالي يشهد احتراراً أسرع بأربعة أضعاف من سائر مناطق العالم. وتعزى هذه العملية إلى ظاهرة تُعرف بـ”التضخيم القطبي” يؤدي فيها ذوبان الجليد البحري إلى امتصاص مزيد من ضوء الشمس بواسطة المياه الداكنة، فينخفض الجليد البحري وترتفع حرارة المياه في المحيط. يتفاعل هذا الأمر أيضاً مع محتوى الرطوبة في الغلاف الجوي وتدفق الهواء اللذين يؤديان معاً إلى تغيير أنماط الطقس في القطب الشمالي ومناطق شمالية أخرى.
في تلك الأثناء، تأثر مزارعو النبيذ في إسبانيا بشكل كبير بفعل الجفاف وموجات الحر، وقاد إلى القطاف المبكر للكروم، وكذلك أجبر القطافون على جمع العنب في المساء حينما يكون الجو بارداً للعمل. وفي شمال أوروبا، تُعتبر السويد الدولة الاسكندنافية الرائدة التي ترفع التحدي بشأن ما هو ممكن في زراعة الكروم.
وفي هذا السياق، صرح هنريك أدفال المؤسس الشريك لـ”نورديك فينياردز” Nordic Vineyards، وهي سوق تجارية للنبيذ المنتج في اسكندنافيا خصوصاً ذلك المنتج في السويد، إلى صحيفة “اندبندنت” بأن العقدين الأخيرين شهدا طفرة في الإنتاج، خصوصاً بالنسبة إلى عنب “سولاريس” الشديد التحمل الذي يستخدم في صنع النبيذ الأبيض.
ووفق أدفال، “على الرغم من طقس السويد البارد جداً في هذا السياق، إلا أنها دولة منتجة للنبيذ بشكل رسمي منذ عام 1999. وبعد عشرين عاماً، بدأت الأمور تتحرك بشكل ملحوظ. وأصبحت السويد تزرع أصنافاً متعددة من العنب ومنها “سولاريس” عنب السويد “الخاص”. تغطي كروم العنب في السويد مساحة تتراوح بين 100 و150 هكتاراً ويشهد القطاع نمواً بنسية 10 إلى 20 في المئة كل عام”. وأضاف، “هنالك العديد من أصناف العنب التي تلائم المناخ في دول أوروبا الشمالية وتُقطف باكراً. كذلك توجد باستمرار أنواع عنب جديدة يجري إدخالها”. وقد لفت أدفال أيضاً إلى أن المناخ شكل “عاملاً محفزاً” في افتتاح كروم إضافية، إذ ساعد ارتفاع الحرارة في نضوج العنب وإنتاج نبيذ بجودة أعلى. بيد أن زيادة توافر العنب الذي ينضج في وقت مبكر من العام شكل عنصراً حاسماً في كيفية زيادة إمكانية زراعة الكروم في الدول الاسكندنافية.
وتطرق أدفال إلى حجم السوق، فأوضح أنه “في خريف عام 2020، كان هنالك 30 منتجاً للنبيذ في السويد أقل من عشرة منهم أكبر حجماً. تنمو غالبية الكروم التجارية بشكل سريع مع توقع زراعة بين 40 و50 هكتاراً إضافية في عام 2022”. وشدد أيضاً على أن غالبية ذلك النبيذ ما زالت تُستهلك ضمن دول المصدر، بيد أن السوق شهد “ارتفاعاً ملحوظاً” في الطلب المتأتي من البر الأساسي الأوروبي والآسيوي، خصوصاً اليابان. وأردف أدفال، “مع نمو الإنتاج وصناعة النبيذ، نتوقع ازدياداً ملحوظاً من خارج السويد خلال السنوات المقبلة”.
وإضافة إلى النبيذ الأحمر والنبيذ الأبيض الجاف، أدى المناخ إلى إنتاج ما يُعرف “بنبيذ الجليد” وهو نوع من نبيذ التحلية الغالي الثمن. ويُنتج بشكل كبير في كندا وألمانيا. وفي سياق إنتاج ذلك النبيذ، يُسمح فيه لعناقيد العنب أن تتجمد وهي لا تزال في الكرمة. وفي هذه الطريقة من الإنتاج، يجري عصر كتلة العنب فيما تكون تلك الفاكهة لا تزال مجلدة، فتُنتج كمية أقل من العصير، لكنه يكون أكثر كثافة وحلو المذاق بشكل كبير. مع نبيذ الجليد، يحصل التجليد قبل التخمير وليس بعده على غرار الحال في أنواع النبيذ الحلو الأخرى على غرار “سوتيرنز” Sauternes أو “توكاج” Tokaj.
وفي سياق متصل، صرحت البروفسورة آنا مارتنسون من “جامعة العلوم الزراعية السويدية” في “أُبسالا”، بأن صناعة النبيذ تنمو بشكل سريع في السويد. وبحسب رأيها، “تملك السويد رخصة من الاتحاد الأوروبي لزراعة 100 هكتار، ولكن باعتقادي تضاعف هذا العدد ووصل إلى 200 هكتار”. واعتبرت أنه فيما “يحاول عديدون من مزارعي العنب تقليد النبيذ الألماني/ الفرنسي”، إلا أن عديدين لم يدركوا بعد “الطاقة التي تكمن في زراعة نبيذ الجليد. وفي الوقت الحاضر، لا توجد في أحيان كثيرة ظروف لصناعة نبيذ الجليد في ألمانيا. إذ إن تلك السوق صغيرة الحجم، لكن نبيذ الجليد باهظ الثمن، بالتالي، لا يهم إن حظيتم بإنتاج صغير”.
ولدى سؤال أدفال عن الوقت التي سنستغرقه في عالمنا الذي دمرته أزمة المناخ في احتساء النبيذ المصنوع داخل الدائرة القطبية الشمالية، أجاب، “هنالك فرصة عادلة بأنه مع تغير المناخ وإدخال أنواع جديدة من العنب فضلاً عن زراعة مزيد من الهكتارات، سنشهد إنتاجاً أكبر. ويعاني جنوب أوروبا من وضع صعب مع الجفاف الذي أدى إلى إضعاف المحاصيل ورداءتها. لن يكون هنالك نقص في النبيذ الأوروبي خلال السنوات المقبلة، لكن ستكون هنالك حتماً مناطق جديدة في زراعة العنب وصناعة النبيذ”.
– The Independent–
Discussion about this post