بقلم: سامر طلاس
تسير الصين بسرعة لا تصدق، وتتصدر كل يوم مجالات الأبحاث كافة من العلوم إلى التكنولوجيا والهندسة، فالأرقام الموثقة تتحدث عن زيادة إنتاجها ومضاعفته /5/ مرات خلال الفترة ما بين 2003 و2016، ويتخوف العالم مع هذه الأرقام المثيرة للحسد من أمريكا التي لا تفعل شيئاً حالياً، إلا السعي لعرقلة الصين، بما قد يدفع البلدين إلى الوقوع في “مصيدة توكيديدس جديدة”، على شاكلة الصراع القديم بين أسبرطة وأثينا، وأنهت من خلالها الأولى على الثانية في حرب استباقية، ولكنها دمرت البلدين في النهاية، وصعدت مكانهما قوى أخرى، لم تسمح لهم بالصعود حتى اليوم.
هذه المصيدة جسدت كيف سار الصراع قديماً بين أسبرطة الدولة المتقدمة صاحبة النفوذ الكبير في العالم، وأثينا الدولة الضعيفة صاحبة الطموح الأثيني الذي لا حدود له، ما جعلها تجتاز صعوبات كبرى، وتحقق تقدماً كبيراً على الصعد كافة، ولا سيما الاقتصادية والسياسية والعسكرية، لتنافس بشكل متدرج النفوذ الأسبرطي، ولم تشغل أسبرطة نفسها في المقابل إلا بالتفنن في إنتاج طغيان يعيق أثينا، فشنت حرباً استباقية قضت من خلالها على أثينا.
“مصيدة توكيديدس” التي أصبحت حقيقة واضحة في نظر المعنيين بالصراع بين الولايات المتحدة والصين، وإن كانت القدرات ونوعية الصراع تختلف اليوم عما كان عليه العالم القديم، إلا أن الخوف المتجسد في كل تصريح، وكل قرار يخرج من الولايات المتحدة تجاه عرقلة تنامي قوة جديدة في مجال مختلف للصينيين يؤكد رعب القوة التقليدية في العالم، من قيام قوة بديلة تقضي على النظام العالمي المستقر منذ تسعينيات القرن الماضي.
ولكن طموح الصين قديماً لن يقف عند هذا الحد، بل على بسط نفوذها إلى المحيط الهندي، وتحديداً إلى دول في جوار الهند، غريمتها الإستراتيجية الإقليمية.
ومن جيبوتي الأفريقية إلى جزر سيريلانكا في المحيط الهندي، جنت الصين من القروض الضخمة نفوذاً سياسياً ومرابطة عسكرية، واليوم، تسلط الأزمة في المالديف الضوء على وضع الصين يدها على عدد من الجزر في أرخبيل المحيط الهندي المديون، ويقول محمد نشيد أول رئيس منتخب في المالديف أطيح عسكرياً، إن بلده عاجز عن تسديد قروض صينية قيمتها تتراوح بين /1.5/ بليون وبليوني دولار، أي 80 % من الدين الأجنبي المالديفي، فمن دون إطلاق رصاصة واحدة، قضمت بكين شطراً أوسع من أراضي المالديف التي وضعت عليها اليد «شركة الهند الشرقية» البريطانية في القرن التاسع عشر، ووضعت الصين اليد على عدد من جزر المالديف غير المأهولة، ومنها فيدهو فينولهو، القريبة من العاصمة المالديفية، وكانت في السابق مقر تدريب الشرطة، وجزيرة كالهوف فوشي الممتدة على طول /7/ كلم، ودفعت مقابل الجزيرة الأولى /4/ ملايين دولار، ومقابل الثانية ثمناً أقل.
في المحيط الهندي اتسمت الموانئ التجارية الواقعة في قبضة الصين بأبعاد عسكرية، فعلى سبيل المثال، إثر منحها جيبوتي ديوناً ببلايين الدولارات، أنشأت الصين في العام الماضي أولى قواعدها العسكرية الخارجية في هذا البلد الإستراتيجي الوازن والواقع في أقصى شمال غرب المحيط الهندي، وفي باكستان، نشرت بكين سفناً حربية لحماية مرفأ غوادار، في وقت تسعى إلى إنشاء قاعدة عسكرية في الجوار، وكللت استراتيجية الديون الصينية بالنجاح في كانون الأول 2018، حين سلمتها سيرلانكا مرفأها الإستراتيجي في هامبانتوتا مقابل /1.12/ بليون دولار، وأبرمت معها عقد إيجار مدته /99/ عاماً، وفي 2014، حين افتتحت سيرلانكا محطة الحاويات في ميناء كولومبو، وتكلفة تشييدها بلغت /500/ مليون دولار أقرضتها إياها الصين.
وعدَّل حاكم المالديف الدستور في 2015 ليتسنى للصين استملاك عدد من الجزر المالديفية، ويقضي قانون ملكية الأجانب الجديد باستثمار بليون دولار في مشاريع بناء، ومنح الحاكم هذا بكين أبرز عقود البنى التحتية التي تتولى هي تمويلها.
وترمي الاستراتيجية الصينية في جنوب آسيا والمحيط الهندي إلى إنشاء دائرة اتصالات وتجارة ونقل وأمن صينية، وفي باكستان نالت الشركات الصينية العامة عقود طاقة تمنحها ملكية المنشأة و16 % من عائداتها سنوياً، والممر الاقتصادي الذي تريد بكين شقه في باكستان هو الجسر إلى تدخل الصين وتغلغلها في الدولة الباكستانية، وهي تستثمر في قطاعات الطاقة والزراعة ومشاريع أمنية الصلة بينها وبين الممر ضعيفة، فالصين قوة اقتصادية جديدة.
Discussion about this post