د.عابد فضلية*
تُعد الشركة، أكانت صناعية، زراعية، عقارية، خدمية أم غير ذلك، شركة مساهمة عامة، عندما يُقسّم فيها رأس المال التأسيس إلى أسهم متساوية (قيمة السهم حسب الأنظمة السورية 100 ل.س)، قابلة للتداول (أي للبيع والشراء في سوق الأوراق المالية/ البورصة).
وفي هذا النوع من الشركات تكون مسؤولية الشركاء (أصحاب الأسهم) محصورة بمقدار حصصهم من رأس المال، أي بحدود قيمة الأسهم التي يمتلكونها، وبالتالي –قانونياً- فإن (الشريك/ المساهم) حامل الأسهم لا يُعدّ تاجراً، بل شريكاً أو مستثمراً، تنحصر مسؤوليته تجاه ديون الشركة (في حال الإفلاس التام) بقدر أو في حدود ما يمتلكه من أسهم، وتنحصر (في حال الخسارة) بــ(نسبة) ما يمتلكه من أسهم، وبالمقابل فإن موت الشخص الطبيعي حامل الأسهم، أو إفلاسه كشخص طبيعي أو اعتباري، لا يؤثر على وضع الشركة المساهمة العامة التي يمتلك فيها أسهماً، كما أنه لا يجوز تسمية الشركة المساهمة باسم شخص طبيعي، حتى ولو كان من كبار مؤسسيها أو مالكي أسهمها، ويمكن أن يكون الشركاء المؤسسين (أو حاملي الأسهم، أو متداوليها) من الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين أو من كلاهما، كما يمكن أن يحوز على أسهم من الشركة أشخاص طبيعيون أو اعتباريون سوريون (أو غير سوريين، بحسب ما تحدده القوانين المحلية النافذة)، وفي حال نص النظام الأساسي للشركة على طرح ما لا يقل عن (10%) من أسهمها على الاكتتاب العام، تكون هذه الشركة: شركة مساهمة عامة، وتخضع (بالطبع) لأحكام قانون الشركات (رقم 29) لعام (2011) الذي يقتضي تعديله، وفي حال لم يُرد مؤسسو الشركة طرح أي جزء أو نسبة من أسهم الشركة التي يؤسسونها على الاكتتاب العام أو للتداول في سوق الأوراق المالية (أي حصرها بالمؤسسين فقط)، فيُذكر ذلك في النظام الأساسي لهذه الشركة، فتكون هذه الشركة في هذه الحال (شركة مساهمة خاصة أو مغلقة)، وتخضع لغير الأحكام التي تخضع لها الشركات المساهمة العامة في قانون الشركات المذكور آنفاً.
لذا، وباعتبار أن الشركة المساهمة العامة تُؤسِس نفسها بأموال مؤسسيها من الأشخاص الطبيعيين و/أو الاعتباريين وبأموال المكتتبين العامين بأسهمها، فهي لا تتحمل تكاليف تأمين رأس المال اللازم لتأسيسها، ولا تكاليف رفع رأسمالها عند الحاجة أو عند التوسع بأنشطتها، فهذا يعني أن تكاليف الإنتاج والتشغيل السنوية لديها أدنى بنسبة (10%) على الأقل بالمقارنة مع تكاليف الإنتاج والتشغيل لدى المؤسسات الاقتصادية الفردية أم الاعتبارية الأخرى التي تمول نفسها كلياً أو جزئياً من المصارف.
وعدا عن الكفاءة التشغيلية المادية التي تُمكّن هذه الشركات من لعب دور هام وحيوي في عملية التنمية الاقتصادية، فإن لها دوراً اجتماعياً من خلال قدرتها على توفير مزيد من فرص العمل، والقيام بمسؤولياتها الاجتماعية وفرص التأهيل والتدريب والمزايا الشخصية التي تُقدمها.
ويُرسخ هذا الدور الاجتماعي من خلال منح هذه الشركات الفرصة للآلاف من الأفراد والعائلات أصحاب المدخرات الصغيرة لتوظيف وتشغيل مدخراتهم ومكتنزاتهم الراكدة والعقيمة لاستثمارها (تنموياً) من خلال فرصة الاكتتاب على الأسهم (هند التأسيس) أو شرائها (من سوق دمشق للأوراق المالية)، وإتاحة المجال بالتالي لتوزيع أرباح الأسهم السنوية على شرائح عريضة من أفراد وعائلات المجتمع السوري، فيتوافر بذلك لهذه الشرائح قوة شرائية إضافية (يُتوقع أن) تُوجّه في معظمها لتحريض الطلب الفعال في السوق على مختلف أنواع وأصناف السلع والخدمات، لتُحرّك وتدفع عجلة الإنتاج في مختلف القطاعات السلعية والخدمية.
ومن أهم مفاصل الجانب الاجتماعي للشركات المساهمة العامة، هو دورها في تعديل نسب توزيع الدخل القومي، ليقترب من الحدود التي تجعله أكثر عدالةً، وذلك، كما ورد آنفاً، من خلال توسيع شرائح الملاّك المستثمرين أصحاب الأسهم في الشركة الواحدة، من فرد واحد أو بضعة أفراد إلى مئات أو آلاف الأفراد والعائلات، وبالتالي تمكين آلاف الأفراد والعائلات من الحصول على نصيبهم من الأرباح، بدلاً من ذهابها إلى فرد واحد أو إلى بضعة أفراد، الأمر الذي يعني تغيّراً في تركيبة (مؤشر الدخل القومي)، لتزداد الأعداد والشرائح التي تحصل على الأرباح، مما يعني تحسن مؤشر العدالة الاجتماعية.
وعدا عن كل ذلك، لابد من التنويه إلى أن الشكل القانوني لــ(لشركات المساهمة العامة) يُعدّ من أرقى الأشكال المؤسسية للعمل الاقتصادي، والذي في حال اتساعه في الاقتصاد، تتسع معه مساحة الأداء الاقتصادي الشفاف المحوكم والمنظم، فتتعمق بالتالي الثقة الاستثمارية الداخلية والخارجية بهذا الاقتصاد، حيث إن هذه الشركات، وبدءاً من إجراءات ووثائق تأسيسها، والاكتتاب على أسهمها، ومروراً بكيفية ممارسة نشاطها وأداء عملها، وانتهاءً بدقة إفصاحاتها وبياناتها المالية، وقانونية اجتماعات هيئاتها العامة، وفي تداول أسهمها وتوزيع أرباحها…، فهي تخضع لرقابة دقيقة من قِبل العديد من الجهات الحكومية وتنفذ الضوابط الناظمة التي تضعها هذه الجهات، ومنها هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية، التي حُددت مهامها في قانون إحداثها رقم (22) لعام (2005)، كجهة ناظمة تعمل على ترسيخ شفافية وكفاءة وحوكمة أداء الشركات الخاضعة لرقابتها، وهي الشركات (المساهمة العامة) المدرجة أسهمها في سوق دمشق للأوراق المالية من (مصارف وشركات تأمين ووساطة مالية ومدققي حسابات)، للتأكد من التزام هذه الشركات والجهات بتطبيق (معايير الإفصاح الدقيق) و(مبادئ الحوكمة السليمة) و(معايير الأداء)، عدا عن الدور المناط بالهيئة، والمتمثل بالإسهام بنشر التوعية الاستثمارية المؤسسية المحوكمة، وتعزيز الثقة بين الفرقاء أصحاب المصلحة، وإجراءاتها التي من شأنها الحفاظ على توازن واستمرار المؤسسات والجهات ذات الصلة، وحماية المستثمرين والمتعاملين بأسهمها، لا سيما منهم الصغار والضعفاء.
على الرغم من ذلك، وباستقراء عدد وحجم هذا الشكل القانوني من الشركات المساهمة العامة، يلاحظ قلة عددها وضآلة حصتها الاقتصادية، مُقارنةً مع حجم الاقتصاد السوري وعدد المؤسسات والشركات الناشطة فيه، إذ يبلغ إجمالي عدد الشركات المساهمة (357) شركة، منها (304) مساهمة خاصة، و(53) شركة مساهمة عامة، منها (24) فقط مدرجة أسهمها في سوق دمشق للأوراق المالية.
لذا فإن مأسسة العمل الاقتصادي وحوكمته في سورية، أصبحت ضرورة اقتصادية واجتماعية حتمية، وخصوصاً في مرحلة إعادة البناء والإعمار القادمة، وهذه المأسسة تتطلب برأينا، أولاً: تأسيس وتشجيع تأسيس المزيد من الشركات المساهمة العامة، وخصوصاً في قطاعات الأنشطة الصناعية والإنتاجية السلعية الأخرى، وخصوصاً تلك الشركات التي تطرح نسباً كبيرة من أسهمها للاكتتاب العام، وثانياً: تشجيع تحول المؤسسات الفردية والشركات غير المساهمة والشركات المساهمة غير العامة إلى شركات مساهمة عامة، ولا شيء يمنع من تحول بعض مؤسسات وشركات القطاع العام الصناعي (المنتقاة) إلى شركات مساهمة عامة بالإستناد إلى أحكام مرسوم خاص يتم استصداره لهذه الغاية، وفي إطار شروط وضوابط ناظمة سليمة (لا مجال لذكرها الآن)، كما تتطلب مأسسة العمل الاقتصادي ثالثاً: زيادة رؤوس أموال الشركات المساهمة العامة القائمة، فيزداد بالتالي عدد أسهمها، بما في ذلك الأسهم التي تُطرح للتداول في سوق دمشق للأوراق المالية، عدا عن تمكين هذه الشركات من توسيع أنشطتها، وتولي المشروعات الكبيرة والاستراتيجية التي تحتاج إلى طاقة تمويلية كبيرة، وتتطلب (رابعاً) مأسسة العمل الاقتصادي: تحرير نسب أكبر من أسهم الشركات المساهمة القائمة ليتم طرحها للتداول في السوق، الأمر الذي يُنشطها ويُطور عملها لتُصبح أكثر فعالية في استقبال وإدراج أسهم المزيد من الشركات المساهمة العامة الجديدة للتداول.
إن مأسسة العمل الاقتصادي وحوكمته في سورية، من خلال توسيع قاعدة الشركات المساهمة العامة، وإضافةً إلى ما تم ذكره آنفاً، تعني أيضاً:
- عدم التملص من تسجيل العمال والموظفين بالتأمينات الاجتماعية.
- تضييق القدرة على التهرب الضريبي والجمركي.
- تقليص حجم اقتصاد الظل المخالف غير المرخص، والاقتصاد الرسمي المرخص المخالف.
- عمل إداري كفوء منفصل عن الملكية، وأعضاء مجلس إدارة معنيون (شخصياً) بنتائج قراراتهم.
- شركة مستمرة في الحياة، بغض النظر عن حياة أصحاب أسهمها، بمتوسط استمرار لا يقل عن (40 سنة)، بينما لا يزيد عمر الشركات العائلية عن (25 سنة) بالمتوسط.
وفي الختام لابد من الإشارة إلى الاهتمام الحكومي الجاد بتطوير القطاع المالي عموماً، بما في ذلك المصارف، كمؤسسات عامة وشركات مساهمة عامة، وسوق دمشق للأوراق المالية كمؤسسة داعمة لتحريك الاستثمار المالي ومسهلة لتأسيس وتطور وتوسع الشركات المساهمة العامة، ويتركز هذا الاهتمام بشكل خاص بتشجيع تأسيس المزيد من الشركات المساهمة العامة، وتمثلت هذه الإرادة الحكومية الجادة بالطلب الرسمي من الجهات ذات الصلة لإعداد و/أو تعديل التشريعات المناسبة لذلك، ولكن لابد من الإشارة أيضاً إلى ضرورة الإسراع بإنجاز مسودة تعديل قانون الشركات رقم (29) لعام (2011)، والإسراع باستصدار قانون الاستثمار المعدل، وقوانين إحداث المصارف العامة..، وكما نرى ضرورة إعادة النظر بأحكام التنظيم والشكل المؤسسي المتضمنة في قوانين هيئات (التطوير) و(التمويل) العقاري، والتأجير التمويلي..، أو ..، التمويل التأجيري، ولا أعلم أية تسمية منها هي الأصح، ولكني أعلم (جازماً) أن المقصود بها هو الـــ (ليزينغ).
____________________________
* رئيس هيئة الأوراق والأسواق المالية السورية
Discussion about this post