بقلم د. شاهر إسماعيل الشاهر
أستاذ العلاقات الدولية في جامعتي دمشق والفرات
أثرت الحرب على جميع مناحي الحياة في سورية، وكان القطاع الاقتصادي هو الأكثر تضرراً نتيجة الظروف التي فرضتها الحرب، فأصبح التحدي الأهم هو كيفية تحول الاقتصاد السوري إلى اقتصاد حرب والتخطيط لمرحلة ما بعد الحرب “مرحلة إعادة الإعمار”.
معطيات
في الآونة الأخيرة كثر الحديث الإعلامي والسياسي عن مرحلة إعادة الإعمار بناء على عدّة معطيات، نذكر منها ما يلي:
1- انتصارات الجيش العربي السوري وحلفائه.
2- التخبط الداخلي الذي تعيشه الدول المعادية لسورية والداعمة للإرهاب فيها، فمثلاً:
أ- الولايات المتحدة الأمريكية أصبح لها رئيسها الجديد، وذهبت الإدارة التي خططت للحرب على سورية.
ب- السعودية تعيش حرباً مفتوحة في اليمن وصراعات داخلية على السلطة.
ج- تركيا تعيش منذ الانقلاب الأخير حالة من عدم الاستقرار الداخلي، وإن كان غير معلن بالدرجة الكافية.
د- تغيّر الموقف العالمي من المسألة السورية نحو الأفضل.
وكانت الأمم المتحدة قد نشرت تقريراً قالت فيه: إن مستوى الدمار في سورية لم يسبق له مثيل، وقال معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحث: إن استنتاجاته مبنيةٌ على صورٍ التقطتها الأقمار الصناعية لمدنٍ سوريةٍ، كدير الزور وحلب وحمص وحماة والرقة.
مبادئ
سوف أحاول هنا طرح بعض المبادئ المقترحة لإعادة الإعمار في سورية، وهذه المبادئ، هي:
1- إعادة الإعمار ضمن خطة وطنية تكفل عدم المساس بالسيادة السورية تجنب سوريا تقديم أي تنازلات حفاظا على استقلال قرارها الوطني.
2- الانطلاق بعملية إعادة الإعمار من إعادة بناء الإنسان السوري تحت مظلة الولاء المطلق للوطن وإعادة تأهيله للعلاقات المواطنية والاجتماعية.
3- ينبغي أن تنفذ عملية إعادة الإعمار وفقاً لأهداف اقتصادية ومالية واجتماعية وبيئية واضحة.
4- اﻟﻬﺪف اﻟﺮﺋﻴﺴﻲ ﻹﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء هﻮ ﺗﺼﺤﻴﺢ كل أﺷﻜﺎل اﻟﺨﻠﻞ اﻟﺘﻘﻠﻴﺪي ﻓﻲ ﺑﻨﻴﺔ اﻻﻗﺘﺼﺎد والمجتمع السوري ﻋﺒﺮ ﺿﻤﺎن ﺗﻨﻮّع اﻟﻘﻄﺎﻋﺎت اﻟﻤﻨﺘﺠﺔ وﺗﻨﻤﻴﺔ كل المناطق في سوري.
5- ﻻﺑﺪّ ﻟﻌﻤﻠﻴﺔ إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء أن ﺗﺸﻜّﻞ ركيزة ﺗﻨﺒﺜﻖ ﻣﻨﻬﺎ ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﻨﻤﻮﻳﺔ ﺗﻀﻤﻦ ﻧﺴﺒﺔ ﻧﻤﻮ ﻣﺮﺗﻔﻌﺔ وﻣﺘﻮاﺻﻠﺔ ﻟﻼﻗﺘﺼﺎد ﻣﻦ ﺧﻼل الاعتماد على التنمية المستدامة ومبادئ التخطيط المتوازن و ﺗﻌﺒﺌﺔ اﻟﻤﻮارد اﻟﺒﺸﺮﻳﺔ واﺳﺘﻐﻼل الطاقات السورية في كل المجالات.
كما يتوجب ﺗﻄﺒﻴﻖ اﻟﻤﺒﺎدئ اﻟﺘﺎﻟﻴﺔ:
- إﻋﻄﺎء اﻷﻓﻀﻠﻴﺔ ﻟﻠﺼﻨﺎﻋﺎت السورية ﻓﻲ كل ﻣﺸﺎرﻳﻊ إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء.
- إﻋﻄﺎء اﻷﻓﻀﻠﻴﺔ ﻟﻠﻴﺪ اﻟﻌﺎﻣﻠﺔ السورية ﻟﻠﻌﻤﻞ ﻓﻲ كل ورش إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء.
- الاعتماد على مؤسسات القطاع العام و مؤسسات الاسكان و الإنشاء العسكرية في عملية إعادة الإعمار بعد دعمها بأحدث تكنلوجيا البناء وتأهيلها الإداري.
- إﺷﺮاك اﻟﺠﺎﻣﻌﺎت وﻣﻌﺎهﺪ اﻟﺪراﺳﺎت اﻟﻌﻠﻴﺎ واﻟﻔﻨﻴﺔ وﻃﻼﺑﻬﺎ ﻓﻲ أﻋﻤﺎل إﻋﺎدة اﻟﺒﻨﺎء.
- العمل على إصلاح البنية الإدارية و القانونية لتتسم بالوضوح والشفافية والديناميكية والتخلص من الروتين والبيروقراطة والفساد.
- من الضروري أن تشكل الأحزاب الوطنية و منظمات المجتمع المحلي و المنظمات الشعبية والإعلام السوري الوطني مرصداً لمراقبة عملية إعادة الإعمار بهدف إعلام الرأي العام عن سلامة عملية إعادة الإعمار وحسن إدارة الموارد وجودة التنفيذ دون هدر أوفساد.
- ﺗﻮكل إﻟﻰ الإدارة المحلية كل اﻟﻤﻬﺎم اﻟﻤﺮﺗﺒﻄﺔ ﺑﺎﻟﺤﻤﺎﻳﺔ اﻻﺟﺘﻤﺎﻋﻴﺔ واﻟﺘﻨﻤﻴﺔ اﻟﻤﺤﻠﻴﺔ والخدمات الإساسية والتعليم.
- يرافق عملية إعادة الإعمار عملية إصلاح سياسي و إداري وإجتماعي و تعلمي.
مقترحات
مما تقدم سنقدم منهجية مقترحة لإعادة الاعمار: منها ما يتم على التتابع ومنها ما يتم على التوازي.
1– ترتيب الأولويات:
- إعادة الأسر السورية المهجرة إلى بيوتها بعد ترميمها وإعادة الخدمات الأساسية لمناطقها.
- إعادة تأهيل وتشييد البنى التحتية التي استهدفت بشكل مباشر من قبل الجماعات الإرهابية.
- تبني سياسات اقتصادية تحدث تغير في واقع الاقتصاد السورية مما يؤثر على امتصاص جزء من البطالة, وهذا يكون بإعادة تأهيل وتشغيل المعامل في المدن الصناعية وغيرها. وتأمين المواد الأولية و حوامل الطاقة للصناعيين (تأمين التمويل اللازم لهذا الأمر).
2- مراحل إعادة الإعمار:
- عقد مؤتمر وطني لإعادة الإعمار، يهدف هذا المؤتمر لتحديد أولويات إعادة الإعمار والاتفاق على الشركاء والتمويل.
- تطوير التشريعات (قانون التشاركية. القانون الضريبية. الرسوم الجمركية …)
- تعزيز القدرات السورية بكوادر بشرية مؤهلة ومدربة و تجهيزات حديثة و تكنولوجيا متطورة.
- احداث بنية تنظيمية مناسبة تتصف بالكفاءة والقدرة على العمل بعيدا عن البيروقراطية والروتين, وهنا نتحدث عن إحداث هيئة عليا لإعادة الإعمار يكون مجلس إدارتها من الحكومة و بعض الجهات المانحة او المشاركين بعملية إعادة الاعمار كالبنوك بالإضافة إلى خبراء و مختصين من هيئة التخطيط الإقليمي و هيئة التخطيط والتعاون الدولي وإيجاد آلية فعالة للرقابة على عمل هذه الهيئة.
- تأسيس صناديق خاصة بالإعمار, تكون مهمتها مرتكزة على إعادة تأهيل البيوت و المناطق المتضررة, وتتشكل موارد هذه الصناديق من الإعانات أو المنح الدولية, بالإضافة إلى المساهمة الوطنية وتبرعات المواطنين السوريين و خاصة المغتربين.
- تحديد مصادر التمويل: مصادر تمويل خارجية كالاقتراض من الدول الصديقة بشكل يتوافق مع المبدى الأساسي لإعادة الاعمار وهو عدم المس بالسيادة الوطنية و تقديم التنازلات للدول المقرضة، ومصادر تمويل داخلية بالاعتماد على الموارد المحلية من مدخرات السوريين داخل وخارج سورية وإعادة هيكلة الموازنة العامة و النظام الضريبي .
- تأسيس شركات مساهمة ســـورية كبرى، يكون كل مساهميها أو معظمهم من السوريين وتعطى هذه الشركات الأولوية في مشاريع إعادة الإعمار، بالإضافة إلى المزايا التحفيزية الأخرى من إعفاءات الجمركية أو تخفيض ضرائب و غيرها من المحفزات.
- إجراء عقود مع شركات عالمية في مجال الصناعات الاستخراجية، ولا سيما بما يتعلق بالمكتشفات الجديدة في مجال النفط والغاز مقابل السواحل السورية في البحر الأبيض المتوسط، هذا سيشكل رافدا مهما لتلبية الاحتياجات التمويلية في البلد.
خطة خماسية
برأيي فإن خطة إعادة إعمار سورية تتلخص بخطة خماسية، مضمونها ما يلي:
- محاربة الفساد بأشكاله كافة، والتخلص من المظاهر المسلحة في الدولة، ومحاسبة المسؤولين الفاسدين وأثرياء الحروب.
- الاستفادة من خبرات الدول الصديقة، والبدء بالأساسيات: البنى التحتية، الماء، الصرف الصحي، الكهرباء، المدارس، المواصلات….. وغيرها شرط الدقة من خلال تعيين متخصصين ذوي كفاءة، مع مراقبتهم تحت طائلة العقوبات القانونية في حال الشذوذ.
- الأولوية في إعادة الإعمار للسوريين، فعقود الاستثمار وتراخيص الإعمار يجب أن تُعطى لرجال الأعمال والمستثمرين السوريين الذين ساندوا الجيش العربي السوري، ثم تأتي روسيا وإيران والصين والدول التي وقفت بجانب الدولة السورية.
- استبعاد نهائي لتركيا ودول الخليج من أي عقود استثمار وحظر استيراد منتجاتها.
- وضع نظام ضريبي ملزم لأصحاب الدخل العالي.
Discussion about this post