العالم الاقتصادي- رصد
ربما يلاحظ البعض ذلك الانتشار التدريجي لنزلات البرد والإنفلونزا بين الناس في هذه الفترة مع اقتراب فصل الشتاء. تلاحظ هذه الحالة بوضوحٍ كلما بدأت تنخفض درجات الحرارة أكثر، أي إنها تنتشر حاليًا في بعض المدن أو الدول التي تعاني من تقلبات في الطقس البارد.
هذا الانتشار يبدو واضحاً في عديد المدن الأوروبية التي بدأ يتضح فيها المناخ البارد وأجواء الشتاء بالفعل ومؤخراً كان هناك العديد من التقارير عن أشخاص أصيبوا بنزلات البرد الشديدة في دول أوروبية، وبشكلٍ خاص في المملكة المتحدة.
هذا يعني غالبًا أن الدور سيكون قادماً على المنطقة العربية عندما تنخفض درجات الحرارة، وقد يظن البعض أن هذا أمر طبيعي مرتبط بفصل الشتاء كما اعتدنا طوال السنين الماضية.
حسناً هذا صحيح نسبياً لكن هناك جزءًا غير طبيعي يتعلق بشدة نزلات البرد ومعدل انتشارها الواسع هذا الشتاء تحديداً بشكل ربما لم نشهده من قبل طوال عشرات السنين.
السبب؟ بالطبع جائحة كورونا فما عشناه بسبب هذه الجائحة العام الماضي سيجعل من فصل الشتاء الحالي فصلًا صعبًا جدًّا من الناحية الصحية على كثير من الناس وهذا ما نتناوله في السطور التالية.
لاحظ البعض كيف أن موسم نزلات البرد في الشتاء الماضي كان واحدًا من أقل المواسم انتشارًا، وأكدت الإحصائيات ذلك دون مواربة. فطبقًا لمراكز الوقاية والتحكم في الأمراض الأمريكية، كان نشاط الإنفلونزا منخفضًا بشكل غير عادي طوال موسم الشتاء 2020-2021 في كلٍّ من الولايات المتحدة والعالم، فكان هناك 1675 عينةً إيجابيةً مصابة بالفيروس من إجمالي أكثر من 800 ألف اختبار أُجري، وهو ما يمثل نسبة 0.2% فقط. بينما بلغت نسبة عينات فحص الجهاز التنفسي الإيجابية للإنفلونزا في المواسم الثلاثة الماضية قبل جائحة كورونا؛ ذروتها بنسب تقدر بين 26.2% و30.3%.
موسم إنفلونزا شديد والسبب كورونا
ساهم المستوى المنخفض لنشاط فيروس الإنفلونزا خلال الموسم الماضي في تقليل حالات دخول المستشفيات والوفيات بشكلٍ كبيرٍ مقارنةً بمواسم الفيروس السابقة. وبالنسبة لوفيات الأطفال، تلقى مركز السيطرة على الأمراض تقريرًا واحدًا عن وفاة الأطفال بالإنفلونزا خلال موسم 2020-2021. بينما تراوحت الوفيات المبلغ عنها بين الأطفال منذ عام 2004، نحو 37 إلى 199 وفاة.
يأتي هذا الانخفاض نتيجةً للتدابير العديدة التي وضِعت للحد من انتقال فيروس كورونا، ومنها الحد من السفر، وارتداء الأقنعة، والتباعد الاجتماعي، وإغلاق المدارس، والإستراتيجيات الأخرى التي شهدها العالم كله؛ مما ساهم في انخفاض كبير للإنفلونزا والأمراض المعدية الأخرى، ونزلات البرد وغيرها، خلال الموسم الماضي.
ما سبق يبدو خبراً سعيداً لكن الخبر الحزين هنا هو أن موسم الإنفلونزا الخفيف العام الماضي قد يؤدي إلى زيادة حالات الإصابة في الموسم الحالي، بحسب ما أظهرته إحدى الدراسات القائمة على وضع النماذج الرياضية المستقبلية للأمراض المعدية، والتي أجراها الباحثون في الولايات المتحدة.
ففي حين أن الحد من انتشار الإنفلونزا كان أمرًا جيدًا، فإنه قد يعني أن الفيروس سيضرب أكثر من المعتاد هذا الشتاء. هذا سببه أن الكثير من المناعة الطبيعية التي يطورها الناس للمرض تأتي من انتشار هذا المرض بين السكان. ولأن عدد الناس المصابة كان قليلًا جدًّا، فإن انتشار المناعة الطبيعية كان محدودًا.
تحدث الإنفلونزا بسبب عدة سلالات من الفيروسات التي تتحور بمعدلات مختلفة كل عام، بطريقة لا تختلف عن الطفرات التي تحدث في فيروس كورونا. يعتمد مستوى المناعة الحالية للشخص ضد سلالة الفيروس في العام الحالي على عدة متغيرات، تشمل مدى تشابه السلالة الحالية مع السلالة التي تعرض لها الشخص عندما كان طفلًا لأول مرة، وما إذا كانت السلالات المنتشرة تشبه السلالات التي سبق أن تعرض لها، ومدى حداثة العدوى هذه، إذا حدثت.
التفاعلات البشرية التي جرى حظرها الموسم الماضي، مثل تجمع الأطفال معًا في الفصول الدراسية، أو الأشخاص الذين يحضرون التجمعات الكبيرة من جهة، واستخدام التدابير الوقائية مثل ارتداء القناع الواقي من جهة أخرى، كلها تؤثر في مدى انتشار الفيروس بين الناس. ومن بين العوامل الأخرى التطعيم. إذ تعتمد مناعة السكان على نسبة الأشخاص الذين يتلقون لقاح الإنفلونزا في موسمٍ معين ومدى فعالية – أو مطابقة اللقاح – ضد سلالات الإنفلونزا المنتشرة، مع إجراءات الحظر الكلي للحد من انتشار كورونا، لم يصب الناس بفيروس الإنفلونزا العام الماضي، وعليه لم تطور أجسامهم أية مناعة ضده.
لحسن الحظ، هناك لقاحات آمنة وفعالة للإنفلونزا تقلل من خطر العدوى والأمراض الشديدة. لكن المشكلة أنها لا تمنع الإصابة تمامًا بالفيروس، بالإضافة إلى ذلك، يختلف مدى جودة عمل هذه اللقاحات من سنةٍ إلى أخرى. وهذه المشكلة تأتي بسبب تحوُّر فيروسات الإنفلونزا بسرعة أكبر؛ مما يعني أن سلالات متعددة للإنفلونزا تنتشر وتتغير كل عام.
ومع انخفاض حالات الإنفلونزا بشكل ملحوظ خلال الـ18 شهرًا الماضية، فإن التنبؤ بالفيروسات التي ستهيمن هذا الشتاء أمر أكثر صعوبة من المعتاد. لذا، علاوة على أن احتمال تعرضك للإصابة بالإنفلونزا بشكلٍ أكبر لعدم وجود مناعة طبيعية، هناك أيضًا خطر أكبر من المعتاد هذا العام من أن الحصول على لقاح لن يكون فعالًا كالمعتاد!
إذن.. كيف تحمي نفسك؟
هناك خطوات بسيطة يمكن أن تساعدك على الوقاية:
- لقاح الإنفلونزا
بشكلٍ عام، لا يوجد تعارض بين أخذ لقاح كورونا ولقاح الإنفلونزا. لذلك، إذا كنت تخشى من إصابتك بعدوى نزلات البرد الموسمية بشدة (إذا كانت مناعتك غير جيدة أو تملك أمراضًا مزمنة)، فربما عليك أن تتناول اللقاح حتى لو كان من المحتمل أن يكون أقل فعالية، ففعالية قليلة أفضل من عدم وجود مناعة إضافية على الإطلاق.
ومن الأفضل الحصول على لقاح الإنفلونزا في أقرب وقت ممكن في الخريف، ويجب أن تحصل عليه في موعد لا يتجاوز نهاية شهر أكتوبر (تشرين الأول)، لأن الأجسام المضادة ضد الفيروس تستغرق أسبوعين على الأقل لتتطور بشكل كامل بعد التطعيم. هذا يعني أن تأخذه الآن.
- ممارسة تنظيف اليدين
اغسل يديك لمدة 20 ثانية كاملة، هذا ما وصى به من المختصون الطبيون. خذ الوقت الكافي للقيام بذلك بشكلٍ صحيحٍ، وافعل ذلك كثيرًا.
- الحد من عدد الزائرين في المنزل
نحن نشتاق للزوار بعد غيابهم بسبب جائحة كورونا، لكن من الحكمة الحد من تعرضك للزوار في المنزل خلال موسم الذروة لنزلات البرد.
- لا تستغنِ عن القناع
فيروسات الإنفلونزا تنتشر مثل كورونا، لذا ارتداء القناع الواقي مهم للحد من الإصابة. كما أن قطرات السعال والعطس الصغيرة يمكن أن تظل محمولةً في الهواء لفترة أطول بكثير وتقطع مسافاتٍ أكبر، مما يزيد من فرصة استنشاق الهواء الملوث في المكاتب والمصاعد والطائرات والفصول الدراسية وغرف الانتظار والأماكن الداخلية الأخرى.
- وأخيرًا انتبه للأعراض
عادةً ما تكون الحمى، والأوجاع، والقشعريرة، والتعب، علامات واضحة للإصابة. إذا شعرت بألم وحمى عند الاستيقاظ ويزدادان سوءًا بحلول الظهيرة، فاستشر الطبيب في أسرع وقتٍ ممكن. والأفضل ألا تذهب للعمل حتى لا تنقل العدوى لزملائك.
– ساسة بوست-
Discussion about this post