العالم الاقتصادي- دراسات
أصدر المركز الوطني للسياسات الزراعية دراسة بعنوان: الانتقال من اقتصادات الحرب إلى اقتصادات السلم- القطاع الزراعي نموذجاً بين فيها أن نسبة قيمة الناتج الإجمالي المحلي الزراعي لن تتجاوز 66 % في العام 2023.
وتخلص الدراسة إلى اقتراحات لتعديل بعض السياسات الحكومية التي كانت مطبقة خلال فترة الحرب ولاسيما تفعيل الدعم الزراعي، كما تقترح إعادة تفعيل التعاون الدولي الإنمائي والتحول على المدى البعيد من بلد يعتمد – إلى حد ما- على الخارج في مواده الأولية الزراعية إلى بلد يعتمد على إنتاجه الذاتي لتأمين هذه المواد اللازمة للإنتاج الزراعي والصناعات الغذائية.
جهود تحسين المعيشة خلال الحروب
كشفت الدراسة أنه خلال فترات النزاعات والحروب تتأثر جهود تحسين معيشة السكان عموماً والسكان الريفيين خصوصاً بالفقر الناجم عن منعكسات الأزمة، وإذا كان تدمير البنى التحتية والخدمات الضرورية للنشاط الاقتصادي كالنقل والكهرباء والمصارف الزراعية والمعامل يقود إلى ندرة في السلع، وبالتالي تراجع في مستوى المعيشة وتفشي البطالة وارتفاع معدلات التضخم، فإن توقف الأعمال العسكرية لا يكفي بمفرده لتحسين الحالة الاقتصادية وعودة الحال إلى ما كان عليه قبل الأزمة، فلكي تنجح عملية إعادة تموضع الاقتصاد في فترة السلم يجب أولاً تقييم الظروف المحلية والفرص الاقتصادية، وتنظيم التعاون مع منظمات المجتمع المدني المنظمات غير الحكومية، والاستفادة من مشاريع الائتمان الصغير والمنظمات الدولية المعنية ومراكز التدريب، وتأسيس مثل هذه المنظمات التمويلية والمشاريع الإعمارية في حال عدم وجودها أو دعمها إذا كانت موجودة.
وهنا من المهم أيضاً دعم القطاع الخاص وتشجيعه على الاستثمار وخلق بيئة قانونية مناسبة للمشاريع، وفي حالة إعادة الإعمار بعد الحرب تعتبر جميع أنواع المشاريع مهمة وضرورية، سواء منها القصيرة أم المتوسطة أو الطويلة الأجل، فلكل منها وظيفة وغاية في إطار إعادة الإعمار.
حجم الاستثمارات الأجنبية
أشارت الدراسة إلى أن تكلفة إعادة الإعمار تقدر بحوالي /220/ مليار دولار وبالتالي إذا تمكن القطر من تمويل جزء مهم من هذه التكلفة بالاستثمارات الخارجية تكون سياسة إعادة الإعمار تحقق عملياً نجاحاً ملموساً في الطريق نحو التعافي واستعادة النشاط الاقتصادي، وبحسب بعض التقديرات لو استمر معدل تدفق الاستثمارات كما كان قبل الأزمة، بحيث نفترض أن الأزمة لم تقع أصلاً، لكان حجم الاستثمارات حالياً يتراوح بين /3 و 4/ مليارات دولار أي ما يعادل 25 – 30 % من الناتج الإجمالي المحلي للعام 2016 بسعر الصرف الرسمي /12.4/ مليار دولار بسعر صرف يعادل /460/ ليرة للدولار .
كما تجدر الإشارة إلى أن حجم الاستثمارات الأجنبية إلى سورية كان قد وصل إلى ذروته في العام 2009 بقيمة تبلغ /2.57/ مليار دولار ولكنه انخفض في العام 2010 إلى /1.48/ مليار دولار ومن ثم إلى / 0.8/ مليار في العام 2011.
ويلاحظ من جهة أخرى ارتفاع نسبة الاستثمار الأجنبي إلى الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطّرد خلال الفترة بين العامين 2002 و2009 إذ كانت تبلغ 0.55 % في العام 2002 فصارت 4.78 % خلال العام 2009 وهي أعلى نسبة طوال الفترة المذكورة.
الشراكة مع القطاع الخاص
تعد القدرة على اجتذاب الاستثمارات المحلية والدولية هي المتغير الأهم المعبر عن كفاءة سياسات إعادة الإعمار المطبقة، وبمقدار نجاح هذه السياسات ستتمكن الحكومة من جذب الاستثمارات المحلية والدولية الصديقة، فإذا افترضنا أن الدولة قامت بالعمل على إعادة تأهيل البنى التحتية وإرساء قوانين وتدابير شفافة وإجراءات فعالة وسياسات مشجعة للاستثمار؛ فسوف يساعد ذلك على اجتذاب الاستثمارات الأجنبية وحتى المحلية، ولا سيما إن تم إيلاء موضوع الشراكة مع القطاع الخاص الاهتمام الكافي، حيث سينعكس ذلك كله على زيادة معدلات استثمارات القطاع الخاص من جهة؛ وعلى الاستثمارات المباشرة الأجنبية من جهة أخرى، ويمكن إلى حد كبير اعتبار هذا المتغير ممثلاً عملياً لسياسات إعادة الإعمار.
ثلاثة سيناريوهات.. بين التشاؤم والتفاؤل والحياد
وبناء عليه وضعت الدراسة ثلاثة سيناريوهات مختلفة لهذا العامل لمراقبة انعكاس تغيره على الناتج الإجمالي المحلي الزراعي، السيناريو الأول المتشائم حجم الاستثمارات بعد 5 أعوام أي في العام 2023 لا يتجاوز /0.5/ مليار دولار مع الإشارة هنا إلى أن الدراسة انطلقت من العام 2018.
قبيل الأزمة، ففي العام 2010 كانت قيمة الاستثمارات الأجنبية قد بلغت ما يقل عن /1.5/ مليار دولار، أي إن الاستثمارات بعد 12 سنة من بداية الأزمة وتتضمن افتراضاً 5 سنوات من انطلاق السلام والبناء لم تعد إلى نصف القيمة التي كانت عليها بالرغم من أنها أصلاً لم تكن قيمة مرتفعة قياساً بما قبلها.
السيناريو الثاني حيادي نسبياً، حجم الاستثمارات بعد خمسة أعوام أي في العام 2023 بحدود /1.5/ مليار دولار، وفي هذه الحالة تكون الاستثمارات قد عادت إلى القيمة التي كانت عليها في العام 2010 أي قبيل الأزمة، ولكن هذه العودة تكون قد تحققت في العام 2023، أي بعد 12 من الأزمة وانطلاق الإعمار.
السيناريو الثالث متفائل، حجم الاستثمارات بعد خمسة أعوام أي في العام 2023 بحدود /3.5/ مليارات دولار، وفي هذه الحالة تكون الاستثمارات قد عادت إلى القيمة التي كانت لتكون عليها في العام 2016 فيما لو لم تقع الأزمة، ولكن هذه العودة تكون قد تحققت في العام 2023، أي بعد 7 سنوات من السنة التي كانت لتكون عليها لو لم تقع الأزمة.
وفي الوقت الذي يمثل فيه السيناريو الأول ضعفاً وبطئاً في عملية إعادة الإعمار بافتراض انطلاقها في العام 2018 ويشير إلى وجود حاجة واضحة لتعديل السياسات المتبعة، فإن السيناريو الثاني يشير إلى نجاح معقول لتلك السياسات لأنه يعيد قيمة الاستثمارات إلى ما كانت قبل الأزمة خلال فترة زمنية قصيرة نسبياً، أما السيناريو الثالث فهو يمثل نجاحاً كبيراً بتجاوز منعكسات الأزمة لأنه يعيد قيمة الاستثمارات إلى ما كانت لتكون عليه في العام 2016 ولكن بتأخير 7 سنوات، وهذه تأتي لتتغلب على منعكسات 7 سنوات أزمة.
/7/ تحديات تواجه الحكومة
بعد مضي أكثر من سبع سنوات على بدء الحرب الظالمة على سورية بدأت تبرز الحاجة إلى الشروع بتطبيق سياسات إعادة إعمار سورية ووضع أسس استراتيجية لهذه السياسات من خلال الانتقال من اقتصاد استثنائي فرضته ظروف الأزمة والحرب إلى اقتصاد ديناميكي، مهمته هي المساهمة بإرساء السلام وجعله مستداماً، وفي هذا الإطار تواجه الحكومة جملة من التحديات الراهنة أبرزها:
1- تراجع الناتج الإجمالي المحلي.
2– هبوط معدلات التشغيل في القطاعات الإنتاجية.
3– تراجع المدخرات الوطنية.
4– تدمير في البنى التحتية.
5– انخفاض سعر الليرة مقابل الدولار.
6– ارتفاع معدلات التضخم.
7- المشاكل المالية والقانونية المرتبطة بالأصول المجمدة.
إعادة البناء في مرحلة ما بعد الحرب
خلصت الدراسة إلى أن إطار إعادة البناء في مرحلة ما بعد الحرب يتألف من ثلاث مراحل متداخلة وغير منفصلة هي مرحلة الاستجابة المبدئية– مرحلة التحول أو الانتقال – مرحلة رعاية الاستدامة، وبالإجمال تشمل عملية التعافي الاجتماعي والاقتصادي وإعادة الإعمار بناء القدرات المؤسساتية، والاهتمام بمكافحة الفساد خاصة في المرحلة التأسيسية، وإصلاح البنى التحتية الفعلية من طرق وجسور ومشاريع ري وشبكات طاقة كهربائية، وإعادة تأهيل الأراضي الزراعية الملوثة والمتدهورة نتيجة الأزمة ووضعها في الخدمة مجدداً، وتشغيل الأفراد وتوفير فرص العمل وتقديم التدريب الضروري للمشتغلين والراغبين في العمل، وتوفير البيئة التشريعية والإدارية الملائمة للأعمال والاستثمارات، وتوفير الخدمات المالية بشكل كامل وخاصة في المناطق الريفية والبعيدة، وهيكلة الاقتصاد الزراعي بالاستناد إلى زراعات تقليدية وجديدة مربحة ومجدية، وتشجيع الصناعات الوطنية الغذائية ودعم المشاريع الإنتاجية والصناعية والتجارية الجديدة، وتحقيق الرفاهية الاجتماعية من خلال نظام خدمات اجتماعية فعال.
Discussion about this post