بقلم: المهندس محمد المريجاوي
سبع سنوات على الحرب السورية التي استهدفت سورية بحكم موقعها الجيوسياسي والإقليمي، وقد أفرزت هذه الحرب الكثير من المتغيرات على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي، حيث استهدفت المقومات الأساسية للاقتصاد السوري، وعوامل الإنتاج من تدمير للمنشآت والمصانع والبنى التحتية، بالإضافة إلى الحصار الاقتصادي والعقوبات المفروضة على سورية وتغيرات سعر الصرف.
وفي ظل هذه الأوضاع والظروف وما أفرزته الحرب من متغيرات ودمار كبير؛ لابد من الاستعداد والتجهيز لمرحلة إعادة إعمار وبناء سورية الحديثة، ضمن إطار وطني شامل ورؤية تنموية اقتصادية جديدة لإعادة الإعمار.
في البداية يجب وضع خطة استراتيجية ضمن برامج وسياسات واضحة، وإطار زمني محدد (الإطار الوطني لإعادة إعمار وبناء سورية الجديدة)، وتحديد أدواته وأهدافه على أن تشمل كافة القطاعات (الإسكان – التربية- الصحة – الثقافة – الزراعة – الصناعة..)، ودراسة بدائل وخيارات هذه البرامج وخيارات التطبيق والتنفيذ، من أجل الوصول إلى التعافي الشامل والمستدام لسورية الحديثة، ويتألف من المراحل التالية:
- مرحلة التأسيس والتجهيز لإعادة الإعمار والبناء (التعافي المبكر).
- مرحلة إعادة الإعمار والبناء (التعافي الشامل والمستدام).
أولاً: مرحلة التأسيس والتجهيز لإعادة الإعمار والبناء (التعافي المبكر):
من المفترض أن تكون بدأت وبشكل فعلي منذ أكثر من سنتين، بعد تحرير الكثير من المناطق ضمن الأرض السورية، وآخرها تحرير مناطق الغوطة الشرقية في محافظة ريف دمشق ومناطق الريف الشمالي في محافظة حمص، وتتضمن هذه المرحلة النقاط التالية:
1- إعداد الدراسات وتهيئة البيئة التشريعية والقانونية اللازمة:
- وصف الواقع الراهن وتوثيق وتقييم الأضرار لكل منطقة على حده، وتقدير حجم الأضرار والتكاليف الإجمالية لهذه الأضرار.
- تقسيم وتصنيف المناطق حسب حجم الضرر الذي لحق بها (مناطق مدمرة كلياً- مناطق مدمرة جزئياً– مناطق ذات أضرار بسيطة)، واتخاذ الإجراءات المناسبة لكل منطقة وفقاً لخصوصيتها والضرر الحاصل فيها من (فتح الطرقات الرئيسية- إزالة الأنقاض وترحيلها – إعادة البني التحتية الضرورية /مياه– كهرباء– صرف صحي- هاتف/- معالجة المخالفات والعشوائيات– تمكين الأهالي من العودة إلى منازلهم والفلاحين إلى أراضيهم..)
- إجراء المسح الطبوغرافي والاجتماعي لكل منطقة.
- تقييم المخططات التنظيمية والعمرانية لكل منطقة.
- إعداد الدراسات التخطيطية والتنظيمية العمرانية للمناطق المراد تنظيمها، وإعادة بنائها وإعمارها، بما ينسجم مع محددات وموجهات التخطيط الإقليمي الشامل من (حماية الإرث الحضاري والاقتصادي الموجود في الغوطة، وعدم التوسع أفقياً على حساب المساحات الخضراء – لحظ مناطق حرفية تبعاً للنشاط الذي تختص به كل منطقة – حماية مصادر المياه..) ودراسة إمكانية إعداد مخطط تنظيمي شامل يراعي خصوصية كل منطقة وفق الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي.
- إعداد وتطوير البيئة التشريعية والقانونية اللازمة لإعادة تنظيم وبناء المناطق والمدن، بحيث تراعي الحفاظ على الحقوق والممتلكات العامة والخاصة وتطبيقها بطريقة عادلة.
- وضع الرؤى والأفكار والمقترحات اللازمة لمرحلة إعادة الإعمار والبناء، وإعداد الخطط والبرامج والسياسات اللازمة لذلكن ضمن برامج زمنية محددة تشمل كافة القطاعات (الإسكان – التربية – الصحة – الثقافة – الزراعة – الصناعة..).
2- الإصلاح الإداري المؤسساتي:
- تحديد أولويات الإصلاح الإداري للمؤسسات وأهدافه وأدواته.
- إعادة هيكلة المؤسسات والشركات الإنشائية التي تعتبر الرافعة الأساسية في مرحلة إعادة الإعمار والبناء، وإحداث نقلة نوعية في البنى التنظيمية لهذه الشركات من خلال (إحداث مؤسسات وشركات إنشائية جديدة أو دمج شركتين أو أكثر ضمن إطار مؤسساتي ديناميكي).
- تأمين احتياجات المؤسسات والشركات الإنشائية من الآليات والمعدات الهندسية والإنتاجية الحديثة والمتطورة، والتركيز على الآليات التالية (إعادة تدوير الأنقاض- معامل مسبق الصنع والتشييد السريع – المجابل البيتونية – مجابل الإسفلت..)
- إدارة الموارد البشرية بإعادة تأهيل الكوادر البشرية في الشركات الإنشائية، ورفدها بالكوادر البشرية الكفوءة القادرة على رفع مستوى الأداء، وتحسين وتطوير آلية العمل استعداداً لمرحلة إعادة الإعمار والبناء.
3- تحسين البيئة الاستثمارية وتشجيع الشراكة مع القطاع الخاص:
- توفير الخدمات الأساسية لأعمال القطاع الخاص.
- تنمية الصناعات الصغيرة والمتوسطة، لأهميتها في خلق فرص عمل وتطوير أساليب مبتكرة لدعمها.
- تحفيز القطاع الخاص ومنحه التسهيلات الائتمانية المناسبة، لإعادة تفعيل وتشغيل منشآته وانخراطها في عملية التنمية الاقتصادية وإعادة البناء والإعمار.
- إشراك القطاع الخاص في وضع السياسات والخطط والاستراتيجيات الحكومية.
- العمل على إعادة دوران عجلة الإنتاج.
- ضرورة اعتماد الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي، قبل البدء بمرحلة إعادة الإعمار وبناء سورية الحديثة.
- التركيز على المشاريع ذات الأثر التنموي والإمكانيات الهامة في خلق فرص عمل وتنمية القرى والبلدات الفقيرة.
- الاهتمام بالإنتاج الزراعي وتأمين مستلزماته وتخفيض تكاليفه، وتأمين الدعم للصناعات التحويلية الزراعية.
4- الاهتمام بإعادة تأهيل وبناء الإنسان (تأهيل البشر قبل الحجر):
- وضع إطار عمل وخطة شاملة للتنمية البشرية المستدامة.
- وضع البرامج التي تعزز بناء الإنسان، انطلاقاً من أن البناء والتغيير من داخل البيت السوري وبين أهله، للوصول إلى إصلاح اجتماعي شامل يضم شرائح المجتمع السوري كافة.
- معالجة الشرخ الاجتماعي ضمن برنامج وطني محكم.
- وضع خطة للرعاية الاجتماعية متعددة القطاعات والمجالات (التربية – التعليم- الصحة – الثقافة..).
ثانياً: مرحلة إعادة الإعمار والبناء (التعافي الشامل والمستدام):
استخلاص استراتيجية إعادة الإعمار والبناء خاصة في سورية، بالاستفادة من التجارب العالمية والدول الصديقة والمجاورة التي تمت فيها إعادة الإعمار بعد الحروب والكوارث التي مرت عليها، ومن ثم وضع البرامج والسياسات لمواجهة ما دمرته الحرب على سورية، وإعادة الإعمار والبناء لتشمل كافة المجالات (الاقتصادية – الاجتماعية – الثقافية – التعليمية – الصحية..) بالتوازي مع إعادة البناء العمراني.
البدء بترميم بعض المعالم الأثرية والتاريخية، وإعادة تأهيل وصيانة الجسور والطرق الرئيسية التي تربط المدن والمحافظات، والانتقال إلى الإعمار والبناء لسورية الجديدة وفق أسس ونظريات التخطيط العمراني الحديث.
أ- إعادة ترتيب الأولويات وفق الإمكانيات المتاحة:
- تحديد البرامج الزمنية للأعمال والمشاريع التي سيتم تنفيذها.
- وضع خطط لإعادة الإعمار على المدى القصير وخطط على المدى الطويل.
ب- جهاز إعادة الإعمار والبناء:
- – يتم تحديد جهاز لإدارة ملف إعادة الإعمار والبناء، من خلال إحداث هيئة أو مؤسسة أو وزارة ذات صلاحيات واسعة، واختيار كوادرها الإدارية بعناية فائقة، بحيث تتمتع بالنزاهة والمسؤولية والخبرة وتتولى إدارة هذا الملف وفق المهام التالية:
- وضع خطة استراتيجية ومنهجية علم موحدة لجهود إعادة الإعمار والبناء، وفق مبدأ الشمولية لعدم تحولها كأداة سياسية لتدعيم فئة أو منطقة على حساب باقي المناطق والفئات.
- متابعة وضع الرؤى وأفكار المستقبلية مع كافة الجهات المعنية.
- وضع معايير وآليات العمل للجهات العامة والشركات الإنشائية (القطاع العام – الخاص) على مستوى المحافظات أو على مستوى القطاعات المختلفة.
- التواصل والتنسيق مع الجهات الحكومية ذات العلاقة.
- الإشراف المباشر على تنفيذ المشاريع ذات العلاقة وبكافة المراحل (وضع الشروط الحقوقية والمالية والفنية– الإعلانات وتقييم العروض– التعاقد– التنفيذ- الاستلام والتسليم– المتابعة).
ت- تحديد اللاعبين والشركاء الأساسيين في مرحلة إعادة الإعمار والبناء:
يتم تحديد الأولوية للقطاع المحلي (العام والخاص) وشركات الدول الصديقة التي ساندت الشعب السوري (روسيا- إيران – الصين..)، ويتم العمل بين هذه الجهات بشكل تكاملي وليس بشكل فردي.
ث- تحديد مصادر التمويل:
– وضع خطة وطنية للتمويل وفق برنامج زمني واضح، من خلال إنشاء الصندوق الوطني لإعادة الإعمار والبناء.
– تحديد الإمكانيات المالية المتاحة لدى الحكومة ولدى شركاء التنمية من القطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المحلي والأهلي والمانحين الإقليميين والدوليين ومنظمات دولية.
– يتم التمويل من خلال القروض التقليدية، أو فتح الاعتمادات أو التمويل من قبل جهات استثمارية حكومية أو خاصة من الدول الصديقة.
Discussion about this post