بقلم: محمد النجم
منذ العام 2011 بدأت تتسع الهوّة بين دخل الفرد وقدرته على مقارعة شظفَ عيشه اليومي، وأدى ذلك إلى ابتعاد نسبة كبيرة من الموارد البشرية عن تطوير أدائها، وخصوصاً في ميادين التعليم والبحث العلمي والإنتاج الزراعي والصناعي، لتركز على تحقيق أبجديات الحياة وأساسياتها فقط، ووجد المواطن “البسيط” نفسه محاصراً بين انخفاض سعر الصرف وارتفاع الأسعار، ومضطراً للعمل الإضافي حفاظاً على أسرته وكرامته، ومرغماً على استنزاف مدخراته وبيع ممتلكاته إن وجدت، وقد تصبح الهجرة خياره الوحيد، بعد انسداد الأفق أمام عينيه.
ربما هي صورة مختصرة لحياة نسبة كبيرة من السوريين طيلة سنوات الحرب الظالمة التي عصفت بالبلاد، وعمقت من جراحهم وزادت من معاناتهم، وأطاحت بالكثير من أحلامهم، إذ لم يعد شراء منزل ضمن حساباتهم بسبب صعوبة أو “استحالة” ذلك، بعد أن كان ذلك ممكناً حتى وقت قصير من عام 2010، وصار حلماً بعيد المنال بسبب “كابوس” الدولار وجشع “تجار الأزمات”، فذهبت كتلة مالية ضخمة من جيوب المستأجرين إلى مالكي العقارات في المدن الكبرى، وتضاعفت قيمة إيجار السكن بنسب تصل إلى أكثر من 1000%، مع ثبات الأجور والرواتب وتحليق مستمر للدولار وارتفاع “غير مضبوط” في أسعار الكثير من السلع وأساسيات الحياة.
أمام هذا الواقع بدت الحاجة ملحة لتحسين أجور ورواتب العاملين في القطاع العام، لأنهم من الفئات الأكثر تضرراً خلال سنوات الحرب؛ فأغلبية التجار والصناعيين لم يتغير عليهم شيء، فزادوا الأسعار بما يتلاءم مع الواقع الاقتصادي الجديد وبقيت هوامش ربحهم كما هي، حتى أن الكثير منهم غادر البلاد مع رؤوس أمواله، على حين رفع أصحاب العقارات السكنية بدل الإيجارات بطريقة جشعة لا ترحم، أما أصحاب المهن الحرة فقد زادوا أجور خدماتهم في قطاعات ومجالات عديدة، وبقي مدخولهم مرتفعاً، حتى عمال البناء والبيتون والحديد والخشب والمطاعم والخدمات الصحية والميكانيكية وغير ذلك ازدادت أجورهم، وبقي الموظف الحلقة الأضعف، لا حيلة له سوى راتبه الشهري المتواضع، الذي لا يكفي أسرته لأكثر من عشرة أيام أو أقل، وربما لا يشتري له “تنكة” زيت زيتون، وفي هذا السياق أظهرت دراسة أجراها المكتب المركزي للإحصاء أن متوسط الإنفاق التقديري للأسرة السورية لعام 2018 بلغ /325/ ألف ليرة شهرياً، وهذا يظهر كم الفارق شاسعاً بين دخل الفرد وإنفاقه الشهري.
بعد أن تحررت مساحات واسعة من رجس الإرهاب، وأقلعت عجلة الإنتاج الزراعي والصناعي وبدأت تنشط حركة التجارة الداخلية والخارجية، ارتفع منسوب الأمل لدى العاملين في القطاع العام بأن تتحسن رواتبهم وأجورهم، وخصوصاً بعد سماعهم وعوداً رسمية بذلك على مدى السنوات الثلاث الأخيرة في وسائل الإعلام وفي أكثر من مناسبة، لكن ذلك لم يتحقق إلا في إطار ضيق ومحدود ونسبي، وهنا يسأل الكثيرون: على أي أساس بنيت هذه الوعود؟ ولماذا تبخرت بالتقادم؟ ومتى سينتهي كابوس “الارتفاع الوهمي” للدولار؟ هل الحل في الصناعات التجميعية التي تستنزف احتياطيات المصرف المركزي من القطع الأجنبي وتزيد أرباح نسبة قليلة من أصحاب رؤوس الأموال؟ ألا يمكن تسخير وتوفير هذه المبالغ الضخمة لتشغيلها في تطوير البحث العلمي وزيادة الإنتاج، وإنعاش القطاعين الخدمي والسياحي، ورفع مستوى الخدمات الصحية، وتعزيز القدرة الشرائية لدى السوريين المقيمين.
السيد الرئيس بشار الأسد قال في إحدى خطاباته: ((البوصلة بالنسبة لنا هو المواطن))، وفي السنوات الأخيرة بات “رضا المواطن والموظف” أحد أهم محددات نجاح مشروع الإصلاح الإداري الذي انطلق في 20 حزيران عام 2017، حتى في وسائل الإعلام الرسمية ظهر توجهٌ لافت نحو تظهير ظروف وآمال المواطن البسيط صاحب الدخل المحدود، ولهذا من المهم أن تجد توجيهات السيد الرئيس من يطبقها على أرض الواقع وليس فقط بالتصريحات والوعود والشعارات، ولعل زيادة الأجور والرواتب تحقق رضا نسبة كبيرة جداً من المواطنين، بل وتنعكس إيجاباً على حركة الاقتصاد، وتحد من هجرة الكفاءات والموارد البشرية وتزيد من نسبة العائدين إلى سورية، فالنهوض في أي بلد لا ينحصر فقط باللهاث وراء لقمة العيش بل بالعلم والدراسات والبحوث العلمية التي تطور قطاعات الإنتاج وتحدد مسارات التقدم، وتحقق التنمية المستدامة والرخاء الاقتصادي.
Discussion about this post