يرى بعض الخبراء أن نمط التعلم المدرسي لا مستقبل له في العصر الرقمي، نتيجة للفرص التي يتيحها التعلم الإلكتروني عبر الأجهزة المحمولة وسائر التكنولوجيات الرقمية.
ومن المعلوم تاريخياً أن نمط التعليم المدرسي الصناعي القائم حالياً صُمّم لتلبية احتياجات الإنتاج طيلة أكثر من /100/ عام خلت، وقد لوحظ أن أساليب التعلم تغيرّت تغيـّراً مذهلاً في غضون العقدين الماضيين، وتغيرّت كذلك مصادر المعرفة وطرائقنا في تبادلها والتفاعل معها.
ورغم ذلك، يبقى التعلم المدرسي هاماً كما كان دائماً، إذ إنه الخطوة الأولى للإنسان في رحاب التعلم المؤسسي وعامل التكيّف الاجتماعي خارج الأسرة، فهو مكوِّن جوهري من مكونات التعلم الاجتماعي، أي تعلّم المرء لكي يكون، وتعلمه لكي يعيش مع الآخرين، فالتعلم ينبغي ألا يكون عملية فردية لكونه يقتضي اعتباره تجربة اجتماعية، التعلم مع الآخرين وعن طريقهم من خلال المباحثات والمناقشات مع الأنداد ومع المعلمين أيضاً.
تمرد على مؤسسات التعليم النظامي
أصبح من المشاهد في عالمنا المعاصر تنامي الاعتراف بأهمية وملاءمة التعلم خارج مؤسسات التعليم النظامي، وهناك حركة انتقال من مؤسسات التعليم التقليدية إلى مشاهد تعلم مختلط، متنوع، معقَّد، يحصل فيها التعلم النظامي وغير النظامي وغير الرسمي عن طريق مؤسسات تعليمية متنوعة وأطراف ثالثة مزوِّدة.
فما نحتاج إليه هو نهج أكثر مرونة في التعلم على اعتباره شيئاً متّصلاًً تتفاعل فيه المؤسسات المدرسية والتعليم النظامي تفاعلاً أوثق مع تجارب تعليمية أقل انتظامًا منذ الطفولة المبكرة.
والتغيرات التي تحصل في الفُسَح والأوقات والعلاقات التي يجري فيها التعلم، تشجّع الميل إلى إقامة شبكة من فُسح التعلم، تتفاعل في إطارها فسح التعلم النظامية منها وغير الرسمية مع مؤسسات التعليم النظامي وتكمّلها.
مقررات دراسية مفتوحة للجمهور
نظراً لازدياد وانتشار فرص النفاذ إلى المعرفة يواجه التعلم المرتكز على قاعة التدريس تحديات تتمثل في ظهور فُسح تعلم تتجاوز قاعات التدريس والمدارس والجامعات وسائر المؤسسات التعليمية، فوسائط التواصل الاجتماعي مثلاً من شأنها تمديد عمل قاعة التدريس بتوفير فرص لأنشطة مثل التعاون والشراكة في التأليف، والأجهزة المحمولة تمكّن الدارسين من النفاذ إلى الموارد التعليمية والاتصال مع الآخرين، وابتكار مضمون داخل قاعة التدريس وخارجها، وفي منحىً مماثل، نشأت في التعليم العالي مقررات دراسية على الخط مفتوحة للجمهور، نتيجة لاتحاد جامعات ضمّت موارد هيئاتها التدريسية في إعداد مضامين المقررات، ففتحت طرقًا واسعة جديدة تبلّغ بواسطتها التعليم العالي إلى جماهير أكبر على امتداد العالم.
ويُتيح السياق الراهن الخاص بتحول المشهد التعليمي فرصة للتوفيق بين جميع فُسح التعلم، عن طريق إقامة أشكال من التآزر بين مؤسسات التعليم والتدريب النظامية وتجارب تعليمية أخرى، ويتيح أيضاً فرصاً جديدة للتجريب والابتكار.
التعلم عبر الأجهزة المحمولة
حصل اهتمام كبير مؤخراً بتسخير التكنولوجيات المنقولة لأغراض التعلم، فالتعلم عبر الأجهزة المحمولة وحدها أو مشفوعةً بتكنولوجيات أخرى للمعلومات والاتصال، يوصف بأنه يمكّن من التعلم في أي وقت وأي مكان، وهذه التكنولوجيات في تطور مستمر، ومنها في الوقت الحاضر الهواتف المحمولة والحواسيب اللوحية والمشغّلات السمعية المحمولة، ووحدات التحكم المحمولة، وقد غير ظهور التكنولوجيات الجديدة طبيعة العمليات التعليمية تغييراً شديداً، لأن الأجهزة الخفيفة الوزن والمحمولة بدءاً من الهواتف المحمولة إلى الحواسيب اللوحية، حررت التعلم من المواقع الجامدة المعيّنة سلفاً، مغيّرة طبيعة المعرفة في المجتمعات الحديثة، وبذلك صار التعلم أكثره غير رسمي وشخصياً وفي كل مكان، وتتسم التكنولوجيات المحمولة أهمية خاصة بالنسبة إلى المعلمين، نظراً لانخفاض تكلفتها قياساً إلى الحواسيب المكتبية، واستمدادها موارد غنية من الإنترنت.
إن التعلم عبر الأجهزة المحمولة قد اكتسب مزيداً من الرواج في قطاعات تعليمية متنوعة وعزز التعليم الأساسي والتعليم العالي، وحقق التوصيل الإلكتروني للتعليم النظامي والتعليم غير الرسمي، فأجهزة التعلم المحمولة، النظر إلى سهولة حملها وانخفاض تكاليفها، من شأنها أن تزيد التعليم الأساسي سهولة وتحقق التعليم المنصف والجيد للجميع.
ويمكن أن يلاحظ أن تطور التكنولوجيات المتنقلة أوجد كثيراً من الإمكانات لمحو الأمية وتعلم اللغات، وقد أظهرت البحوث فعالية التكنولوجيا المتنقلة في تحسين أداء محو الأمية بين متعلّميه، تسمح بتحقيق التعليم للأطفال والشباب الذين يعيشون في مناطق معزولة أو مفتقرة إلى الخدمات.
-نقلاً عن اليونسكو-
Discussion about this post