بقلم المهندس: محمد المريجاوي
تعرض قطاع التعليم العالي في سورية لأضرار كبيرة نتيجة الحرب الكونية التي عصفت بالبلاد منذ عام 2011, وقد عانى الكثير من الكليات في بعض الجامعات الواقعة ضمن المناطق الساخنة صعوبات هائلة في تقديم خدماتها التعليمية, كما تعرضت بعض المرافق التعليمية المهمة الخاصة التابعة للجامعات لدمار جزئي وبعضها تعرض لدمار كلي (مثل مشفى الكندي بحلب الذي يعتبر صرحاً مهماً للقطاعين الصحي والتعليمي), وقد بذلت الحكومة جهوداً جبارة للتعامل مع تداعيات الحرب على منظومة التعليم العالي إذ سمحت بنقل دوام وامتحانات الطلاب من جامعاتهم إلى جامعات حكومية أخرى واقعة في مناطق آمنة رغم الضغط الطلابي الكبير التي تعانيه هذه الجامعات.
تراجع تصنيف الجامعات السورية عالمياً
انعكست مشكلات التعليم العالي نتيجة تداعيات الحرب في سورية على المكانة العلمية للجامعات السورية عالمياً, فقد أظهر الترتيب العالمي للجامعات السورية وفق تصنيف (Webomtrics ويبو ماتركس) العالمي للجامعات انخفاضاً لترتيب الجامعات السورية بمقدار /4/ آلاف درجة عن التصنيف في كانون الثاني لعام 2018, حيث جاء المعهد العالي للعلوم التطبيقية والتكنولجيا بدمشق المرتبة الأولى سورياً والمرتبة /4817/ عالمياً متراجعاً فقط ثلاث درجات عن التصنيف السابق, واحتلت جامعة دمشق المركز الثاني سورياً والمرتبة /8481/ عالمياً متراجعة /3955/ درجة, بينما حصلت الجامعة السورية الافتراضية على المرتبة الرابعة سورياً والمرتبة /10109/ عالمياً متراجعة /1445/ درجة, أما جامعة البعث بحمص فحصلت على المرتبة الخامسة سورياً والمرتبة /11764/ عالمياً متراجعة /4629/ درجة, وحققت جامعة تشرين المرتبة السادسة سورياً والمرتبة /12092/ عالمياً مسجلة أعلى تراجع بمقدار /6736/ درجة, وجاءت الجامعة الدولية للعلوم والتكنولوجيا الخاصة في المرتبة السابعة سورياً وحققت المرتبة /12990/ عالمياً متقدمة /2598/ درجة عن التصنيف السابق, أما جامعة حلب فجاءت في المركز الثامن سورياً والمرتبة /13332/ عالمياً متقدمة /1300/ درجة, وفي المركز التاسع جاءت جامعة القلمون الخاصة بالمقابل حققت المرتبة /13561/ عالمياً متراجعة /1045/ درجة, وأحرزت الجامعة العربية الدولية الخاصة AIU المركز العاشر سورياً والمرتبة /14181/ عالمياً متراجعة /2376/ درجة.
أسباب تراجع تصنيف الجامعات السورية عالمياً
نذكر أهم المعايير المعتمدة في تصنيف الجامعات وهي: عدد الطلاب بالنسبة لعدد الدكاترة أعضاء الهيئة التدريسية، وعدد القاعات الصفية والمختبرات والتجهيزات في كليات ومعاهد العلوم التطبيقية، والأجهزة المتوافرة وجودتها وحداثتها، والبحوث العلمية المنشورة عربياً وعالمياً وبعدة لغات، وأثر البحث العلمي وجودته دولياً، إضافة إلى إصدار مؤلفات وكتب علمية من الجامعات ونوعية وعدد المؤتمرات المتخصصة والعامة التي تنظمها وتشارك فيها وتشرف عليها الجامعات، ويمكن أن نوجز أسباب تراجع المكانة العلمية للجامعات السورية عالمياً بالنقاط التالية:
1-عدم نشر الأبحاث العلمية الأبحاث العلمية من الجامعات وتوثيقها على مواقعها الإلكترونية ومن ضمنها رسائل الماجستير والدكتوراه.
2- عدم تحديث البيانات والمعلومات بشكل دوري على المواقع الإلكترونية للجامعات.
3- عدم تطوير محتوى اللغة الإنكليزية ضمن البحوث العلمية المنشورة على المواقع الإلكترونية للجامعات.
إضافة إلى تداعيات الحرب من الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية والنفسية المرتبطة بالظروف الراهنة التي انعكست على الواقع التعليمي والجامعي، حيث واجهت الجامعات عدة مشكلات نذكر منها:
1- هجرة العقول والكوادر التدريسية الكفؤة، حيث خسر قطاع التعليم العالي حوالي أكثر من 20 % من أعضاء الهيئات التدريسية بسبب الهجرة إلى خارج البلد نتيجة الظروف الحالية والمعيشية الصعبة التي تمر بها البلاد في ظل الانخفاض الكبير بالأجور والرواتب، الأمر الذي دفع إلى الاعتماد على كوادر أقل كفاءة لسد الفراغ الحاصل.
2- الضغط الحاصل على الجامعات من إعادة توزيع الطلاب بعدما خرج الكثير من الكليات والجامعات الحكومية من الخدمة بسبب وجودها ضمن المناطق الساخنة, حيث تم نقل آلاف الطلاب من المحافظات إلى الجامعات الواقعة ضمن المناطق الآمنة ما سبب عبئاً كبيراً على كوادرها وبناها التحتية, وشكل ضغطاً على الصفوف التي اكتظت بالطلاب, أما بالنسبة للجامعات الخاصة حيث تم نقل مقارها إلى مقار لا تتوافر فيها بنى تحتية أو وسائل تعليمية وتجهيزات ومختبرات خاصة بالعملية التعليمية, وتنطبق عليها أدنى المعايير المحددة بالتعليم الخاص.
3- تأثر الكتاب الجامعي بظروف الحرب والأوضاع الاقتصادية للبلد, ويعود ذلك إلى القيود الموضوعة لمنح الموافقات لتأليف المناهج الجديدة وتدني أجور التأليف, إضافة إلى عدم توافر المراجع الأجنبية وغلاء سعرها.
4- غياب الارتباط بين الدراسة الجامعية وبين سوق العمل, وهنا يجب التوجه إلى تحديد مخرجات تعليمية نوعية لها علاقة مباشرة بسوق العمل والتركيز على الجوانب العلمية والتطبيقية.
إعادة بناء قطاع التعليم العالي:
إن إعادة بناء وتنشيط التعليم العالي أمر مهم وضروري في ظل الظروف الراهنة وبعد الانتهاء من الحرب, ويعتبر تحدياً كبيراً ويتطلب بذل جهود جماعية مكثفة من الجهات الفاعلة التعليمية الوطنية والإقليمية والدولية, وهناك حاجة ملحة للتفكير الخلاق حول إيجاد أفضل السبل لمواجهة التحديات الكبيرة التي تعرض لها قطاع التعليم العالي خلال فترة الحرب من (تدمير البنى التحتية والمنشآت التعليمية وهجرة الكفاءات والأدمغة وغيرها) وكيفية تسخير قدرة القطاع التعليمي الجامعي في مرحلة التعافي ومن ثم مرحلة إعادة البناء والإعمار والانتقال إلى التنمية الشاملة المستدامة.
ولتحسين التصنيف العالمي للجامعات السورية عملت الحكومة على الاهتمام ودعم التعليم العالي وفق عدة محاور تتعلق بتطوير التعليم التقاني والتعليم المفتوح والبحث العلمي و برنامج إعادة هيكلة المعاهد التقنية والبرامج الأكاديمية والخطط الدراسية وتطوير المناهج والبيئة الجامعية والمشافي التعليمية والتعليم الافتراضي والتميز والإبداع وتطوير وتحسين جودة مخرجات التعليم الافتراضي عبر تطوير مناهج وخطط برامج الجامعة الافتراضية وإحداث برامج جديدة, والعمل على رفع مستوى التصنيف العالمي للجامعات السورية عبر تطوير برامج الدراسات العليا والبحث العلمي وتحديد المحاور البحثية، ودعم آليات التواصل مع العالم الخارجي من خلال الانترنت، واتصال المؤسسات التعليمية مع العالم الخارجي، من خلال اتفاقيات تعاون علمي بين الجامعات السورية وجامعات الدول الصديقة والجامعات العالمية.
القطاع التعليمي أول قطاع تصيبه آثار الحرب وآخر قطاع يتعافى
إن إعادة بناء نظم ومؤسسات التعليم العالي بعد الانتهاء من الحرب في بعض المجتمعات لا تشكل أولوية لدى الجهات الفاعلة المحلية والدولية على الرغم من أهمية الدور المنوط بالتعليم العالي ويتم التركيز على التعليم الأساسي.
دور التعليم العالي في إعادة الإعمار والتنمية المستدامة الشاملة
يلعب التعليم العالي دوراً رئيسياً في إعداد رأس المال البشري, الذي أصبح يفوق بأهميته رأس المال المادي, لأنه يسلح الأفراد بالقدرات والمعارف والمهارات والقيم والاتجاهات التي تمكنهم من مواجهة متطلبات الحياة, ويحسن من مستوى انتاجيتهم ويزيد من دخلهم والتي من شأنها دفع عجلة الإنتاج والاقتصاد المحلي ودعم المجتمع المدني, ويحسن مستواهم الصحي, ويقلل من الفروق الفئوية بين الأفراد, ويوفر مكاناً فكرياً ومادياً للفئات الشابة, ويفسح المجال للكشف عن القدرات المبدعة ويساعد في حسن استثمارها, ويمكنهم من المساهمة بشكل فعال وأفضل في التنمية الاقتصادية والاجتماعية وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة للبلاد, فالتنمية الاقتصادية جزء لا يتجزأ عن التعليم والتنمية البشرية.
إذ لا يمكن للتنمية الاقتصادية أن تتحقق من دون التنمية البشرية, ولا يمكن للتنمية البشرية أيضاً أن تتحقق إلا بالتعليم, كما أن إهمال التعليم له تبعات وآثار تنعكس سلباً على الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي, فالتعليم العالي هو مفتاح التنمية المستدامة الشاملة البشرية والاقتصادية والاجتماعية, والأرضية اللازمة لدخول ميدان المنافسة في اقتصاد المعرفة العالمي, ولذلك ينبغي على المؤسسات التعليمية أن تكون قادرة بعد الحرب على تطوير خريجي الجامعات الذين يمكن أن يسهموا في مرحلة إعادة الإعمار وتحقيق التنمية المستدامة الشاملة من خلال:
دعم البرامج القائمة باختصاصات معينة تحدد بناءً على دراسات معمقة متأنية للواقع الراهن والاحتياجات المستقبلية.
إعادة بناء الهياكل الأساسية والمادية والقدرات المؤسسية لقطاع التعليم العالي لكي يتسنى للجامعات أن تكون قادرة على تأمين تعليم عالي الجودة.
الاطلاع على تجارب الدول التي عانت الحروب والاستفادة من الإجراءات التي اتخذتها بهذا الشأن لاختصار الوقت والحفاظ على الموارد والوصول إلى الخيارات الأمثل.
إعادة تأهيل الكوادر والقدرات البشرية اللازمة التي تسهم في وضع رؤية تطويرية شاملة لكل قطاع من القطاعات الاقتصادية والخدمية.
Discussion about this post