إنَّ تحليل غياب معظم مؤسسات التعليم العالي السوريّة عن التصنيفات الأكاديمية، ينبئ أن هذه التصنيفات تعطي الأهمية الكبرى للبحث العلميّ والدراسات العليا؛ بينما تتمركز برامج مؤسسات التعليم العالي حول التعليم والتعلّم، وتهمل البحث العلمي حتى إنَّ أعرق الكليات في سورية (كلية الحقوق في جامعة دمشق) تخرج طلابها دون أن ينجز الطالب أي بحث طوال حياته الجامعية.
بهذا التقديم بدأ الباحثان الدكتورة سحر الفاهوم والدكتور حسام عبد الرحمن بحثاً أصدره مركز دمشق للأبحاث والدراسات “مداد” مؤخراً تحت عنوان: ((تحديات تكيّف الجامعات السورية مع أنظمة التصنيف الأكاديمي العالمية)) ركزا فيه على دور البحثِ العلميّ، كمّاً ونوعاً، وترتيب جامعة دمشق على أنظمة التصنيف العالميّة، وعلى الويبوماتريكس والمرور بتصنيف QS، ويُعالج تراجع الجامعة في تصنيف تموز 2018 على الويبوماتريكس الذي يصنف أساساً الموقع الإلكتروني، وتفسيرات هذا التراجع المتعلقة بـضعف استخدام تكنولوجيا المعلومات وضآلة المحتوى الرقميّ وغياب التعليم التفاعليّ على الشابكة.
بيّن الباحثان أن التصنيف الأكاديميّ للجامعات يرتبط بفكرة اقتصاد المعرفة، وتحويل المعلومات إلى معرفة، والمعرفة إلى منتج متميز، وأن التكيف في سورية مع رياح عولمة التعليم العالي جاء عبر إستراتيجية الانفتاح على خصخصة التعليم العالي والاتجاه نحو إنشاء جامعات خاصة /23/ جامعة، إلى جانب /7/ جامعات حكومية، لتسهم كافةً في عملية التطوير والتنمية المستدامة، وكإستراتيجية تفتح الأفق نحو تعليم نخبوي يوازن آثار إستراتيجية الاستيعاب الشامل “الشعبوية”، لكن يبدو أنَّ إستراتيجيتي التعليم العالي طوال نصف القرن المنصرم، الحكوميّ والخاصّ، أديتا حسب تحليلات بعض الباحثين إلى هيمنة الكم على النوع، وأنتجتا المخرجات ذاتها التي ينقصها امتلاك المهارات والقدرات التي تستجيب لسوق العمل والنهضة بالقطاع العام، هذه الاستخلاصات- بحسب البحث- ليست مفاجئة إذا علمنا أنَّ الجامعات الخاصة تعتمد أساساً، على الطاقم الأكاديميّ في الجامعات الحكومية وأنَّ جامعة واحدة فقط (المنارة) هدفها غير ربحيّ، إنَّ إصلاح التعليم العالي ولبرلته جاءا في سياق التعايش مع العولمة والمنافسة الاقتصادية، في حين أنَّ التعليم الحكوميّ كان جزءاً من مشروع بناء الدولة وترسيخ دورها وشرعيتها بعد الاستقلال، وأداة لاستخلاص الدعم السياسيّ من الطبقات المتوسطة، وأداة رمزية لحشد التعبئة الاجتماعية، على خلاف التعليم العالي المؤسس دينياً/طائفياً أو يعدّ امتداداً له كما في لبنان مثلاً، غير أن هذا الاتجاه الأخير بدأ يظهر في سورية بعد عام 2011 عبر بروز مؤسسات ذات ملامح دينية، كما في “جامعة بلاد الشام” ذات السمة الإسلامية، أو جامعة أنطاكية الخاصة التي افتتحت برعاية البطركية الأرثوذكسية.
وأشار البحث إلى أن المجلة الطبية الأمريكية المحكمةJMR نشرت دراسة تبين فيها أن /2749/ من خريجي جامعة دمشق حصلوا على الترخيص للعمل كأطباء في الولايات المتحدة الأمريكية لعام 2016، هذا الرقم هو أكبر من عدد طلاب الجامعة السورية الخاصة التي تفوقت على جامعة دمشق لناحية مؤشر الاستشهاد بباحثي الجامعة وفق تصنيف الويبوماتريكس.
وأشار الباحثان إلى أن الجامعات السورية تحتل موقعاً متأخراً للجامعات العربية وجامعات الجوار الجغرافيّ على أنظمة التصنيف العالميّة التي تصنف الموقع الإلكتروني للجامعات وهي: الويبوماتريكس، سيماغو ويوني رانك، وذلك في ظل غياب معظم الجامعات السورية عن التصنيفات الأكاديمية العالمية التي قاربت /40/ مؤسسة للتصنيف أهمها تصنيف شنغهاي الذي تصدره جامعة جياوتونغ (Jiaotong) في شنغهاي منذ عام 2003، وتصنيف التايمز للتعليم العالي الذي بدأ عام 2004 في المملكة المتحدة، وتصنيف Qs World Ranking الذي تصدره مؤسسة Quacquarelli Symonds الإنكليزية وتصنيف US News and World Report College الذي تصدره مجلة أخبار الولايات المتحدة، وتقرير العالم الذي ظهر عام 1983.
لم تأخذ سياسات الجامعات في سورية أنظمة التصنيف- بحسب مداد- بجديّة في الماضي، ولا تعتمد سياسة وزارة التعليم العالي في سورية على أنظمة تصنيف الجامعات العالمية في توجهات إيفاد طلابها، إذ إنّها لا تحصر الإيفاد على أول /500/ جامعة كما هو الحال في الهند مثلاً، أو على أول /210/ جامعات كما هو الحال في روسيا، بل هناك قائمة لدى الوزارة تحتوي على /5700/ جامعة ولكن من ضمن المعايير للاعتراف بالجامعات ضمن قائمة الوزارة هو رتبة الجامعة في تصنيف الويبوماتريكس الذي تم اعتماده، لأنّه يصنّف معظم جامعات العالم /28000/ جامعة.
المعايير الستة لأنظمة التصنيف الأكاديمي العالمية
وتعتمد التصنيفات – بحسب مداد- على مزيج من المؤشرات المتعلّقة، أساساً، بالتعليم والبحث العلمي وأثر البحث العلمي والابتكارات إضافة إلى التبادل الدولي للطلاب ولأعضاء الهيئة التعليمية وكذلك حجم المؤسسة التعليمية وإمكانياتها أو حجم موقعها على الإنترنت للمؤسسات التي تصنف الموقع الإلكتروني، وأخيراً “البرستيج” أو السمعة الأكاديمية للمؤسسة التعليمية.
يلاحظ من الجدول أعلاه وفقاً لما ذكره الباحثان وجود ستة معايير تتمحور حولها معظم التصنيفات العالمية، ومن الواضح التمركز حول البحث العلميّ والأثر الناتج عن البحث العلميّ، كما هو مبين في المعايير (4-5)، وإذا أعدنا هيكلية توزع نقاط المعايير أعلاه بين النشاط activity (كالتدريس والتبادل الدولي وحجم المؤسسة) والأثر impact (كتأثير البحث العلمي والابتكار والعائد من الصناعة والسمعة الأكاديمية…) نلاحظ تمركز المعايير (النقاط) على الأثر أكثر منه على النشاط كدليل على أهمية الجودة والنوعية وليس الكم.
أوضح الباحثان أن تصنيف الجامعات السورية يظهر على ثلاثة مواقع تصنّف الموقع الإلكتروني، بالإضافة للويبوماتريكس الذي سنعرّج عليه في هذا البحث، لأنه الأكثر شهرة ويصنف جميع الجامعات السورية، يأتي في الأهمية تصنيف سيماجو الذي تحتل فيه جامعة دمشق المرتبة /680/ في الطبقة /87/ وكذلك تحتل هيئة الطاقة الذرية على الترتيب /727/، يكتفي سيماجوScimago بتصنيف /3236/، إذ يشترط لدخول الجامعة في التصنيف أن يكون تم النشر باسمها على الأقل /100/ بحث ضمن قاعدة بيانات سكوبس في السنة السابقة لسنة التصنيف، أما تصنيف يوني رانك UniRank فهو ليس تصنيفاً أكاديميّاً، ويصنف أول /200/ جامعة في العالم العربي حيث تحتل جامعة دمشق الترتيب /17/.
معضلات التكيف الإستراتيجي
لفت بحث مداد أن المعضلة الأبرز التي تواجه الجامعات السورية هي عدم التوازن في رسالتها بين ثلاثية التعليم والبحث العلمي وخدمة المجتمع، فالجامعات السورية يهيمن عليها أولوية التعليم والتعلم على حساب البحث العلميّ، بسبب الطلب المتزايد على التعليم العالي، فمن جهة، تغيب مراكز البحوث المتخصصة في الجامعات التي تعمل بشكل ممنهج، وتوجه الأبحاث نحو الاستخدام والاستثمار بالشكل الأمثل وعبر التشبيك مع القطاعات الاقتصادية المختلفة، إذ إنّ (دورة حياة البحث) غير كاملة، ذلك أنَّ الأبحاث المنجزة غير مترابطة مع بعضها وليست تراكمية، فإنجاز معظم الأبحاث هو غالباً واجب للترفيع لعضو الهيئة التعليمية، وليست بغرض الإسهام في التنمية والتطوير والابتكار، والسؤال: هل يمكن التقدم في إنتاج البحث العلمي من دون إنشاء مراكز أبحاث؟ ومن دون إنشاء خلايا أو حواضن للبحث العلمي في الجامعات؟
ويشير الباحثان إلى أنَّ العدد المتزايد من الطلاب يتطلب عدداً متزايداً من الموظفين وكثافة من القوانين والرقابة في الجامعة، ما يدفع قيادة الجامعة إلى اتباع نمط القيادة الإجرائية ويسمح ذلك بقدر كبير من الإدارة بالاستثناء الساكنة، وذلك بلا شك على حساب القيادة الإدارية التحويلية التي يعمل بوساطتها القائد على إعداد قادة آخرين يعمل معهم، لا يعملون عنده، قادة قادرون على تطوير رؤاهم المستقبلية الاستراتيجية معه ومع زملائهم، في الواقع، تشير مراجعة الهيكل التنظيمي للجامعة أنه هرمي وممركز، إذ إنّه حتى القرارات العادية كالإجازات مثلاً، يجب أن تعبر الدورة المستندية عبر رئيس الجامعة مثلها مثل القرارات الإستراتيجية الخاصّة بالتعاون العلميّ الخارجيّ أو إنشاء برامج جديدة، وبالتالي لا شك أن توطين ثقافة ضمان الجودة في الجامعة يمر عبر إصلاح الترهل الإداري لجهة إصلاح الهيكل التنظيمي والنظام الداخلي للجامعة والتوصيف الوظيفي للمناصب الإدارية.
وبحسب “مداد” فالمعضلة الثانية التي تواجه الجامعات السورية هي عدم مواكبة التحولات الرقمية في التعليم العالي، واستخدام تكنولوجيا المعلومات، وغياب التعليم التفاعليّ بين الأستاذ والطالب على الشبكة العنكبوتية، ذلك أنَّ مواكبة التطورات تتطلب من الجامعات زيادة المحتوى الرقمي وإتاحة 5% من مقرراتها كتعليم تفاعليّ على الشبكة، أما المعضلة الثالثة التي تبرز أمام الجامعات السورية فتتعلق بمجالات العلوم الاجتماعية والإنسانية؛ ذلك أن معظم الإنتاج في هذه العلوم هو باللغة العربية، وغير مفهرس ضمن قاعدة بيانات المجلات العربية لـ Scopus، وتتفاقم هذه المعضلة إذا علمنا أن 67% من المجلات العربية الـ 48 المدرجة في قائمة سكوبوس تنتمي إلى ناشرَين هما شركة الهنداوي في القاهرة وشركة بنثام Bentham ومقرها في الشارقة في الإمارات العربية المتحدة، وهما ناشران مشكوك فيهما من قائمة بيال Beall Listing التي تنشر أسماء شركات نشر ذات الوصول المفتوح Open access المتاحة مجاناً. بينما يصل عدد المجلات الأكاديمية الصادرة باللغة العربية أكثر من /300/ مجلة، وبالنتيجة لا يدل التصنيف العالمي على النشاط البحثي حقيقة.
وتتمثل المعضلة الرابعة وفقاً للبحث بغياب الخطط الإستراتيجية لدى الجامعات لتحسين ترتيبها في سلم التصنيف العالمي، كل الجامعات العربية والأجنبية التي أحرزت مكاناً بين جامعات النخبة في العالم وضعت خططاً استراتيجية تتراوح بين خمس سنوات وخمس عشرة سنة تتلاءم مع معايير أنظمة التصنيف وكل ما يلزم من تغيرات هيكلية على مستوى الإدارة وعلى مستوى ضمان جودة البحث العلميّ، وعملت على بناء الشراكات العلمية مع جامعات أخرى ودأبت على استقطاب الكفاءات العلمية للعمل لديها أو للدراسة فيها، وفي الحديث عن المعضلة الخامسة يضيف الباحثان: رغم زيادة فرص التعليم وتزايد أعداد المقبولين في التعليم العالي /700/ ألف طالب أخفقت أنماط التعليم في تحقيق النتائج اللازمة للنهوض بعملية التنمية الاقتصادية في ظلّ انخفاض مستويات مخرجات التعليم وغياب مهارات المقدرة على التوظّف، وارتفاع معدلات البطالة بين الشباب مع انخفاض فرص العمل وضعف بيئة الأعمال.
ويضيف الباحثان: تتعلق المعضلة السادسة بقضية التعاون الدوليّ في إطار اتفاقيات اليونيسكو بما يتعلق بالمنطقة العربية والمنطقة المتوسطية، فمن غير الواضح عدم انضمام سورية لاتفاقيات اليونيسكو الخاصة بالتعليم العالي ولاسيما “اتفاقية الاعتراف بمؤهلات التعليم العالي بين الدول العربية لعام 1974″ والتي يعاد مراجعتها الآن وشاركت سورية في اجتماعاتها التمهيدية، كذلك الاتفاقية الدولية للاعتراف بمؤهلات التعليم العالي بين الدول المتوسطية” لعام 1975، هذه الاتفاقيات تنصب بجزء منها على جودة التعليم إضافة إلى الاعتراف بالأنماط المختلفة للتعليم العالي، أما المعضلة السابعة فتتعلق بتفاقم الفجوة المتزايدة بين أعداد الطلاب المتزايدة /700/ ألف وأعداد أعضاء الهيئة التعليمية /5142/ وذلك لعام 2018 وذلك بالتقاطع مع كون العملية التعليمية تتلخص بأستاذ وسبورة وطبشورة، فأغلب الكوادر التدريسية مؤهلة لإعطاء المحاضرات النظرية أكثر من تأهيلها لاحتراف التدريب والتأهيل العملي الذي يتطلب التعامل مع عدد محدود من الطلاب، هذا من جهة، ومن جهة ثانية، انشغال الكوادر التدريسية بمحاولة تحسين مستواها المعيشي بنزوح البعض للعمل خارج جامعاتهم، وذلك على حساب التفرغ للأعمال العلمية البحثية والتدريسية، وتتمثل المعضلة الثامنة، بعدم وجود “هيئة وطنية للجودة والاعتماد الأكاديميّ” تعنى بضمان جودة التعليم العالي وترسخ نظاماً وطنيّاً لضمان الجودة والاعتماد.
التعليم والطاقم الأكاديمي
بلغ عدد طلاب جامعة دمشق –بحسب البحث- /279751/ للعام الدراسي 2016-2017 وهو يفوق نصف إجمالي عدد طلاب الجامعات السورية /485011/ مقابل طاقم أكاديمي /2172/ أي عضو هيئة تعليمية مقابل كل /196/ طالباً بغض النظر عن الاختصاصات، وإذا استبعدنا عدد طلاب التعليم المفتوح في جامعة دمشق /75884/، يُلاحظ تدني نسبة أستاذ إلى طالب في مختلف الاختصاصات.
ففي الاختصاصات الطبية /18.895/ طالباً مقابل /289/ أستاذاً أي بنسبة 68.4 % (النسبة المعيارية العالمية أستاذ لكل 14 طالباً)؛ وفي الاختصاصات الهندسية والعلوم الأساسية والتطبيقية، /59374/ طالباً مقابل /1285/ أستاذاً، أي بنسبة 50.14 % (النسبة المعيارية أستاذ لكل 20 طالباً)؛ وفي اختصاصات العلوم الإنسانية والاقتصاد والإدارة /66270 /طالباً مقابل /793/ أي بنسبة 90.5 % (النسبة المعيارية أستاذ لكل 30 طالباً)، ويلاحظ تناقص أعداد الهيئة التعليمية بصفة عامة في الجامعات السورية بين 2011-2018 من /8271/ إلى /5142/ وبمعدل تراجع 43 % في جامعة دمشق.
البحث العلمي
يلحظ البحث أنه في عام 2009 أُنفقت الأغلبية الساحقة من الأموال المخصصة للبحث العلمي 98 % على البحوث التطبيقية، على حين حظيت بحوث التطوير التقانيّ والبحوث الأساسية بأقل من 1 % من الإنفاق لكلّ منها، كذلك في عامي 2014 و2015 إن معظم المشاريع البحثية المنفذة تركزت في العلوم التطبيقية بنسبة 69.7 % من العدد الإجمالي لها، أما لتوزع الخطط العلمية البحثية على القطاعات التنموية، فيلاحظ استحواذ الزراعة والصناعات الزراعية على الجزء الأكبر من المشاريع البحثية المنفذة بنسبة 32 %؛ ما يعكس توجهات الحكومة بتنمية وتطوير قطاع الزراعة.
وحسب التقرير الوطني للبحث العلمي لعامي 2014-2015 يتبين أن نسبة ما تم رصده للبحث العلمي عام 2014 يشكل 0.14% من إجمالي الموازنة العامة، و0.10 % من موازنة 2015، على حين بلغت النسبة 0.31 % من إجمالي الموازنة العامة لعام 2009، وبمقارنة ما تم إنفاقه على البحث العلمي مع الناتج المحلي الإجماليّ يتبين أنَّ النسبة كانت متساوية في عامي 2014 و2015 حيث بلغت 0.02 % تقريباً، على حين كانت في مصر 0.68 %، وفي العراق 0.04 %، وفي تركيا 1.01 %، ويشير التقرير إلى أن العوائد المالية الناتجة عن استثمار المشاريع العلمية البحثية بلغت /12.89/ مليون ليرة سورية فقط في عامي 2014 و2015.
وبحسب البحث يتبين أن التمويل يتركز بمعظمه على التمويل الحكومي، وأن هناك ضعفاً من جهة التمويل الخاص “المحلي أو الخارجي”. إذ إنَّ نسبة الإسهام الملموسة للقطاع الخاص في تنفيذ الخطط العلمية البحثية لم تتجاوز بأفضل أحوالها 15%، على حين وصلت نسبة الإسهام الملموسة للقطاع العام إلى 50%، مع الإشارة إلى عدم رصد أي إسهام ملموس للقطاع الخاصّ في تنفيذ الخطط العلمية البحثية، وبالنسبة للأبحاث في جامعة دمشق، فقد بلغ عدد الأبحاث المسجلة عام 2017 لأعضاء الهيئة التعليمية /18/ بحثاً مقابل /112/ بحثاً عام 2011، وبانخفاض في حجم التمويل من /17.92/ مليون ل. س، عام 2011 إلى/4.55/ ملايين ل.س أي نحو /10/ آلاف دولار، يعدّ إنتاج الجامعة البحثيّ منخفضاً جداً لأعضاء الهيئة التعليمية 1762.
أما في ما يتعلق ببحوث الطلاب التي تشكل القاعدة البحثية الأهم في سورية، ووفقاً لما جاء في بحث مداد؛ فقد بلغ عدد الرسائل المنجزة في عام 2017، كما هو مبين في الجدول 5، /472/ وبحجم تمويل يساوي /42.18/ مليون ليرة سورية توزعت بين /40/ لمرحلة الدراسات العليا في التخصصات السريرية الطبية و/362/ لمرحلة الماجستير و/70/ لمرحلة الدكتوراه، نلاحظ انخفاض عدد الرسائل المنجزة للدكتوراه والماجستير في عام 2017 إلى النصف وأكثر بالمقارنة مع الأعوام السابقة جميعاً منذ عام 2011، فنجد أنّه بلغ عدد الرسائل المنجزة في عام 2011 /1109/ رسائل، وبالنسبة للنشر الخارجيّ، حسب قاعدة بيانات سكوبوس Scopus تزايد النشر العلميّ في جامعة دمشق تدريجياً من عام 2010 وحتى عام 2016 من /49/ بحثاً إلى /187/ بحثاً، غير أنها تراجعت عام 2017 إلى /45/ بحثاً.
التعاون الدولي والتبادل الدولي للطلاب والأساتذة
تحتل جامعة دمشق المرتبة الثانية عربيّاً في عدد الطلاب غير السوريين /9072/ بعد جامعة الأزهر /17068/ طالباً، ومن ثم جامعة الشارقة /8999/، وكانت الجامعة منخرطة في التمبوس Tempus ومن بعده مشروع إيراسموس ERASMUS وplus ERASMUS إيراسموس+ الذي يرعاه الاتحاد الأوروبيّ، ويدعم حركية الطلاب، ويدعم تهيئة النظام التعليميّ للانخراط في نظام الأرصدة المعتمدة للمسار البولوني، ولكن شبه تعطل نتيجة الأزمة، كذلك على صعيد البرامج الأكاديمية شهد التعاون مع الجامعات الفرنسية قبيل الأزمة نشاطاً مكثفاً على صعيد تطوير اختصاصات دراسات عليا في التمويل والمصارف والمعلوماتية والعمارة.
تصنيف كيو إس QS
حول واقع جامعة دمشق على مواقع التصنيف العالمية قدم الباحثان لمحة عن أهم التصنيفات الأكاديمية للجامعات ومنها تصنيف كيو إس QS فأوضحا أن جامعة دمشق ظهرت لأول مرة في تصنيف QS لعام 2019، إذ احتلت مرتبة في الطبقة (51-60)، وللمفارقة غيابها عن تصنيف التايمز THE World University Rankings لعام 2019 المتشابه في المعايير مع تصنيف QS، على حين تقدمت جامعات تعاني بلدانها ظروفاً صعبة على الجامعات السورية مثل جامعة بير زيت في فلسطين المحتلة وجامعة بغداد.
وأضاف الباحثان: تصدر QS دليلاً للجامعات سنوياً تقوم فيه بعمل مقارنة لأكبر /500/ جامعة، ذلك بوساطة معايير تقييم تتناول الهيكلية البنيوية لكلٍ من هذه الجامعات، وما يميز هذا التصنيف أنه لا يتناول مؤشرات سطحية قد تخفي أكثر مما تبدي من الأوضاع المركّبة داخل كل جامعة، بل يتعمق في تناوله تحليل مقومات هذه الجامعات إلى تقييم مستوى التعليم الذي تقدمه الجامعات المصنفة، وجودة بحوثها الأساسية والتطبيقية، وتوصيف قدرات الخرّيجين في المراحل التعليمية الأساسية والعليا، إضافة إلى موقعها الدولي.
تصنيف الويبوماتريكس
أشار الباحثان إلى أن تصنيف الويبوماتريكس يقوم على إعداد تصنيفه مخبر Cyber metrics Lab, CCHS وهو وحدة في المركز الوطني للبحوث National Research Council, CSIC بمدريد في جامعة غرناطة ويعرف بتصنيف الويبومتركس Web Metrics Ranking of World Universities، بدأ هذا التصنيف سنة 2004 بتصنيف /16000/ جامعة وبلغ /28000/ جامعة في 2018. وأضافا: هذا التصنيف يهدف بالدرجة الأولى إلى حثّ الجهات الأكاديمية في العالم لتقديم ما لديها من أنشطة علمية تعكس مستواها العلمي المتميز على الإنترنت، وليس ترتيباً أو تصنيفاً للجامعات، بل ترتيب لموقع الجامعة Ranking Web، ويتم عمل هذا التصنيف في الشهر الأول والسابع من كل سنة، وتحسب الداتا في الأسبوعين الأوّلين في شهري كانون الثاني وتموز، ويعتمد على قياس أداء الجامعات من خلال مواقعها الإلكترونية ضمن المعايير الآتية: الحضور/حجم الموقع – الانفتاح/الشفافية – التميز- التأثير/الرؤية.
ومن الجدير الإشارة إلى أنّ تدني مواقع الجامعات السورية على الويبوماتريكس يكمن في أن قدرات الجامعات البحثية لا تنعكس عبر مواقعها الإلكترونية، وكذلك على موقع الباحث العلمي Google Scholar إذ تفقد الجامعات عدداً كبيراً من الاقتباسات لباحثيها لكونهم لا يمتلكون حساباً على الباحث العلمي معرّفاً باسمهم واسم مؤسستهم.
- معيار التميز 35% ((Excellence: عدد الأوراق البحثية المنشورة والتي تقع ضمن الـ 10% الأكثر اقتباساً في الاختصاصات الـ 26 المحددة على الموقع، في الأمد الواقع بين 2012-2016، ويتم الاستعانة بقاعدة بيانات Scimago.
- الرؤية Visibility & Links 50% (Impact): ويقصد به الروابط الخارجية External Backlinks والبحوث العلمية التي لها رابط على موقع الجامعة، ويتم الحصول على هذه المعلومات من محركات البحث Majestic وAhrefs. ويتم حساب المعدل المتوسط للداتا المختارة من الموقعين المذكورين.
تتضح المعايير أعلاه بالمقارنة مع تصنيف الجامعات السورية في نسخة تموز 2018، إذ تقدّمت جامعة تشرين الجامعات السورية في تصنيف تموز/يوليو 2018، بينما تتفوق جامعة حلب بمؤشر “التميّز” بترتيب /3451/، ويتفوق المعهد العالي للعلوم والتكنولوجيا بمؤشر التأثير بترتيب /4559/، أما الجامعة الافتراضية فتميزت بمؤشر الحجم بترتيب /655/، وتميّزت الجامعة السورية الخاصة بمؤشر الانفتاح بترتيب /4800/.
بالمقابل تراجعت جامعة دمشق أكثر من /6000/ نقطة على تصنيف الويبوماتريكس لنسخة كانون الثاني 2018 من 4526 إلى 10906، وأدى هذا التراجع إلى صدمة دفعت قادة مؤسسات التعليم العالي إلى الاهتمام بتصنيف الموقع الإلكتروني بشكل جدي، ومن المرجح أن هذا التراجع كان نتيجة تغيير الموقع الإلكتروني والدومين المتصل به، إضافة إلى تغيَر معايير الويبوماتريكس بين نسختي (كانون الثاني وتموز) إذ ارتفعت نسبة تثقيل النشر الخارجي Openness وExcellence من 35 % إلى 45 % وانخفضت نسبة تثقيل حجم موقع الجامعة Presence من15 % إلى 5%، ومن ثم إن تثقيل نسبة الإسنادات للباحثين المسجلين على الباحث العلمي مع غياب وجود مسجلين بالأساس، أسهم بدوره في هذا التراجع.
ويلاحظ حصول بعض التغيُّرات في موقع جامعة دمشق بعد تصنيف تموز 2018، تقلب الروابط الخارجية External Links للموقع في الربع الأخير من عام 2018 وذلك بعد تغيير الموقع، فقد هبطت الروابط الخارجية من /51.456/ ألفاً في بداية شهر أيلول إلى /44.547/ ألفاً في بداية شهر تشرين الأول، ومن ثم وصلت إلى /22/ ألفاً في تشرين الثاني قبل أن تعود للصعود وتستقر عند /33/ ألفاً في شهر كانون الأول، ويلاحظ أن 72.8 % من الروابط الخارجية هي بالعربية، وذلك لغياب محتوى الموقع بالإنكليزية والفرنسية واللغات الأخرى، حسب الزواحف العنكبوتية Crawled URLs لغوغل 99.5 % من المحتوى بالعربية 0.4 % بالإنكليزية (في 24/12/2018)، إلا أنه تمكن ملاحظة ازدياد عدد الباحثين في جامعة دمشق على الباحث العلمي لغوغل google scholar وهذا يعني استدراك هذا الخلل كنتيجة لورشات عمل قامت بها وزارة التعليم وبالتعاون مع الجامعات الحكومية والخاصة، وهذا بلا شك دفع بترتيب الجامعة إلى المقدمة في التصنيف حيث استعادت جامعة دمشق موقعها في قمة هرم الجامعات السورية.
باختصار.. كيف نرفع موقعنا في التصنيفات العالمية؟
يختم الباحثان بالقول: يتطلب رفع موقع جامعة دمشق والجامعات السورية بصفة عامة في التصنيفات العالمية إصلاح التعليم العالي لجهة التمحور حول البحث العلمي إضافة للتعليم والتعلم، وأن تتوزع متطلبات الترفيع والترقية على إنجازات الباحث العلمية وكفاءته كمدرس، ومدى تطويره لطرائقه التدريسية، وهذا بالمقابل يتطلب زيادة التمويل والإنفاق على البحث العلمي وزيادة الاستثمارات الحكومية في التعليم العالي، بما يتناسب مع زيادة أعداد الطلاب، وبما يحفظ الكفاءات من التسرب؛ إعادة النظر بأنظمة الامتحانات والتقييم بحيث تعطي ثقلاً للبحث العلمي في المرحلة الجامعية الأولى؛ خطة إستراتيجية لكل جامعة لتحسين التصنيف العالمي للجامعات والإستراتيجية هنا قرار مؤسساتي وممارسة وعمل وثقافة وليست قراراً سياسياً؛ استقطاب العقول والكفاءات المهاجرة؛ زيادة الإنتاج العلمي في مجال ترجمة الكتب والأبحاث وتشجيع النشر بلغات أخرى؛ ترميم الفجوة الإلكترونية مع الجامعات العربية الأجنبية لجهة اعتماد التقانة الرقمية واستثمار مصادر التعليم المفتوحةOER والإقلاع بالتعليم الإلكتروني التفاعلي وبشكل مبرمج؛ تشجيع حركة تدويل التعليم العالي للتبادل الطلابي وعلى مستوى أعضاء هيئة التدريس؛ زيادة التعاون العلمي مع الجامعات الأجنبية وتشجيع الأبحاث المشتركة؛ خلق المنافسة بين الجامعات الحكومية والخاصة، مضاعفة عدد أعضاء الهيئة التدريسية لعدد الطلاب.
Discussion about this post