كشف الخبير الاقتصادي عامر الياس شهدا أن المرحلة التي يمر بها الاقتصاد السوري اليوم مشابهة تاريخياً لمرحلة الثمانينيات من القرن الماضي، ففي السنوات العشر السابقة تم الرهان على اتحاد المصدرين إلا أن الواقع أثبت عدم جدوى هذا الاتحاد، حيث لم يحقق الهدف من إحداثه، رغم قيامه بالإعلان عن أرقام مغرية كرقم التصدير لـ/114/ دولة وتصدير /750/ مادة وتحقيق موارد قطع بـ/700/ مليون دولار خلال تسعة أشهر، ولكن يبدو أنها أرقام تطلق جزافاً من دون أن يلحظ مطلقوها أن أرقاماً كهذه يجب أن تنعكس على نسبة مساهمة التصدير في نسبة الناتج المحلي، وتأثيرها في الكتلة النقدية المتداولة وسعر صرف الدولار ومعدل البطالة ودوران العجلة الإنتاجية في الاقتصاد، هذا الأمر يستوجب إنعاش الذاكرة بخصوص التصدير بسورية.
وأوضح شهدا في مقال له نشرته صحيفة الوطن السورية أن ربط الاستيراد بالتصدير قرار وطني يفرضه الوضع الراهن للاقتصاد والقوة الشرائية لليرة السورية، حيث إن تعهد إعادة قطع التصدير سيؤدي إلى توفير القطع في السوق السورية، وتوفير موارد للمصرف المركزي تمكنه من رفع قدرته على التدخل بسوق القطع بقوة لضمان استقرار سعر الصرف، وهذا الأمر سينعكس إيجاباً على القوة الشرائية لليرة السورية وعلى أسعار المستهلك، ويرفع قدرة المركزي من الرقابة على حركة القطع والكتلة النقدية المتداولة في السوق.
تشكيل مجلس تصدير
وأضاف أن قراراً كهذا سيؤدي إلى ترميم الاحتياطي النقدي من القطع الأجنبي، وسيمكن المصارف من تمويل عمليات الاستيراد مهما بلغت، ونعتقد جازمين أن كل هذه النتائج تصب في بوتقة تحقيق رغبات ومطالبات شريحة كبيره من المجتمع وعلى رأسهم رجال أعمال يملكون الحس الوطني.
ودعا شهدا إلى تشكيل مجلس تصدير في سورية برئاسة مصرف سورية المركزي يتألف من أعضاء من مجلس النقد والتسليف وعضو عن كل من وزارة المالية والاقتصاد والصناعة والزراعة والتجارة الداخلية وعضوين من اتحاد غرف التجارة والصناعة وعضو من الجمارك ووضع سياسة تصديرية شاملة ترتبط بخطة الإنتاج الزراعي وبقاعدة بيانات عن المنتج الصناعي السوري للقطاع العام والخاص، وفصل الإنتاج الصناعي المعتمد على مواد أولية محلية عن منتج يعتمد على المواد الأولية المستوردة وهذا الأمر يساعد في ضبط عمليات الاستيراد، وهذا الأمر يخلق ضوابط لعمليات تمويل المستوردات من المواد الأولية، ويخلق قاعدة بيانات توضح حجم الإنتاج، وكل هذه البيانات تساعد على معرفة احتياجات السوق المحلي من الإنتاج الصناعي والزراعي واستخراج الفائض من الإنتاج للتصدير مما يخلق ضوابط لعدم العودة إلى التصدير الوهمي.
إحداث مصرف خاص بالتصدير
ودعا إلى إحداث مصرف خاص بالتصدير يقوم بتمويل المصدرين وعمليات التصدير بفوائد مخفضة يرافقه إحداث مؤسسة وطنية للتأمين على الصادرات السورية ضد المخاطر التجارية وغير التجارية وإقامة مراكز تجارية تابعه للسفارات السورية بالخارج بالتعاون مع اتحاد غرف التجارة والصناعة من مهامها تزويد المصدرين برغبات وميول المستهلكين في سفارة كل دولة وتسهيل مشاركة المصدرين السوريين بالمَعارض وخلق أجواء لعقد اتفاقيات تعاون خاصة بالتبادل التجاري وإلى وضع توصيف حقيقي للمصدر يعتمد على تاريخ عمله، وحجم ضرائبه، وعدد عماله إذا كان صناعياً أو زراعياً ويصدر إنتاجه، وعدد عماله المسجلين بالتأمينات، على أن يتم ربط كل ذلك بحجم تسهيلات التصدير التي ستمنح له وبموجبها يتم تسطير تعهدات التصدير لمصلحته وإعادة دراسة مواصفات المنتج السوري الجاهز للتصدير ووضع ضوابط متشددة بخصوص تصدير المنتج السوري وإعادة دراسة كل القرارات والبلاغات والتعاميم الخاصة بتعهدات إعادة قطع التصدير وقرارات التنازل عن القطع ونسبها وأسعار الدولار التي ستعتمد لشراء قطع التصدير وعمولاتها.
أرقام وقرارات
ولفت الخبير شهدا إلى أنه في منتصف الثمانينيات صدر القرار /2315/ الذي ربط الاستيراد بالتصدير حيث نشط القرار عمليات التصدير الوهمي رغم أن الأرقام التي كانت تظهر كتلة التصدير في ذلك الحين كبيره جداً، فإنه وبعد دراسة تأثير التصدير في الناتج المحلي وجدنا أن مساهمة التصدير في الناتج المحلي 2.5% دون النفط وذلك عام 1998، على حين كانت مساهمة التصدير بالناتج المحلي عام 1976 تساوي 18% وأضاف: في عام 1988 صدر قرار بتطبيق تعهدات قطع التصدير وإعادة القطع الأجنبي وبيعه لمصلحة البنك المركزي بالكامل، ثم عدل القرار عام 1999 حيث أصبح المصدر يبيع للمركزي 50% من القطع المحقق و50% له حرية التصرف بها، في العام 2000 أصبح 90% من القطع المحقق من التصدير يعود للمصدر.
وتابع: في عام 2002 ارتفع الدولار في سورية ليرتين حيث تجاوز سعر الصرف /50/ ليرة سورية فصدر قرار بمنح المصدرين قيمة صادراتهم بالدولار بدلاً من الليرة السورية وبنسبة 75% وتصريف نسبة 25% بأسعار القطع في الدول المجاورة لمصلحة المركزي، وكان سبب ارتفاع الدولار بذلك الوقت كما بينته لجنة دراسة أسباب ارتفاع سعر الدولار هو الإقبال الكبير على استيراد السيارات السياحية من قطع التصدير، لذا ندعوكم للمقارنة بين الأمس واليوم لجهة ارتفاع سعر الدولار مع السماح بتجميع السيارات واستيراد قطع التبديل لها التي تبرر أسباب ارتفاع الدولار حالياً.
ولفت شهدا إلى أنه في عام 2003 صدر القرار 1100 الناظم لعمليات التصدير ألغي وتبعه قرار رقم 2311 تاريخ 20/8/2008 الخاص بإلزام جميع المصدرين بتنظيم تعهد إعادة قطع التصدير لدى أحد المصارف المرخص لها تلاه القرار رقم 217 تاريخ 25/2/2014 الخاص بتعهدات التصدير للخضر والفواكه والقرار 216 تاريخ 25/2/2014 المعد للمادة الأولى الفقرة (أ) من قرار لجنة إدارة مصرف سورية المركزي رقم 850 تاريخ 16/7/2013 ليشمل إلزام مصدري الآليات والتجهيزات الصناعية والمعدات وخطوط الإنتاج والمركبات بتنظيم تعهد قطع التصدير.
وأضاف: صدر القرار 1397/2014 الذي أعاد العمل بتعهدات قطع التصدير وألغى القرار العمل بأحكام القرار 2311/2008 وجميع القرارات الصادرة سابقاً والناظمة لتعهدات إعادة قطع التصدير اعتباراً من سريان مفعول هذا القرار وتم استثناء تصدير الذهب والأغنام من أحكام هذا القرار، بذلك الوقت سمح المركزي للمصدرين بإدخال قيمة بضائعهم المصدرة لتسديد تعهدت إعادة قطع التصدير نقداً مع اشتراطه تقيد المصدرين بعدم إدخال مبلغ يزيد على مئة ألف دولار أميركي أو ما يعادله من العملات الأجنبية مع إمكانية استخدام المبالغ لتسديد تعهدات التصدير مع إلزام المصدر بتقديم الوثائق المطلوبة للمصرف، وسمح لهم بتسديد أكثر من تعهد من المبلغ المدخل، وفي الوقت نفسه حمّل المركزي غرف التجارة مسؤوليتها عن تعهدات إعادة قطع التصدير.
تصدير وهمي وتصريحات هلامية
وأشار شهدا إلى أن سعر صرف الدولار في عام 2015 تراوح بين /175/ ليرة لكل دولار مع بداية العام وبنهايته تخطى سعر /225/ ليرة، ونتيجة ضغط من اتحاد المصدرين على الحكومة والمركزي، أصدر المركزي قراراً رقم 679/ل أ لعام 2016 تضمن إعفاء كل تعهدات التصدير من إعادة قطع التصدير المنظمة وبدأ الدولار بالارتفاع ورغم تدخلات المركزي في ذلك الحين فإنه لم يستطيع ضبط الأمور بسبب أنه أعفى نفسه من الرقابة على موارد الدولار من خلال إلغاء تعهدات إعادة قطع التصدير، وضعف دور المركزي في تثبيت سعر الصرف حينها، ورافق ذلك تصريحات هلامية بأرقام وهمية من اتحاد المصدرين واستمر الوضع حتى منتصف عام 2017 حيث عاد المركزي ليسيطر واستطاع تثبيت سعر الصرف لمدة أكثر من عام ونصف العام، بعدها اتخذ قرار بتجميع السيارات بسورية واستيراد قطع تبديل لها فبدأ الدولار قفزاته حتى أصبح الفارق بين سعر السوق والسعر الرسمي متجاوزاً مئة ليرة سورية، رافق ذلك شح بموارد المركزي من القطع الأجنبي مما أضعف دورة في التدخل للجم ارتفاع الدولار، وتحول بعض المستوردين لمصدرين للاستفادة من فارق سعر الدولار حيث نشط التصدير الوهمي التي أثبتته الأرقام المعلنة من اتحاد المصدرين وأثبتت دراسة الكتلة النقدية المتداولة وترصده الودائع بالليرة السورية بالمصارف إضافة إلى تحليل موارد الخزينة من الضرائب بعد مقارنتها بالإنتاج ونسبة البطالة، ففارق السعر يحقق للمصدر أرباحاً تفوق أرباحه المحققة من الاستيراد، مما نتج عن هذا الوضع سوق مضاربة للدولار على حساب الليرة السورية، حيث إن بعض القرارات خلقت الفرصة لمثل هذا العمل وأوجدت أشخاصاً تمولهم المصارف لشراء قطع من المضاربين بالسعر الذي يحددونه، لذلك لن نستغرب وقوف البعض لمعارضة دراسة قرار يعيد ربط الاستيراد بالتصدير، لأن ذلك يضرّ بمصالحهم الشخصية ضاربين عرض الحائط بالمصالح الوطنية.
Discussion about this post