بقلم: ســــامـــر طلاس
حققت جمهورية الصين الشعبية إنجازات اقتصادية وتجارية منذ تأسيسها قبل ما يزيد على ستة عقود، وتركزت طفرتها الاقتصادية خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث حقق اقتصادها معدلات لا بأس بها على مستوى الدول الصناعية الكبرى ما دفعها إلى الصعود إلى المرتبة الثانية عالمياً، من حيث حجم الاقتصاد، وذلك بعد الولايات المتحدة الأمريكية متغلبة بذلك على اليابان، واستطاعت الصين خلال تلك المرحلة أن تحقق طفرة صناعية غير مسبوقة، وحصلت بذلك على لقب مصنع العالم كما باتت من أكبر الدول المصدرة إلى العالم، ما أهّلها لتحقيق فائض تجاري مع معظم دول العالم من دون منافس.
ولكي تتمكن الصين من مواصلة هذا التوسع فقد أطلقت مبادرة الحزام والطريق التي قد تساعدها على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع العالم الخارجي، وتعتمد هذه المبادرة على استثمار فكرة طريق الحرير قديماً، ذلك الطريق البري الذي كان يربط الصين بمنطقة وسط آسيا والبحر المتوسط منذ آلاف السنين، ولكن المبادرة الجديدة هي أوسع نطاقاً من حيث التوسع ولها أبعاد جيوسياسية في السيطرة على مناطق واقتصادات أوسع من شرق آسيا وصولاً إلى قارة أوروبا مروراً بمناطق آسيا والشرق الأوسط وشمال أفريقيا، فهي تتضمن إنشاء شبكة من الطرق البرية وأخرى من الممرات البحرية يواكب التطورات الاقتصادية في العالم، فتلك المبادرة هي إحياء لفكرة طريق الحرير القديم الذي يربط الصين بالعالم الخارجي قبل ألفي عام، ولكن المبادرة الجديدة تنطوي على ملامح وأبعاد عديدة أكبر وأوسع ما كان عليه طريق الحرير القديم، ولاسيما فقد سعت الحكومة الصينية إلى تبنّي العديد من المبادرات لتطوير المناطق الغربية في البلاد التي تعاني ضعفاً اقتصادياً، وأطلقت في عام 2000 حملة في هذا الإطار تحت شعار «الاتجاه غرباً» لتحفيز النمو الاقتصادي هناك، وقامت باستثمار مليارات الدولارات لاستكشاف النفط والغاز الطبيعي بتلك المناطق وسوف تسلم مبادرة الحزام والطريق (Belt and rood initiative)، الحزام البري في تطوير إقليمي شينغيانغ وقانسو اقتصادياً وغيرهما من الأقاليم الغربية، ومن ثم تمثل المبادرة في جانب منها محاولة لإحداث توازن في التنمية الاقتصادية بين مختلف مناطق الدولة.
من جهة ثانية تهدف مبادرة الحزام والطريق إلى مساعدة الصين على إنقاذ خطتها الاقتصادية التي تحمل شعار «صنع في الصين 2025» التي تهدف إلى تحويل الصين إلى اقتصاد متقدم ذي قيمة مضافة عالية مع نقل الشركات ذات الصناعة المنخفضة التكلفة إلى الدول الأخرى في منطقة جنوب شرق آسيا.
كما تتضمن المبادرة أيضاً إنشاء شبكة مقصورة من البنية التحتية الإلكترونية لتستكمل مهمة ربط الصين بالعالم الخارجي في عصر التكنولوجيا بما يسمى طريق الحرير الرقمي، وبدأت فكرة إنشاء هذا الطريق في تموز من عام 2015 لدى انعقاد ورشة عمل بين الصين والاتحاد الأوروبي للتعاون الرقمي في بروكسل، وكان التطور آنذاك أن يتكون المشروع من كابلات ضوئية وشبكة للهاتف المحمول، فضلاً عن تطوير التجارة الإلكترونية بين الصين والدول الأعضاء في المبادرة.
وقد أعلن الرئيس الصيني عن البداية الفعلية لهذا المشروع في مطلع عام 2018 وأكد أن المشروع سوف يساعد الدول الأخرى على تطوير بنيتها التحتية الرقمية، ويستهدف هذا المشروع فتح أسواق جديدة للتجارة الإلكترونية أمام المنتجات الصينية، ومن هذا المنطلق ليس أمام الحكومة الصينية إلا تطبيق مبادرة الحزام والطريق، فقد باتت ضرورة حتمية من أجل تطوير الاقتصاد الصيني، وفي ظل هذه الحقيقة فإنه ليس هناك ما يمكن أن يطلق عليه مصطلح البديل المتاح أمام الصين لهذه المبادرة، وقد تخسر البدائل المتاحة أمامها وفي حال واجهت مصاعب في تنفيذها في إعادة التفكير في منهجية تنفيذها والآليات المستخدمة في أسوأ الأحوال فإنه في حال تعثر تنفيذ المبادرة بشكل تام يمكن للحكومة الصينية أن تقوم بتقسيمها إلى عدة مبادرات فرعية يتم من خلالها العمل على تنفيذها وبالتوازي أو اتباعاً وفقاً للمعطيات المتاحة.
Discussion about this post