ككل فصل صيف تتزايد درجات الحرارة تدريجاً أو فجأة، وبخاصة في السنوات الأخيرة، لتتخطى الخمسين درجة في المنطقة العربية التي تغطي الصحراء أكثر من نصف مساحتها، وفي هذه الأيام تشهد الدول العربية موجة ملتهبة عرفت بـ”القبة الحرارية”، لكن تظل الدول الأكثر تأثراً بها بلاد الشام والعراق ومصر وشمال السعودية.
يقف الملايين في حيرة من أمرهم يتساءلون عن سبب ارتفاع الحرارة إلى هذا الحد، وهل تعمل الدول على وضع خطط واتخاذ إجراءات للتقليل من هذه الحرارة والتأقلم معها؟
القبة الحرارية هي امتداد إلى مرتفع جوي في طبقات الجو العليا، على ارتفاع خمسة كيلومترات عن سطح الأرض، وإحدى هذه الطبقات تعرف بـ”الستراتوسفير”، وتكون درجات الحرارة فيها متدنية على عكس طبقة الجو الدنيا والمعروفة بـ”التروبوسفير” ودرجات حرارتها مرتفعة، والفرق الحراري بين الطبقتين يؤدي إلى تشكل هذه الموجة من منطقة الضغط العالي.
وفق هذه الظاهرة الجوية يصعد الهواء الساخن من الأسفل إلى الأعلى فيصطدم بمنطقة الضغط الجوي العالي ويبقى فيها، ولأن الشمس تزيد من سخونته تدفعه منطقة الضغط الجو العالي للأسفل وعندها يتعرض لضغط أكبر ويصغر أكثر مما يزيده سخونة الكرة الارضية
وقد تستمر هذه القبة الحرارية إلى أيام وربما أسابيع، أو تصل إلى حد أن تكون قاتلة لبعض الناس وتؤثر في المحاصيل أو تسبب حرائق الغابات.
يرافق القبة الحرارية ظاهرة النينو، التي قالت عنها المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO)، “إن ظروف النينو تطورت في المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ للمرة الأولى منذ سبع سنوات، لتمهد الطريق لحدوث ارتفاع محتمل في درجات الحرارة العالمية وأنماط الطقس والمناخ المضطربة”.
وتحدث ظاهرة النينو في المتوسط كل سنتين إلى سبع سنوات، وتستمر النوبات عادة من تسعة إلى 12 شهراً، وهي نمط مناخي يحدث بشكل طبيعي ويقترن بارتفاع درجات حرارة سطح المحيط في وسط وشرق المناطق الاستوائية بالمحيط الهادئ، ولكنه يحدث في سياق تغير مناخي ناجم عن الأنشطة البشرية.
قطبي وصحراوي
اليوم تشهد دول العالم بما فيها أوروبا الباردة، موجات حر أودت بحياة كثر وهددت آخرين، فأسباب ارتفاعها أصبحت كثيرة ومتعددة، وبخاصة تلك الناتجة من النشاط البشري الذي أصبح جشعاً ويريد مزيداً بعد الثورة الصناعية وما خلفته من استخدام كثيف للطاقة أنتج معه انبعاثات ومخلفات زادت الحرارة، واستخدام وسائل النقل وزيادة أعدادها وأنواعها بالتالي زيادة التلوث البيئي الذي يسخن طبقات الجو.
نشاط بشري سلبي امتد إلى القطع الجائر للغابات وتجريف الغطاء النباتي وما يمتلكه من قدرة كبيرة على تنقية الجو وترطيب وتلطيف الحرارة وتعديلها، فالوقوف تحت شجرة غير الوقوف في الشمس.
إن قلة الغطاء النباتي هو ما تعانيه معظم الدول العربية، حيث تزيد مساحة العالم العربي على 14 مليون كيلومتر مربع، وتشكل الصحراء القسم الأكبر من مساحته وبخاصة في دول شمال أفريقيا وشمال السودان والجزيرة العربية والعراق (نحو 90 في المئة)، أما السهول فتشكل نحو ستة في المئة من مساحته وبخاصة في الدول المطلة على البحر المتوسط.
وفي هذه المساحة الشاسعة من الصحراء ترتفع درجات الحرارة كل عام، والسبب يعود إلى أن الرمال لا تحتفظ بالحرارة، فخلال النهار عندما تضرب الحرارة وضوء الشمس الصحراء الرملية، تمتص حبيبات الرمل التي في الطبقة العليا هذه الطاقة بسرعة وتطلقها مرة أخرى في الهواء، إذ تطلق الرمال الساخنة في النهار كثيراً من الحرارة إلى الهواء، مما يؤدي إلى ارتفاع درجة الحرارة.
توصيات منظمة الصحة
تقول منظمة الصحة العالمية إن “ارتفاع درجة حرارة الجسم جراء التعرض لمحيط تتجاوز درجة حرارته المعدلات الطبيعية يؤثر بالسلب في قدرة الجسم على ضبط درجة الحرارة الداخلية مما يمكن أن يسفر عنه مجموعة من الأمراض، منها التشنجات والإجهاد وضربة الشمس وسخونة البدن”.
وباعتبارنا كائنات ذات معدلات حرارة ثابتة فإن أجسامنا تحارب من أجل الحفاظ على درجة الحرارة الداخلية حول 37 درجة سيليزية، فعندما ترتفع درجة حرارة المحيط فإن الجسم يحاول أن يفقد الحرارة، وتساعد آلية التعرق في خفض درجة حرارة الجسم، لكن جدوى ذلك تقل بشكل ملحوظ إذا ظلت درجة حرارة المحيط كما هي أو كانت أعلى من درجة حرارة الجلد.
تشكل درجات الحرارة فوق 37 سيليزية خطورة، وفي الأيام التي تزيد فيها درجات الحرارة على 30 درجة سيليزية، ينبغي اتخاذ تدابير وقائية، وتلعب الرطوبة دوراً. ففي ظل ارتفاع معدل الرطوبة يتعذر إفراز العرق ومن ثم خفض درجة حرارة الجسم، ويمكن أن يموت الناس في غضون ساعات قلائل إذا تخطت درجات حرارة المحيط حاجز 38 إلى 42 درجة في ظل معدلات رطوبة مرتفعة، وفشل الجسم في التكيف مع تلك الظروف.
دفع هذا منظمة الصحة العالمية إلى وضع توصيات تستهدف الحد من ارتفاع درجات الحرارة، وكذلك تقليص كمية الوقت المقضي في أنشطة خارج المنزل تحت الشمس مباشرة، والمطالبة باستهلاك كميات كبيرة من المياه والحصول على فترات راحة متقطعة، كما أوصت بتجنب الحرارة والبقاء بعيداً من الشمس وعدم التعرض لها بين الحادية عشرة صباحاً والثالثة مساء.
وطالبت بالمحافظة على درجات حرارة الغرف منخفضة عبر استخدام المظلات أو عبر الاستعانة بمواد عاكسة خارج النوافذ، وغسل الجسد بماء بارد، إضافة إلى شرب كمية كبيرة من السوائل وتجنب الإفراط في الكحول، وكذلك ملابس واسعة وخفيفة وقبعة ونظارات شمسية إذا كان الشخص ينوي الخروج من المنزل، كما طالبت الناس بالسؤال عن بعضها فهناك ممن قد لا يكون في مقدورهم العناية بأنفسهم.
حلول العالم العربي
أما في الدول العربية فتعمل بعضها وبخاصة المقتدرة منها مالياً كدول الخليج العربي على زراعة أرض الصحراء عبر تقنيات حديثة، فبعضها ينجح والآخر لا يكتب له النجاح في وسط هذه الظروف.
في ظل هذه الموجات تعمل كل حكومة عربية منفردة على اتخاذ بعض الإجراءات للحد من تأثير الحرارة في المواطنين والمزروعات والحيوانات، وتعد كل هذه الإجراءات آنية ولحظية ولا تكفي في ظل معلومات تنبئ بمزيد من الحرارة عبر السنوات المقبلة، فالأمر يحتاج إلى خطط واضحة ومستدامة تعمل على حل المشكلة بشكل جذري.
فمثلاً يرفع الأردن الحصص المائية لمواطنيه للشرب وإرواء الأرض والحيوانات. وذكرت وكالة الأنباء الأردنية أن وزارة الصحة وجهت مديري الصحة والمستشفيات لاتخاذ جميع الإجراءات الاحترازية اللازمة لرفع الجاهزية والاستعداد للتعامل مع أي حالات مرضية قد تنتج من ارتفاع درجات الحرارة، وبشكل خاص أقسام الإسعاف والطوارئ، مشددة على وجوب حفظ الأغذية والأشربة مبردة.
بينما في العراق الذي تزداد فيه موجة الحر بسبب جفاف نهري دجلة والفرات وحرمانه من مياهه التي تروي أراضيه، فمع ارتفاع درجات الحرارة يحصل الموظفون على إجازة ويطلب منهم البقاء في منازلهم، وبخاصة الفئات الأضعف مثل كبار السن داخل المنازل وأيضاً يوصى المواطنين بوضع أوعية مليئة بالماء تحت الأشجار لكي تشرب الطيور والحيوانات.
يعمل المواطن العراقي على الاستعداد الجيد بتأمين “المراوح وأجهزة التكييف”، ويقوم بإغلاق الطابق العلوي في منزله خلال موجات الحر.
وفي مصر وجهت اللجان المتخصصة بالثروة الزراعية مجموعة من التوصيات، ومن أهمها تقريب فترات الري للمحاصيل، وإضافة مركبات البوتاسيوم مع الري أو “رش بعض المحاصيل الحقلية وبعض المركبات الكيماوية مثل سيليكات البوتاسيوم أو سيليكات الألمنيوم أو مادة بيورشيد وهي من كربونات الكالسيوم العضوية فكل ذلك يعمل على انعكاس الحرارة وخفض معدل النتح”.
لبنان كذلك يواجه تحديات جراء موجات الحر والجفاف، مما أثر بشكل كبير في أمنه المائي والغذائي، فقد قالت مصلحة الأرصاد الجوية “إن درجات الحرارة الحالية اعتيادية، حيث تصل في الساحل إلى 38 درجة وتتخطى الـ40 درجة في البقاع، والناس يشعرون بالحرارة لعدم توفر وسائل التبريد التي اعتادوا عليها، وهذا الاعتدال بالحرارة سببه وجود سلسلتين جبليتين، كما أن البلد بجوار البحر وإليه يصل تيارات شمالية وشمالية غربية وليس من الجنوب شبه الصحراوي”.
بقلم سناء الشامي كاتبة وصحفية
Discussion about this post