بقلم: مصطفى المقداد
مدير تحرير جريدة الثورة
إن يكن الإصلاح مطلباً مستمراً في كل الأزمنة، فإنه في سورية يكتسب أهمية خاصة، قبل الحرب الإرهابية وخلالها، فقد سبق طرح مشاريع أو أجزاء من مشاريع إصلاحية في فترات سبقت، لكن الرسالة الصدمة كانت في طرح مشروع إصلاح إداري وطني في توقيت صعب، وزمن شديد الحساسية، ومن جانب رئيس الجمهورية شخصياً، فسورية تعيش وضعاً صعباً في ظل محاربة الإرهاب ووجود مئات التنظيمات الإرهابية مختلفة التسميات موحدة المنطلق الإرهابي والإلغائي، وفي ظل عدوان غربي استعماري متواصل، تقوده الولايات المتحدة الأميركية مباشرة، فيما توكل لقوى عدوانية إقليمية متابعة مهمات العدوان ودعم الإرهاب على مدار الساعة.
هذا الواقع يجعلنا نقف مطولاً عند فكرة التوقيت في طرح المشروع بما يمثله من تحديات، وبما يواجه من صعوبات أقلها عدم سيطرة الحكومة على كامل أراضي الوطن، ووجود العديد من المؤسسات والمباني الحكومية تحت سيطرة الإرهابيين والمجموعات المسلحة، بينها مؤسسات استراتيجية مائية ونفطية واقتصادية هامة.
معنى التوقيت
أمام التحديات الداخلية والخارجية جاء طرح المشروع كرد واضح وموقف مبدئي يعلن الانتصار على المشروع الإرهابي من جانب، والانتقال إلى مرحلة البناء والتعمير من جانب آخر، فالحرب الإرهابية لم تفت من عضد الدولة، والعدوان الغربي الاستعماري لم يستطع تحقيق أهدافه في تخريب بنية المجتمع، وتعطيل مؤسسات الحكومة ومنعها من القيام بمهامها.
وهكذا يأتي طرح المشروع كرسالة تحدٍّ واضحة بأن سورية المنتصرة تعيش حياتها السياسية والإدارية والاقتصادية والاجتماعية بصورة طبيعية، وهي تتجه لحل المشكلات الداخلية المستجدة بغضّ النظر عن الحرب المستمرة في مواجهة الإرهاب، والحرب المفتوحة مع الدول الداعمة للإرهاب، فهي دليل قوة الدولة وقوة قراراتها في تنفيذ الإجراءات التي تراها ضرورية.
ولكن ما مدى القدرة على تنفيذ هكذا مشروع بعد قرابة عام على إطلاقه؟ وما نسبة نجاحه والقدرة على تطبيقه؟ وهل ينجح رئيس مجلس الوزراء والحكومة في تنفيذ الوعد بتطبيق مشروع إصلاح إداري متكامل على امتداد سورية، وفي جميع الوزارات والمؤسسات خلال العام الجاري 2018؟
التحديات
إنها تحديات صعبة وقاسية، لكن الأرضية الوطنية والانتصارات التي يحققها الجيش العربي السوري الباسل تشكل القاعدة الصلبة والمتينة للشروع في التنفيذ، وهذا ما يشكل الداعم الأساسي باعتقادي لتحمّل أعباء هكذا قرار يصعب تنفيذه في ظل وجود استقرار أمني وسياسي وحياة طبيعية تعيشها أي دولة في العالم، فكيف الأمر بدولة مثل سورية كانت لديها خططها ومشاريعها قبل آذار 2011، وكانت ماضية في تنفيذ برامجها التي جعلت من الوطنية العامة مكانة للأمانة والاستقرار، في ظل التقدم الكبير في برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية التي انعكست ارتفاعاً مستمراً في معدل النمو السنوي يزيد عن (3%) دوماً متجاوزاً حدود (5%) في العام 2010، وهذه كلها عوامل قد تساعد في الدفع بالمشروع نحو التحقيق، لكنها لا تشكل الضمانة الكاملة تبعاً لظروف الحرب الإرهابية ومنعكساتها الاجتماعية والإدارية، فضلاً عن المنعكسات الاقتصادية والثقافية وغيرها، فما الذي يشكل عاملاً دافعاً وحاملاً لهكذا مشروع؟
إن أكبر عامل مساعد لإنجاح المشروع هو طرحه من جانب رئيس البلاد خلال ترؤسه لجلسة خاصة لمجلس الوزراء وإطلاق المشروع خلالها وتبنيه بقوة واقتدار، وفي ذلك مغامرة كبيرة وتحدّ لا يعرفه إلا السوريون، فقد كان يمكن أن تطرحه الحكومة، وحتى يمكن لوزارة التنمية الإدارية وحدها أن تقدمه لمجلس الوزراء، ويتم نقاش فقراته وبنوده خلال اجتماعات الحكومة، وإقراره ثم الحصول على مباركة مقام الرئاسة له، أما أن يتم تبنيه وطرحه من جانب رئيس الجمهورية فإن النتيجة ستكون واحدة فقط وهي النجاح، وبالتالي يجب أن توضع جميع مقومات النجاح في سبيل إخراجه بالحلة الناجحة المرادة.
فهل نحن قادرون على تقديم تلك المقومات التي تضمن نجاحه وإنجاحه؟
تحدٍّ كبير
لعل أكبر تحدّ يواجه المشروع هو لا شعبيته، وهذا واقع حقيقي يلمسه المتابعون له، فليس هناك ثمة اهتمام شعبي على مستوى المواطنين، ولا متابعة شعبية لما تقوم به وزارات الدولة أو المؤسسات الحكومية، وحتى المشاريع التشريعية المطروحة في مجلس الشعب، والتي تبدأ بتحديد وتوصيف الوظائف الحكومية، وتحديد صلاحيات الوزارات والوزراء ومعاونيهم والمديرين العامين في القطاعات الاقتصادية والإدارية، وفي قطاعات الخدمات أو القطاعات الإنتاجية.
فكأن المشروع يتم مناقشته وبحثه داخل أروقة الحكومة، سواء في اجتماعات مجلس الوزراء أو في داخل لجان متخصصة في الوزارات والمؤسسات العامة، فيما تضعف المتابعة الشعبية لتلك النشاطات وكأن الأمر لا يعني أحداً منهم، والسبب هنا مرتبط أصلاً بضعف الثقة بالحكومة على مدى السنوات الماضية.
الداخلي الحكومي
ثمة ظاهرة تلك مؤشرات سلبية داخلية الحكومة ذاتها، وهي غير مثبتة بالدلائل والبراهين، لكن حوارات وتصريحات بعض الوزراء والمديرين العام للمؤسسات الكبرى تعكس الموقف من إدارة المشروع، وإن كانت تتحاشى توجيه أي نقد أو اعتراض لأساس المشروع فإنها تصرح في جلسات خاصة بما يخالف الفكرة والتكليف، إذ يرى بعض الوزراء أن وزارة التنمية الإدارية تأخذ دور الوصي على بقية الوزارات، فضلاً عن أنها تصادر قرار الحكومة مجتمعة في بعض الأحيان.
أما الواقع فإن وزارة التنمية الإدارية ماضية في وضع معايير علمية ودقيقة مدروسة ومبنية على وقائع ومعطيات محددة تقدم توصيفاً وظيفياً للموقع بعيداً عن الشخصنة، وقد كان تحديد مهمة ووظيفة منصب معاون الوزير أحد أهم أوراق العمل العملياتية في المشروع الكبير، بمعنى أن فهم المشروع الكبير يتكئ على سلسلة متواصلة ومترابطة من العمليات التراكمية التي تؤدي إلى نتيجة إيجابية في نهاية المطاف.
وأخيراً
إن التعويل على مدة زمنية قصيرة الإنجاز هذا المشروع تصور خاطئ، فالمشروع يحتاج فترة أطول من العام الجاري، إذ إن التنفيذ يحتاج تدريباً للكوادر ومشاركة قانونية وتشريعية، تشكل روافد وروافع لمشروع طموح دونه عقبات وإعاقات كثيرة وتراكمات لا يسهل الخلاص منها بمرسوم أو قانون.
Discussion about this post