بقلم: محمد المريجاوي
اليوم وفي نهاية الأزمة السورية لابدّ من وضع برامج وسياسات وخطط واستراتيجيات وطنية ترمي إلى تحقيق التنمية المستدامة، بالتنسيق مع القطاعات الحكومية كافة: (الصحة– التعليم- التربية- الثقافة- الإدارة المحلية- الرعاية الاجتماعية..) بمشاركة المجتمع المحلي والمدني والمنظمات الدولية العاملة في القطر، ولذلك لابد من اغتنام الفرص أثناء فترة التعافي المبكر والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار وفق خطط منهجية متطورة لضمان الانتقال الفعال إلى التنمية الشاملة المستدامة، ويمكن وضع موجهات ومحددات الإطار الوطني لإعادة إعمار وبناء سورية الجديدة خلال هذه المرحلة، والتي تعتبر مرحلة التأسيس والتحضير لمرحلة إعادة الإعمار.
الاعتبارات الاقتصادية المؤثرة في التنمية شاملة المستدامة
إن تحقيق تنمية اجتماعية متوازنة يتم من خلال الاستثمار المجدي للمكان وبما يضمن استمرار المنافع المكتسبة وتحقيق وزيادة معدلات النمو الاقتصادي المستدام بأبعاده الاجتماعية والبيئية آخذين بالاعتبار استدامة الموارد غير المتجددة، إضافة إلى استعادة الدورة الاقتصادية ورؤوس الأموال التي هجرت البلاد والتوجه نحو الداخل بالتنمية المحلية من خلال تعزيز المقومات البشرية ضمن مرحلة إعادة الإعمار وبناء سورية الجديدة، واستثمار الموارد بالشكل الأمثل وبما يضمن تحقيق النمو الاقتصادي المستدام.
الرؤى والتوجهات الاستراتيجية للتنمية المستدامة الشاملة
الاستدامة: إن مفهوم الاستدامة يتمحور حول ثلاثة محاور أساسية وهي: المحور الاقتصادي– الحماية البيئية– التنمية والرعاية الاجتماعية، وتعتبر الاستدامة عنوان كل أشكال التنمية التي يطمح إليها المجتمع في كل الخطط والسياسات، وهنا يمكن أن نلخص المبادئ الأساسية للنهوض بالاستدامة على مستوى المجتمع المحلي وفق مايلي:
- الاهتمام ببناء الإنسان: يعتبر المنطلق والهدف الأساسي للتنمية الشاملة ومرحلة إعادة الإعمار وبناء سورية الجديدة، من حيث تنمية القيم الأخلاقية والمجتمعية والوطنية، وإعداده سلوكياً وعلمياً ومهنياً والسعي لتكون ثمار التنمية في خدمته وتحسين نوعية حياته.
- التنسيق القطاعي المتكامل لتحقيق التنمية المستدامة الشاملة.
- الإدارة البيئية: لعمليات التنمية الشاملة وتعظيم المنفعة المجتمعية المتنامية من الاستخدام الأمثل للموارد.
- التنمية الزراعية: لتحقيق أقصى حدّ من الكفاية الذاتية والأمن الغذائي على مستوى البلاد.
- حماية التراث الوطني.
- التنمية الاقتصادية والاجتماعية لتحقيق الاستقرار والتوازن الديموغرافي الإقليمي وزيادة الدخل.
- مشاركة مجتمعية فعالة: شركاء في عمليات التنمية.
- التوسع باستخدام الطاقات البديلة: إضافة للطاقات التقليدية.
- تعزيز العلاقة التنموية بين التجمعات العمرانية الهرمية.
- تنمية الموارد البشرية: وإعادة هيكلة الأنظمة الإدارية والتعليمية بما يتوافق مع مستجدات التنمية القطاعية المتكاملة.
التقليل من حدة الأزمة خلال مرحلة التعافي المبكر (بناء ثقافة الوقاية ومعالجة المفرزات)
إن التخفيف من حدة الأزمة يعتبر الخطوة الأولى نحو اتباع نهج شامل لإدارة الأزمة ومعالجة مفرزاتها وفق خطط منهجية صحيحة، وهو تدبير مستمر للتقليل أو القضاء على التأثيرات والمخاطر الجانبية المرتبطة بالأزمة، لذلك فإن التقليل التدريجي من آثار ومفرزات الأزمة لا يحتاج إلى أن نوجه الأنظار إلى مرحلة ما بعد الأزمة فقط، وإنما يجب أن نبحث في الظروف المحيطة التي أدت إلى نشوء هذه الأزمة، ولا سيما العامل المجتمعي والثقافة المنتشرة في المجتمع، لذلك لابد من الاهتمام بالمجتمع الأهلي والمدني والعمل على إعادة تأهيله وإشراكه بشكل فعال في وضع الحلول والخطط والاستراتيجيات المستدامة لإعمار المناطق المتضررة نتيجة الحرب، وبالتالي فإن مسار التحول لأي مجتمع محلي إلى مجتمع مستدام آمن وصحي ويقدم أساساً متيناً لحياة مليئة بالرخاء وبالفرص المتساوية للجميع.
الأمان واستراتيجية الأمن وإعادة الإعمار
تتطلب استراتيجية إعادة الإعمار ترابطاً كبيراً بين الجوانب السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، وإن الشرط الأساسي لتحقيق التعافي المستدام لإعادة الإعمار هو إعادة الأمان والاستقرار وضمان حقوق المواطنين في ممتلكاتهم الخاصة، ولاسيما الممتلكات العقارية في ضوء صدور القانون رقم /10/ لعام 2018، ويعتبر تأمين المساكن ومراكز الإيواء للمهجرين والنازحين أحد أبرز الاحتياجات الفورية بمرحلة ما بعد الأزمة، وغالباً ما تتركز الجهود على توفير السكن السريع دون مراعاة التأثير الناتج عن استراتيجيات الإسكان على المدى القصير، غير أن استراتيجيات الإسكان على المدى الطويل والمستقبلي لا تركز فقط على تحديد وتنفيذ الخطط الواقعية وخطط الإعمار الدائمة للمناطق المتضررة، وإنما ترتبط بينها وبين إعادة بناء ثقة المجتمع المعنية وخلق شراكات استراتيجية فيما بينها (الحكومية والمدنية والمنظمات الدولية).
انعكاسات الأزمة على الواقع السكني تتلخص بما يلي:
- تراجع عدد السكان المقيمين في سورية بسبب تداعيات الأزمة التي تمر فيها البلاد، ومتوسط الزيادة السنوية للسكان في تصاعد مستمر.
- انخفاض آني بمعدل النمو السكاني بسبب حالات الهجرة الداخلية والخارجية والنزوح واللجوء.
- تأثر معدلات الخصوبة بكل مستوياتها بشكل كبير.
- تغير توزع السكان في الأقاليم السورية، وتغير كبير في عدد التجمعات السكانية بكل إقليم.
- تعثر عملية تنفيذ برامج السياسة السكانية.
- انخفاض مؤشرات الصحة العامة عن المستويات ما قبل الأزمة مع الأضرار البالغة التي أصابت منظومة العمل الصحية.
مقترحات لتطوير الواقع السكاني المستقبلي يمكن أن نوجزها بالنقاط التالية:
- ضبط معدلات النمو السكاني وتحقيق التوازن التنموي مع معدلات النمو الاقتصادي.
- تحقيق التوازن التنموي في توزع السكان الجغرافي المنتظم.
- تحسين الخصائص النوعية للسكان.
- الاستعداد لانفتاح النافذة الديموغرافية واستثمارها تنموياً.
- توفير الظروف الموضوعية لتسريع عملية عودة السكان الآمنة والطوعية.
- الاستفادة من عملية إعادة الإعمار في تجاوز الخلل في التوزع الجغرافي.
- ردم الفجوة التي خلفتها الأزمة في المؤشرات التنموية للقطاعات التالية (التعليم – التربية – الصحة – الثقافة..).
- اعتماد منهجية ومقاربة جديدة تربط بين النشاط الاقتصادي للسكان وتوزع المواد.
- تطوير البنية التشريعية الخاصة بالتجمعات السكانية والعمرانية، وتحديد الأسس والمعايير في تصنيف التجمعات السكانية (الريفية – الحضرية).
الإطار الوطني لإعادة إعمار وبناء سورية الجديدة
إن الإعداد لمرحلة مابعد الأزمة توفر فرصاً فريدة لزيادة القدرات لجميع الجهات الحكومية والوطنية والمحلية الفاعلة في عملية التنمية الشاملة، فعلى المستوى المحلي قد يستلزم ذلك تعزيز قدرات صنع السياسات وتهيئة البيئة التشريعية والقانونية اللازمة لتنفيذ الخطط والبرامج التي تشجع على التنمية المستدامة، وتلعب المجالس المحلية والوحدات الإدارية الدور الرئيسي في عملية التنمية المستدامة والانتقال إلى التنمية المستدامة الشاملة على مستوى المحافظات وعلى مستوى القطر، كما أن التحضير لمرحلة ما بعد الأزمة يستلزم إحداث تخطيط استخدام الأراضي المناسبة، بما فيها المخططات التنظيمية والعمرانية وتأمين الأراضي اللازمة للإسكان، وحماية الأرض وحقوق الملكية والإدارة الفعالة للمشروعات وفق إطار وطني وهو (الإطار الوطني للتخطيط الإقليمي)، إضافة إلى تطوير وتحسين أسلوب الإدارة والذي جسده البرنامج الوطني للإصلاح الإداري (الذي أطلقه السيد رئيس الجمهورية) وكل ذلك يتمحور داخل إطار استراتيجي وطني شامل طويل المدى وهو الإطار الوطني لإعادة إعمار وبناء سورية الجديدة، حيث يقوم الخبراء والفنيون بتحديد مكونات هذا الإطار وأهدافه والرؤية الوطنية المستدامة لإعادة الإعمار وبناء سورية الجديدة– العلاقة بين القطاعات وفق رؤية تنموية مستقبلية– استراتيجية التنمية الشاملة المستقبلية– الملامح العامة للواقع السكاني وتطوره المستقبلي للوصول إلى مجتمع سكاني متوازن ومستقر تتصف موارده البشرية بخصائص نوعية تتوافق مع متطلبات النمو والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويتصف نسيجه الاجتماعي بالتماسك والتنوع، إضافة إلى تمكين المجتمع المدني والمجتمعات المحلية عن طريق المشاركة النشطة في جهود عملية التنمية وتطويرها، للوصول إلى مجتمع محلي مستدام ذاتياً، وتعزيز المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وتطوير أساليب مبتكرة لدعمها، والتركيز على المشاريع ذات الأثر التنموي الواضح والمباشر وذات الإمكانات الهامة في خلق فرص التشغيل.
Discussion about this post