من الصحافة العالمية
كتب عمار عزّوز مقالاً بعنوان: «كيف يمكن للمعماريين السوريين البدء بإعادة البناء – حتى وسط دمار الحرب»، نشرته صحيفة ذا كونفيرزيشنThe Conversation في 18 تشرين الأول/أكتوبر 2018.
يبدأ الكاتب بالقول: «حولت الحرب العديد من المدن السورية إلى ساحات معارك، وتغيرت أشكال مدن، كحلب وحمص والرقة، بشكل كبير، بسبب الدمار العمراني والنزوح الجماعي للمواطنين».
ويضيف: «يصارع السكان العالقون في المناطق الساخنة من أجل التأقلم مع الحياة اليومية، إذ يتضمن روتينهم اليومي حواجز تفتيش ومناطق أمنية وأحياء محاصرة، إنهم يعيشون بين الأنقاض، وهم في حالة من القلق داخل أرضهم، لأنهم فقدوا، وسط الدمار الشامل، إحساسهم بالإنتماء للمدن كما عرفوها».
في سورية، حيث دخلت الحرب عامها الثامن، لم يعد يستطيع المعماريون والمخطِّطون المدنيون انتظار خطط “إعادة الإعمار ما بعد الحرب” أو “الحل السلمي”، وعوضاً عن ذلك، بدأوا بالفعل بالعمل على إنقاذ تراثهم والحفاظ على هويتهم وحماية تاريخهم من الاندثار بفعل العنف الشديد.
ويحدث هذا بطرقٍ متنوعة، يخبئ البعض تحفاً ومصنوعات تقليدية في مدافن سرية لحمايتها من التخريب والنهب، ويحاول البعض الآخر إعادة بناء المنازل والأسواق المدمرة، وتأمين المأوى للسكان النازحين، بينما يسافر البعض إلى بلدان أخرى (لبنان والأردن وتركيا) للتدرب على أفضل الطرق لإنقاذ مدنهم وتراثهم.
لقد أجبرت الحرب المهندسين على تغيير تفكيرهم للاستجابة لدينامياتها المتغيرة، وكجزء من بحثي الخاص، يقول الكاتب، تحدثتُ مع معماريين سوريين داخل وخارج البلاد حول كيفية دعم إعادة بناء هذه المدن من بعيد. فظهرت العديد من الأفكار، بما في ذلك إنشاء برامج للمراقبة، والتعاون البحثي مع الأكاديميين، وتوفير المواد التعليمية على الإنترنت حول الهندسة المعمارية، وأعمال إدارة البناء والمشاريع.
علينا أيضاً أن نتذكر ما الغرض من إعادة البناء مستقبلاً، فلكل من المهندسين المعماريين والأكاديميين والسياسيين والاقتصاديين والمطَورين جداول أعمالهم ومصالحهم الخاصة، بالنسبة للبعض، إعادة الإعمار هي فرصةٌ ماليةٌ للاستثمار وكسب المال، وبالنسبة لآخرين، هي مكان للمصممين الأجانب لتجربة أفكار جديدة.
هناك مخاوف بالفعل من أن السوريين أنفسهم هم آخر من سيشارك في هذه الخطط والمحادثات المنبثقة – وأن مثل هذه الخطط قد لا تضعهم في قلب عملية إعادة الإعمار.
العديد من المهتمين بـ “إعادة الإعمار” في سورية لا يعرفون إلا القليل عن هذا البلد، وطرق العيش فيه، وطبيعته الاجتماعية والثقافية، ويجب أن نتذكر أن أية عملية بناء تأخذ مجراها ستكون على أرض مشبعة بدماء الرجال والنساء والأطفال السوريين.
كما يجب أن نكون حذرين من نقص التوازن في خطط إعادة الإعمار، وبناء المرونة الحضرية، أي القدرة الاستيعابية للمدينة وأنظمتها وسكانها على التكيف مع الصدمات والضغوط المختلفة.
في بعض المدن، تركز إعادة الإعمار وبناء المرونة على عدد قليل من النقاط في المدينة، بحيث تستفيد منها مجتمعات معينة فقط، بينما يتم تجاهل بعض المجتمعات المحرومة، وكما يشير خبير التصميم الحضري لورانس جـ. فالي، إلى أن تباين المرونة يهدد قدرة المدن ككل على تأدية وظيفتها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً.
لكن هناك أمل أيضاً، إذ يمكن للهندسة المعمارية أن تجلب إيجابيات هائلة للمجتمع السوري المدمَّر، فيمكن أن تكون رمزية وقوية عندما يكون لدى المهندسين المعماريين فرصةٌ لمواجهة التاريخ.
يشرح البروفيسور نيك بولوك في كتابه “بناء عالم ما بعد الحرب” كيف أن إعادة البناء، بعد الحرب العالمية الثانية، قد خلقت فرصة لروح الابتكار والتجريب، مرتبطة بالآمال لعالم جديد ولهندسة معمارية أفضل.
ومع هذه الخسارة الهائلة لبنية المدن والريف في سورية، يسعى المعماريون لإظهار العمارة السورية، على السوريين أنفسهم بناء سورية الجديدة، فهم لا يريدون تطبيق طابع معماري دولي في مدنهم، أو خطة إعادة إعمارٍ شبيهة بتلك التي نُفذت في بيروت، والتي لا تعكس هوية البلد، وعوضاً عن ذلك، فإنهم يتطلعون نحو إبراز الهوية السورية من خلال العمارة، هذا الفن الذي قد يجلب إحساساً بالعدالة الاجتماعية والتماسك لجميع السوريين، والنازحين والفقراء والمحرومين؛ وإعادة بناء سورية للجميع.
__________________________________________
* عمار عزوز باحث زائر في جامعة كامبردج – بريطانيا
Discussion about this post