في الاقتصادات الغربية، تمثل الشركات الناشئة المصدر الأهم للوظائف الجديدة، كما تساهم في التطور التكنولوجي الذي يرفع مستوى معيشة المواطنين، ولذلك نجد في كل دول العالم، ومنها الدول الخليجية، أن الحكومات تنفذ سياسات لدعم ريادة الأعمال.
وتمثل التسهيلات المالية المقدمة لرواد الأعمال سياسة رئيسة ضمن هذا النطاق، قائمة على التصور أن صعوبة رفع رأس المال تشكل عائقاً رئيساً أمام رواد الأعمال المحتملين، لاسيما من ذوي الدخل المحدود، أو من فئة مهمشة اقتصادياً، مثل المرأة أو ذوي الاحتياجات الخاصة.
وسعياً لقياس أدائها، ترصد الجهات العامة التي تدعم ريادة الأعمال ما ينجزه الرواد المستفيدون، من جهة المشاريع الناجحة، واستمرارية الشركات التي قامت تحت رعايتها. وهذه خطوة مهمة لكل الحكومات، لاسيما الخليجية، التي باتت تتابع مفعول سياساتها بشكل دقيق، سعياً إلى ضمان فعالية مشاريعها.
ولكن من الصعب تقييم مفعول سياسات دعم رواد الأعمال بشكل علمي ورصين، لأن ذلك يتطلب معلومات حول ماذا كان سيحصل للشركات الناشئة في حال غياب سياسة الدعم، وهذه معلومات غير متوافرة لأنها تتمحور حول حدث افتراضي.
وعلى سبيل المثال إذا استفاد شخص من منحة حكومية لإطلاق تطبيق على هاتف ذكي، ونجح المشروع وحصد ملايين الدولارات، فذلك لا يمثل بالضرورة نجاحاً لسياسة المنحة الحكومية، إذ كان من الممكن أن يُطلق هذا الشخص التطبيق ولو لم تتوافر المنحة، ولقياس أداء السياسة بشكل دقيق، يجب تحديد المشاريع التي نجحت بسبب الدعم، وكانت ستفشل أو لن تُطلق أساساً في حال غيابه.
وبناءً على هذا التحدي في قياس أداء سياسات دعم ريادة الأعمال، قام الباحثون بروس هاملتون من جامعة «واشنطن بسنت لويس» في الولايات المتحدة، ونيكولاس باباجورج من جامعة «جونز هوبكينز» في الولايات المتحدة، ونيدي باندي من جامعة «دلي» في الهند، بإعداد دراسة حول انعكاسات سياسات دعم رواد الأعمال.
وركز الباحثون على العوامل التي يأخذها الشخص في الاعتبار عندما يتخذ قراراً حول الانتقال من وظيفة عادية إلى ريادة الأعمال، لا سيما قدرته على تأمين رأس المال المطلوب للمشروع.
وإضافة إلى ذلك، ميّز الباحثون بين بعدين رئيسين، الأول قدرة الشخص في مجال ريادة الأعمال، وهو أهم عامل في تحديد نجاح المشروع، والثاني تناغم عناصر شخصيته مع طبيعة العمل في ريادة الأعمال، لاسيما حبه للاستقلال في تحديد مهام العمل، واستعداده لتحمل التوتر الذي تسببه تقلبات العمل في ريادة الأعمال.
واستخدم الباحثون بيانات من الولايات المتحدة، وأدوات اقتصادية متقدمة، للتعمق حول من يصبح رائد أعمال، ولماذا، واستنتجوا أن هناك فئتين تعتمد على الدعم الحكومي لإطلاق مشاريعها الرائدة، ولن تمارس ريادة الأعمال في حالة غياب ذلك الدعم. والفئة الأولى هي «رواد أعمال بحكم السلوك»، وهم الأشخاص الذين يتصفون بالشخصية التي تجعلهم يستمتعون بالعمل كرواد أعمال، ما يعني أنهم يحبون الاستقلال ولا يخشون أخطار هذه المهنة؛ ولكنهم يبتعدون من ريادة الأعمال في حال غياب دعم حكومي، إذ يفتقرون إلى القدرات المطلوبة للنجاح.
أما الفئة الثانية فتشمل «رواد الأعمال المترددين»، وهم الأشخاص الذين يتميزون بعناصر النجاح، ولكن شخصياتهم غير مناسبة لهذا المجال، إذ لا يعتبرون الإدارة الذاتية في العمل مهمة، ولا يتحملون توترات الوظيفة.
وتقوم سياسة الدعم الناجحة على تشجيع الفئة الثانية على ممارسة ريادة الأعمال، وعدم تشجيع الفئة الأولى، ولكن الباحثون استنتجوا أن في الولايات المتحدة، أدت سياسة دعم رواد العمل إلى نتيجة عكسية، ما يعني أنها شجعت أشخاصاً يتمتعون بمهارات إدارية وتجارية متدنية على التحول إلى رواد أعمال، لأنهم يحبون الاستقلال في العمل، وليس لأنهم يتميزون بعناصر النجاح. وفي ما يخص المشاريع الناجحة، اكتشف الباحثون أنها ستقوم حتى في حال غياب الدعم الحكومي، إذ أن المستثمرين الخاصين كانوا سيسدون الثغرة، وبالتالي إن كان الهدف هو تنمية الاقتصاد، يجب مراجعة سياسة دعم رواد الأعمال مالياً، والنظر في سبل تخصيص تلك الأموال للجهات التي فعلاً تمتلك عناصر النجاح.
كيف يمكن للدول النامية أن تستفيد من هذا البحث؟ يجب عدم التسرع في تبني الاستنتاجات بسبب اختلافات بين الدول النامية وأميركا، ولكن يجب على أصحاب القرار إجراء بحث مماثل، مبني على بيانات الدول النامية، تمهيداً لإعادة النظر في آلية دعم رواد الأعمال فيها.
Discussion about this post