العالم الاقتصادي- رصد
تحمل تحذيرات صندوق النقد الدولي حيال الآفاق المتشائمة لنمو اقتصادات الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أخبارا محبطة لصناع القرار السياسي والنقدي الذين يجدون أنفسهم حائرين بين مواجهة الظروف العالمية القاهرة وبين حماية الناس اجتماعيا.
اعتبر صندوق النقد الدولي الاثنين أن النشاط الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا يتسم بالمرونة مع استمرار التعافي هذا العام، لكنّ خبراءه لم ينكروا أن الحكومات أمامها تحديات كثيرة حتى تواجه الأسوأ.
وفي ظل وضع قاتم يتعين على دول المنطقة توخي الحذر من زيادة الظروف غير المواتية على مستوى العالم، خاصة وأنه لا مفر من مواصلة جهود الإصلاح لتحقيق التوازنات المالية.
وليس ذلك فحسب، بل أيضا عليها الحرص على التصدي إلى آفة التضخم القاسي، التي نخرت جيوب الناس وخاصة الفقراء، وباتت تهدد الطبقة المتوسطة بالاضمحلال.
وفي حين أن الدول المصدرة للنفط تستفيد من مكاسب لم تكن في الحسبان، حيث يُتوقع أن تحقق تريليون دولار تراكميا خلال الفترة من 2022 إلى 2026، تواجه الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المتوسط صدمة عميقة.
ويتعلق ذلك بشكل أساسي بمؤشر معدلات التبادل التجاري من حيث قيمة الصادرات نسبة إلى قيمة الواردات، في ظل تباطؤ الاقتصاد العالمي، وتقلب أسعار الغذاء والطاقة، وتشديد شروط التمويل.
وقال جهاد أزعور مدير الصندوق للشرق الأوسط وآسيا الوسطى، لرويترز قبيل إصدار تقرير أكتوبر، إنه “يجب على هذه الدول أن تكون في حالة تأهب مع تزايد الرياح المعاكسة، وزيادة نقاط الضعف”.
وأضاف على هامش مؤتمر صحافي بمركز دبي المالي العالمي لإطلاق تقرير الصندوق حول “آفاق الاقتصاد الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى” أن المنطقة بحاجة إلى “التحرك الآن”.
وأكد أزعور أن على الحكومات “التصرف بسرعة والعمل بطريقة شاملة” في الإصلاحات الهيكلية، وأن على مصدري النفط استغلال هذه الفرصة لتعزيز أوضاعهم للحماية من الصدمات.
ويتمثل أحد التحديات الملحة في معالجة أزمة تكلفة المعيشة من خلال استعادة استقرار الأسعار وحماية الفئات الضعيفة من خلال الدعم الموجه وضمان الأمن الغذائي.
وذكر خبراء الصندوق في تقريرهم أن “ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة النقص في الغذاء والطاقة قد يؤديان إلى انعدام الأمن الغذائي والاضطرابات الاجتماعية، لاسيما في عام 2023″، محذرين من تضخم واسع النطاق.
وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، من المتوقع أن ينمو الناتج المحلي الإجمالي بنسبة خمسة في المئة هذا العام، ارتفاعا من 4.1 في المئة بمقارنة سنوية.
ويرجح خبراء صندوق النقد بعد ذلك أن يتباطأ النمو إلى 3.6 في المئة في العام المقبل بسبب تدهور الأوضاع العالمية.
وتم وضع تقديرات للتضخم عند 12.1 في المئة في 2022 و11.2 في المئة في العام المقبل، ولكن هذه التوقعات تبدو متفائلة حيث أن الجفاف سيكون ضيفاً ثقيلاً في السنوات المقبلة وقد يتسبب في جعل المعيشة أكثر غلاء.
ومن المتوقع أن تؤدي مدفوعات الفائدة المرتفعة والاعتماد المتزايد على التمويل قصير الأجل في بعض الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المتوسط مثل مصر وباكستان وتونس إلى زيادة إجمالي احتياجات التمويل العام.
ويقدر أن تصل التمويلات إلى نحو 550 مليار دولار خلال العام المالي 2022 – 2023، وهو ما يزيد بمقدار 22 مليار دولار عن الفترة السابقة.
وبالتوازي مع ذلك يسود اعتقاد بأن دول الخليج العربية المصدرة للنفط ستتخلى عن نحو 33 في المئة في المتوسط من عائدات النفط في الفترة من 2022 وحتى 2026، بما سيؤدي إلى تحسن بشكل عام في التوازن المالي.
ولكن أزعور يعتقد أن الحاجة لمقاومة الارتداد تستدعي زيادة الإنفاق “وقت السعة الاقتصادية” عن طريق الإنفاق الداعم للدورة الاقتصادية.
وعلى الأرجح سيؤدي ارتفاع أسعار النفط والغاز إلى زيادة متوسط فائض المعاملات الجارية في دول الخليج الست إلى 9.7 في المئة من الناتج الإجمالي المحلي في 2022، ارتفاعا من 4.6 في المئة بمقارنة سنوية، بما سيؤدي إلى فائض إضافي يبلغ 275 مليار دولار.
وقال أزعور “تؤكد العديد من دول الخليج أنها ستلتزم هذه المرة بخططها للانضباط المالي وهناك دائما إغراء العودة للإنفاق الداعم للدورة الاقتصادية”.
ارتفاع أسعار المواد الغذائية وزيادة النقص في الغذاء والطاقة قد يؤديان إلى انعدام الأمن الغذائي والاضطرابات الاجتماعية
وتابع قائلاً: “على الدول المصدرة للنفط أن تزيد وتعزز من احتياطاتها واستغلال هذه اللحظة كاختبار مصداقية لتنويع مستدام” للأنشطة الاقتصادية.
وستفوق الدول المصدرة للنفط أقرانها بتنبؤات النمو نسبته 5.2 في المئة هذا العام ارتفاعاً من 4.5 في المئة في 2021 بدفعة من أسعار النفط المرتفعة ونمو قوي للناتج الإجمالي المحلي غير النفطي ما حيد أثر رفع الفائدة عالمياً وصعود أسعار الغذاء.
وأشار الصندوق في تقريره الأحدث إلى أن من المتوقع تراجع النمو إلى نحو 3.5 في المئة خلال العام المقبل مع تراجع أسعار النفط وتباطؤ الطلب العالمي.
ويتوقع أن تحقق السعودية، وهي أكبر اقتصادات المنطقة العربية، نموا نسبته 7.6 في المئة هذا العام بما يقل قليلا عن توقعات الحكومة البالغة ثمانية في المئة وارتفاعاً من 3.2 في المئة في 2021.
وهناك توقعات بأن نمو القطاع النفطي في البلد سيتراجع 3.3 في المئة العام المقبل من 13.1 في المئة في العام الجاري بينما توقعات الناتج الإجمالي المحلي غير النفطي تبلغ في 2023 نحو 3.8 في المئة مقابل 4.2 في المئة هذا العام.
وقال أزعور: “توصياتنا بشأن السياسات للسعودية وكذلك للدول الأخرى المصدرة للنفط هي الحفاظ على مسار الإصلاحات الذي ساعد في تنويع الاقتصاد وتحسين الإنتاجية وتجنب السياسات الداعمة للدورة الاقتصادية”.
وأوضح أن حجم القطاع غير النفطي ينمو في السعودية والإمارات ودول خليجية أخرى مع بدء العمل في مجالات جديدة وجذب الاستثمارات مع وجود قطاع مالي “رأسماله كبير ومربح وقوي”.
وحث أزعور على زيادة جهود تنويع الأنشطة الاقتصادية والإصلاحات التشريعية لزيادة الإنتاجية وتعزيز البنية التحتية لدعم نمو القطاع الخاص.
– العرب –
Discussion about this post